منذ الخامس والعشرون من يناير 2011 ومصر فوق صفيح ساخن من قلق وترقب لما ستأتي به الأيام .
تضامنت قوى الشعب الوطنية من جميع الأطياف والفئات والإتجاهات الأيدولوجية السياسية والأيدلوجية الدينية . وقف الحمل إلى جوار الذئب ، والذئب إلى جوار الأسد وقفة رجل واحد محدد الأهداف واضح المطالب مصمم بعزيمة الإيمان بإسترداد حقوق له سُلبت لعهود وأزمنة طويلة وظنوا أنهم لا فرار من قبضة الظالم والظالمين من حكومة ورئاسة شاخت وأصبحت دمية في يد إمرأة تحركها كيفما تشاء ، تساندها قوة الأمن التي أصبح ولاؤها الكامل للمرأة وإبنيها .
لاقى الشعب المصري الهوان من ظلم وإضطهاد وإحتقار دون تميز أو تفرقة بسبب الدين أو العقيدة . لكن بسبب ظلم الظالمين الذين أطلقوا أيدي الطامعين في السلطة والحكم على طريقتهم الخاصة وبأسلوبهم الخاص . وأيدلوجيتهم الدينية الخاصة بهم . وأعني بهم جماعة الأخوان المسلمون التي أصبحت القوة الحقيقية المسيطرة والمهيمنية على فئات من الشعب المصري . فئات كانت الجماعة ترى فيهم السمع والطاعة لأمير كل مجموعة من الجماعة ، والسمع والطاعة للمرشد العام للجماعة . فكانوا على الرغم من تحجيمهم في الأنتخابات البرلمانية عام 2010 على عكس ما حدث في إنتخابات 2005 حيث كانوا الكتلة الوحيدة المعارضة .
لا أحد يعرف السبب الذي دفع الأمن المصري المشاركة في أحداث كنيسة القدّيسَين بالأسكندرية التي راح ضحيتها أبرياء من المسيحيين المتواجدين داخل الكنيسة للصلاة .
ذلك الحادث كان بمثابة إنطلاقة شرارة الثورة بخروج شباب الكنيسة يهتفون ويطالبون برحيل مبارك وحكومته وعلى رأسها حبيب العادلي وزير الداخلية المصري .
وجد باقي شباب مصر في شجاعة إخوة وأخوات لهم في الوطن ، حافزا لهم فتكاتفوا معهم وتحدد يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 يوم التلاحم والتجمع مطالبين بمطلب واحد أخذوا يرددونه بصوت زئير أسد واحد غاضب مكشر عن أنيابه مستعد للفتك بأعداءه من الحكام وعلى رأسهم المخلوع مبارك وعائلته وحاشيته .
تم لهم ما أرادوا وظن الشباب أنهم قد نجحوا في تحقيق مطالبهم دون أخذ
الحيطة من الذئاب التي شاركتهم مرتدية ثياب الحملان . فتركوا الساحة لهم فكشروا عن أنيابهم وظهرت حقيقة الأخوان المسلميين .
زاد الطين بلة بمساعدة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمساندته للسلفيين والسماح بثلاثة آلاف من السلفيين بالعودة الى مصر بعد أن كانوا مبعدين عنها .
هذه فقط تذكرة لبداية الحكاية التي عاشها ومازال يعيشها الشعب المصري بعد إستيلاء الأخوان والسلفيين على السلطة .
أصبحت الساحة السياسية مرتعا خصبا للتيارات الإسلامية المتعددة والتي على رأسها تيار الأخوان والتيار السلفي .
كانت الفترة الإنتقالية بعد رحيل مبارك في يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان .
شاهدنا وعشنا تخبطات من أفعال المجلس العسكري في إتخاذ القرار . بدأنا لا نعرف مع من هذا المجلس ! ، هل هو مع الأخوان ! ، أم مع السلفيين ! ، أم مع المدنيين المهمشين من أبناء مصر !.
إنتهى الأمر بتولي الأخوان كل السلطات بمشاركة التيار السلفي بما فيها سلطة رئيس الجمهورية الذي نجح في الإعادة ضد الفريق أحمد شفيق على الرغم من شعور الشعب المصري بعدم مصداقية النتيجة وأن هناك قوة خفية تعمل على دفع الأخوان لتولي السلطة .
جميعنا من في الخارج ومن في الداخل كان يراقب ما سوف تؤل إليه حال مصر بعد حصاد الأخوان والسلفيين وبعض من التيارات الإسلامية على الأغلبية العظمى في مجلس الشعب . وهنا ظهر بكل وضوح الهدف الذي يهدفون إليه في حكم البلاد . فمنذ اليوم الأول كذبوا في إختيار رئيس المجلس على أساس إختيارا ديمقراطيا " على الرغم أن " الديمقراطية والتيارات الأسلامية لا يمكن أن يمتزجا مثل الزيت والماء " . لكن ما حدث أثناء أخذ الأصوات في الأختيار ، كانت صورة الدكتور الكتاتني تعلق على الحائط في غرفته .
أعتقد أننا جميعا نعرف ما مرت به مصر في تلك الفترة القصيرة من عمر من تسلقوا وأستولوا على السلطة غير عابئين لا بغالبية الشعب المصري ولا بمصر ومستقبل مصر .
أطلق الرئيس مرسي بالونات إستطلاع عندما أمر بعودة مجلس الشعب . فوجد معارضة قوية من التيارات الليبرالية بمختلف توجهاتها السياسية .
أطلق بالونا إختباريا أخر بإبعاد النائب العام محمود عبد المجيد عن منصبه بإرساله سفيرا لمصر بالفاتيكان . ثار الشعب واعترض فعاد ولغى القرار .
ظننا أن الأوضاع ممكن أن تستقر بعد ذلك والأنتباه الى أحوال الشعب المصري الذي يردد الرئيس دائما وأبدا أنه رئيس لكل المصريين .
مرت فترة على الرغم من التوترالذي إنتاب التأسيسية في وضع الدستورالذي كان واضح أن الهيئة لها هدف واحد محدد يخدم فئة واحدة من بين جميع فئات الشعب المصري ليتم لها السيطرة الكاملة على مقدرات الشعب المصري ، آلا وهي فئة التيار الأسلامي الذي على رأسه الأخوان والسلفيين ولا مكان لأي فئة إلى جوارهم .
زاد ذلك من توترات الشعب المصري وظهرت المعارضة ليس فقط من التنظيمات السياسية الليبرالية التي بدأت تتجمع وتتحد نحو هدف واحد هو التحرر من سلطة التيار الديني الذي سيحول مصر إلى قندهار أخرى مع الفارق . فخرجت نسوة علنا وأمام كاميرات الفضائيات تطالب بإسقاط الرئيس وإتهامه بعدم إخلاصه للشعب المصري .
إزدادت رزالة التيار السلفي على الشارع المصري يريدون به فرض تفكيرهم فرضا على جميع أطياف الشعب من تكفير إلى تشهير ، إلى تهديد ووعيد ... إلخ .. إلخ .
بدأ الأمر واضحا بين الأخوان وسلطتهم وحماس في غزة ومدى المساعدات التي يقدمونها لهم على حساب إحتياجات الشعب المصري .
بدأ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يأخذ شكل إعتداءات بينهما بإطلاق الصواريخ المتبادل بينهما .
تم إيقاف الصراع وذهبت وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى القاهرة وإلتقت بالرئيس المصري محمد مرسي لتطلعه على أخر الأحداث في غزة . وهذا بدون شك يعطيه أهمية خاصة على أنه رئيسا لأكبر دولة عربية إسلامية في الشرق الأوسط . وهذا يعطيه إطمئنانا بأنه قد تسلم رئاسة مصر رسميا من وزير خارجية أميركا هيلاري كلينتون .
في يوم الخميس 22 / 11 / 2012 ، أي بعد لقاءه مع وزير الخارجية الأمريكية بيوم واحد فقط أصدر الأعلان الدستوري الجديد . الذي كان بمثابة الشرارة التي إنطلقت لتلهب التيارات الليبرالية المختلفة التي خرجت مطالبة بإلغاء الأعلان الدستوري الجديد .
من العجيب في الأمر أن تلك الجماعات الليبرالية كانت تجمعاتهم في كل من ميدان التحرير وشارع محمد محمود والشوارع الجانبية الأخرى ، بينما تجمع الأخوان حول قصر الأتحادية منددين بالليبراليين مشجعين للرئيس على ما إتخذه من قرا ر إصدار الإعلان الدستوري الجديد . وقد خرج إليهم الرئيس وألقى كلمة مطولة غير مهتم بالفئات الأخرى وكأنه يؤكد أنه رئيس لكل المصريين الذين ينتمون إلى التيارات الإسلامية فقط !!!...
عندي تساءل .. مما لا شك فيه أن البالونات الإختبارية التي أطلقها الرئيس مرسي بعودة مجلس الشعب و بإقصاءه للنائب العام ، كان الأعلان الدستوري الجديد معدا من قبل فلماذا تأخر إصداره لحين لقاءه بوزير الخارجية الأمريكية ؟ هل ليتلقى الأمر أو الضوء الأخضر منها ولو بتلميح كل شيء تمام ؟ أم أن الأخوان كانوا منتظرين إنتهاء الأنتخابات الأمريكية والتأكد من فوز الرئيس أوباما للمرة الثانية ؟؟
في كلتا الحالتين واضح أن مصر أصبحت تابعة للحكومة الأمريكية ولو على شكل " التقية " .
أما تداعيات الأعلان الدستوري الجديد سأذكر ما حدث وشاهدته وقرأته منها حتى هذا اليوم الأحد 25 / 11 / 2012 :
** صدور بيان للنائب العام " الجديد " ضد البدوي والبرادعي وصباحي بتهمة قلب نظام الحكم ويطلب التحفظ على مقر حزب الوفد .
** خروج المتظاهرين الغاضبين من صدور ذلك الأعلان ليس فقط بالقاهرة ، بل حدث في بور سعيد والسويس والإسكندرية منددين بالأخوان محاولين الهجوم على مكاتب حزب الحرية والعدالة في كل منهم .
** تقديم كل من الأستاذ سمير مرقص إستقالته من اللجنة الإستشارية التابعة للرئيس مرسي . وتقديم الشاعر والمفكر المصري فاروق جويدة أيضا إستقالته من اللجنة الأستشارية التابعة للرئيس مرسي ، وإنسحابه من الهيئة التأسيسية للدستور معلقا بقوله " أنه كلما بدأ أخذ الأراء فيما يعرض على المجتمعين من أراء حول مواد الدستور برفع الأيدي . فلن يكون هناك إختيار حر لأن أغلبيتهم أختيروا من التيارات الأسلامية " .. هذا ليس نصا حرفيا لما قاله في برنامجه الذي أذيع من القناة الفضائية ( الحياة الأولى ) مساء يوم السبت 24 / 11 / 2012 ، وشاهدته صباح الأحد 25 " .
لقد أضحكني وأبكاني الأستاذ الشاعر الكبير فاروق جويدة عندما ذكر مقولة سلفي : من أهان السلطان .. أهان الله " .
أليست هذه مهزلة !! .. أما عن ما يخبئه القدر من أحداث سنتابعها إن أعطانا الله عمرا ..
0 comments:
إرسال تعليق