المتابع للإعلام الإسرائيلي، وخاصة قنوات التلفزيون ، منذ بداية الصدام الحربي بين حماس واسرائيل، يظن نفسه أمام أهم انجازات اسرائيل منذ قيامها وحتى اليوم.
ليس اقامة وطن قومي، ليس تطوير العلوم ، ليس انجاز البناء الإقتصادي، ليس النجاح في مجال االأبحاث والهايتك، ليس احتلال كل فلسطين واستعمارها، هذه كلها مسائل هامشية بالمقارنة مع الإنجاز الأهم، تحقيق السبق العالمي بعدد الجنرالات بالنسبة لعدد المواطنين وكونهم نجوما اعلاميين في تبرير سياسة العنف والعدوان.. وتعميق مفاهيم وأخلاقيات القوة والعنف كاداة سياسية لا بديل عنها. اليوم ضد الشعب الفلسطيني وغدا ، كما يحذر العقلانيون، في المجتمع الإسرائيلي نفسه، ، والظواهر أكثر من أن تحصى!!
حتى مراسلو الشؤون العسكرية أيضا أصبحوا منظرين عسكريين ، وزراء لم يخدموا بالجيش، صاروا يفهمون بالتكتيكات الحربية ويطرحون خططهم لأساليب "أنجع" في مواجهة الشعب الفلسطيني واركاعه، كأن الجيش وزعماء الحكومة تنقصهم الخبرة . وزير المعارف أيضا لبس قبعه ولحق ربعه، صار منظرا استراتيجيا لشؤون ادارة الحرب ، ليذهب التعليم الى الجحيم ، الدراسة تعلم التياسة!!
كل هذا بسبب مجموعة صغيرة وضعيفة بالمقارنة مع القوة العظمى الإسرائيلية. هل تخيل احد ان حماس قادرة على مواجهة قوة عظمى وارباكها ؟
استاذ التاريخ في جامعة تل أبيب بروفسور شلومو زند كان صوتا نشازا في مهرجان الجنرالات. نشر مقالا كافكائيا مثيرا لم يستعمل فيه كلام الجنرالات: " لكمة حديدية"، "قبضة حديدية "، "قبة حديدية"، "قصف جراحي دقيق لمنع وقوع ضحايا" ، "الضحايا من الأطفال والنساء الفلسطينيين هم بسبب تخزين الصواريخ في المنازل" وشريط طويل من تحليلات جنرالية وتنظيرات مكررة مملة ، كل ذلك في مواجهة حركة اسمها "حماس" لا تزيد عن كتيبة اسرائيلية واحدة في تسليحها وتدريبها وآلياتها . كتب زند في هآرتس خارجا عن الإجماع القومي لجنرالات اسرائيل:" لماذا يطلقون علينا الصواريخ" تسال البنت ؟ "لأنهم يكرهوننا كثيرا" تجيب الأم. "لماذا يكرهوننا؟" " لأنهم لاساميين." لماذ يطلقون علينا الصواريخ بعد ان تركنا غزة؟" يسأل الإسرائيلي العادي قادته السياسيين. " لأنهم دائما ارادوا ويواصلون الرغبة بابادتنا وليس مهما ما نتنازل لهم عنه"؟ تجيب جوقة السياسيين".وتوصل شلومو زند لحقيقة بسيطة لا تحتاج الى علوم الكليات الحربية، بل الى العبرة من التاريخ الذي يعلمه لطلابه . استنتاجه بسيط: "لا مفر لنا، اذا اردنا ان نواصل العيش في الشرق الأوسط وان لا نواصل الموت فيه، الا ان نصل الى حل متفق مع اؤلئك الذين يقفون بمواجهتنا. علينا الإعتراف بالتاريخ وان لا نتنكر له". ويضيف :" قبل كل شيء يجب تغيير الأسلوب الذي نفكر به. ليس بالسلاح وحده يحيى الإنسان"!!
الإعلام الإسرائيلي في تنظيمه لمهرجان الجنرالات، سقط في امتحان الأخلاق. قدم اعلاما هستيريا تحريضيا دمويا وهي اللغة التي لا يعرف غيرها جنرالات اسرائيل. ربما صوت عقلاني واحد سمعته ، ولكنه شطب من قائمة المدعوين لمهرجان الجنرالات.
هل خدموا شعبهم بهذا السيل الحربي من الثرثرة الفارغة من المضمون؟
بموجب استطلاع للرأي أجرته صحيفة هآرتس تبين ان الجنرالات "نجحوا" بجعل الرأي العام الإسرائيلي ( اليهودي بدون العرب) متحمس لعملية "عمود السحاب"، ولكن 30% فقط مع الدخول العسكري البري الى غزة.. التأييد لنتنياهو وبراك لم يتجاوز ال 55% وما زلنا في اولها، والتناقص في التأييد هو الحالة المتوقعة بعد ان يتبين ان الحرب لم تسفر عن ضعضعة مكانة حماس او اضعافها عسكريا ، بل ربما اكسبتها مزيدا من التجربة العسكرية . ثم يبدأ الحديث عن قصورات عسكرية وعدم الإستعداد الكافي وربما ينتقل "مهرجان الجنرالات" كما تعودنا من الحروبات الأخيرة، من حديث ضرب وسحق الفلسطينيين وحزب الله وايران ، الى حديث النواقص والقصورات التي منعت "تساهل" ( جيش الدفاع) من الإنتصار على أطفال غزة. للمقارنة اولمرت وبيرتس في حرب لبنان الثانية (2006) حصلوا على تأييد 85% من المواطنين. وكلنا نعرف النتائج بعد الحرب ، اقامة لجنة فينوغراد للتحقيق بالفشل العسكري ضد حزب الله أشغل اسرائيل سنتين من النقاش والتحليلات واتهام القيادة العسكرية بالقصور، اقالة او استقالة قائد الأركان وغيره من الضباط الكبار.. واثبتت حرب لبنان الثانية ان مفهوم الحرب قي ظل تطوير وسائل قتالية خفيفة ورهيبة الفعالية، لم تعد "صفعة مدوية" وانتهينا. هذا الفلم شاهدناه مرتين على الأقل.
هناك سؤال: متى يتعلم شعب اسرائيل ان لا يصدق قادته ، وان لا يسحره جنرالاته بثرثرتهم الحربية ؟!
على مستوى آخر كسرت غزة حصارها السياسي. رؤساء حكومات ووزراء خارجية ووفود تضامن وحتى ممثل رسمي للسلطة الفلسطينية ورئيسها يزور غزة ضمن التضامن والتعامل مع ايجاد حلول للتهدئة.
الواقع يتبلور كالتالي: اسرائيل تهدد ولكنها مرعوبة من الإجتياح البري، ولا تعرف ما ينتظرها، لو عرفت لما انتظرت. من ناحية أخرى، "الدعم الدولي لاسرائيل للدفاع عن النفس" الذي حصلت عليه من أمريكا اساسا وجزئيا من الدول الأوروبية، يواجه تخوفا أمريكيا من دخول غزة بريا، نتيجة حسابات سياسية تريد الحفاظ على مكانة أمريكا في مصر ودول عربية أخرى ومعارضة حادة من الدول الأوروبية لأي عملية برية ستقود كما هو معروف الى ارتكاب جرائم حرب ضد السكان المدنيين وإستمرار العنف في الشرق الأوسط القريب من اوروبا ومصالحها. حماس لم تبد أي استعداد للتراجع كما يظهر من بياناتها على الأقل ، لكني أميل الى فهم انها لا تريد ان يتطور الصدام الى صدام بري يوقع اصابات بين مئات المدنيين العزل وهدم المزيد من المنازل والبنى التحتة المدمرة أصلا ، لحماس موقف لم تتضح تفاصيله الكاملة بعد ولكنه يسعى نحو انجاز مكسب يبقى مثلا بوابة رفح مفتوحة. لا استبعد ان نجاحها بشل الحياة في جنوب اسرائيل وصولا الى مركز اسرائيل،هو تطور نوعي يجب ان يكون له مكانته في أي اتفاق تهدئة جديد ومحدود زمنيا كما اتوقع. مصر غير معنية بدخول اسرائيل البري لأنه يربك النظام الجديد ويظهره نسخة أخرى من نظام مبارك يختلف بالكلام فقط.
استطع ان أقول ان اسرائيل فشلت. ودخولها لن يغير فشلها بل يمكن ان يضاعفه ويورط حليفتها الكبرى أمريكا بمشاكل هي في غنى عنها. ان ما ارادته اسرائيل بعدوانها الجديد هو اظهار ان الفلسطينيين ارهابيين ولا يمكن قبول مشروع ابو مازن بقبول فلسطين دولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة . سياسيا الحرب ضد غزة نتائجها ستكون عكس ما تسعى اليه اسرائيل. الحرب عززت المشاعر الوطنية العابرة للخلافات السياسية بين حماس وفتح ، ومهدت الطريق لمشروع فلسطين كدولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة. لا ارى ان حماس لها مصلحة برفض هذه الخطوة. هذا ما تخافه اسرائيل، وهو ما جعلته ضمن أهداف عدوانها.
ومهما تكون نتائج هذه التطورات فإن نهاية الفلم لن تكون مغايره لما شاهدناه في اعتداءات سابقة.
ليس اقامة وطن قومي، ليس تطوير العلوم ، ليس انجاز البناء الإقتصادي، ليس النجاح في مجال االأبحاث والهايتك، ليس احتلال كل فلسطين واستعمارها، هذه كلها مسائل هامشية بالمقارنة مع الإنجاز الأهم، تحقيق السبق العالمي بعدد الجنرالات بالنسبة لعدد المواطنين وكونهم نجوما اعلاميين في تبرير سياسة العنف والعدوان.. وتعميق مفاهيم وأخلاقيات القوة والعنف كاداة سياسية لا بديل عنها. اليوم ضد الشعب الفلسطيني وغدا ، كما يحذر العقلانيون، في المجتمع الإسرائيلي نفسه، ، والظواهر أكثر من أن تحصى!!
حتى مراسلو الشؤون العسكرية أيضا أصبحوا منظرين عسكريين ، وزراء لم يخدموا بالجيش، صاروا يفهمون بالتكتيكات الحربية ويطرحون خططهم لأساليب "أنجع" في مواجهة الشعب الفلسطيني واركاعه، كأن الجيش وزعماء الحكومة تنقصهم الخبرة . وزير المعارف أيضا لبس قبعه ولحق ربعه، صار منظرا استراتيجيا لشؤون ادارة الحرب ، ليذهب التعليم الى الجحيم ، الدراسة تعلم التياسة!!
كل هذا بسبب مجموعة صغيرة وضعيفة بالمقارنة مع القوة العظمى الإسرائيلية. هل تخيل احد ان حماس قادرة على مواجهة قوة عظمى وارباكها ؟
استاذ التاريخ في جامعة تل أبيب بروفسور شلومو زند كان صوتا نشازا في مهرجان الجنرالات. نشر مقالا كافكائيا مثيرا لم يستعمل فيه كلام الجنرالات: " لكمة حديدية"، "قبضة حديدية "، "قبة حديدية"، "قصف جراحي دقيق لمنع وقوع ضحايا" ، "الضحايا من الأطفال والنساء الفلسطينيين هم بسبب تخزين الصواريخ في المنازل" وشريط طويل من تحليلات جنرالية وتنظيرات مكررة مملة ، كل ذلك في مواجهة حركة اسمها "حماس" لا تزيد عن كتيبة اسرائيلية واحدة في تسليحها وتدريبها وآلياتها . كتب زند في هآرتس خارجا عن الإجماع القومي لجنرالات اسرائيل:" لماذا يطلقون علينا الصواريخ" تسال البنت ؟ "لأنهم يكرهوننا كثيرا" تجيب الأم. "لماذا يكرهوننا؟" " لأنهم لاساميين." لماذ يطلقون علينا الصواريخ بعد ان تركنا غزة؟" يسأل الإسرائيلي العادي قادته السياسيين. " لأنهم دائما ارادوا ويواصلون الرغبة بابادتنا وليس مهما ما نتنازل لهم عنه"؟ تجيب جوقة السياسيين".وتوصل شلومو زند لحقيقة بسيطة لا تحتاج الى علوم الكليات الحربية، بل الى العبرة من التاريخ الذي يعلمه لطلابه . استنتاجه بسيط: "لا مفر لنا، اذا اردنا ان نواصل العيش في الشرق الأوسط وان لا نواصل الموت فيه، الا ان نصل الى حل متفق مع اؤلئك الذين يقفون بمواجهتنا. علينا الإعتراف بالتاريخ وان لا نتنكر له". ويضيف :" قبل كل شيء يجب تغيير الأسلوب الذي نفكر به. ليس بالسلاح وحده يحيى الإنسان"!!
الإعلام الإسرائيلي في تنظيمه لمهرجان الجنرالات، سقط في امتحان الأخلاق. قدم اعلاما هستيريا تحريضيا دمويا وهي اللغة التي لا يعرف غيرها جنرالات اسرائيل. ربما صوت عقلاني واحد سمعته ، ولكنه شطب من قائمة المدعوين لمهرجان الجنرالات.
هل خدموا شعبهم بهذا السيل الحربي من الثرثرة الفارغة من المضمون؟
بموجب استطلاع للرأي أجرته صحيفة هآرتس تبين ان الجنرالات "نجحوا" بجعل الرأي العام الإسرائيلي ( اليهودي بدون العرب) متحمس لعملية "عمود السحاب"، ولكن 30% فقط مع الدخول العسكري البري الى غزة.. التأييد لنتنياهو وبراك لم يتجاوز ال 55% وما زلنا في اولها، والتناقص في التأييد هو الحالة المتوقعة بعد ان يتبين ان الحرب لم تسفر عن ضعضعة مكانة حماس او اضعافها عسكريا ، بل ربما اكسبتها مزيدا من التجربة العسكرية . ثم يبدأ الحديث عن قصورات عسكرية وعدم الإستعداد الكافي وربما ينتقل "مهرجان الجنرالات" كما تعودنا من الحروبات الأخيرة، من حديث ضرب وسحق الفلسطينيين وحزب الله وايران ، الى حديث النواقص والقصورات التي منعت "تساهل" ( جيش الدفاع) من الإنتصار على أطفال غزة. للمقارنة اولمرت وبيرتس في حرب لبنان الثانية (2006) حصلوا على تأييد 85% من المواطنين. وكلنا نعرف النتائج بعد الحرب ، اقامة لجنة فينوغراد للتحقيق بالفشل العسكري ضد حزب الله أشغل اسرائيل سنتين من النقاش والتحليلات واتهام القيادة العسكرية بالقصور، اقالة او استقالة قائد الأركان وغيره من الضباط الكبار.. واثبتت حرب لبنان الثانية ان مفهوم الحرب قي ظل تطوير وسائل قتالية خفيفة ورهيبة الفعالية، لم تعد "صفعة مدوية" وانتهينا. هذا الفلم شاهدناه مرتين على الأقل.
هناك سؤال: متى يتعلم شعب اسرائيل ان لا يصدق قادته ، وان لا يسحره جنرالاته بثرثرتهم الحربية ؟!
على مستوى آخر كسرت غزة حصارها السياسي. رؤساء حكومات ووزراء خارجية ووفود تضامن وحتى ممثل رسمي للسلطة الفلسطينية ورئيسها يزور غزة ضمن التضامن والتعامل مع ايجاد حلول للتهدئة.
الواقع يتبلور كالتالي: اسرائيل تهدد ولكنها مرعوبة من الإجتياح البري، ولا تعرف ما ينتظرها، لو عرفت لما انتظرت. من ناحية أخرى، "الدعم الدولي لاسرائيل للدفاع عن النفس" الذي حصلت عليه من أمريكا اساسا وجزئيا من الدول الأوروبية، يواجه تخوفا أمريكيا من دخول غزة بريا، نتيجة حسابات سياسية تريد الحفاظ على مكانة أمريكا في مصر ودول عربية أخرى ومعارضة حادة من الدول الأوروبية لأي عملية برية ستقود كما هو معروف الى ارتكاب جرائم حرب ضد السكان المدنيين وإستمرار العنف في الشرق الأوسط القريب من اوروبا ومصالحها. حماس لم تبد أي استعداد للتراجع كما يظهر من بياناتها على الأقل ، لكني أميل الى فهم انها لا تريد ان يتطور الصدام الى صدام بري يوقع اصابات بين مئات المدنيين العزل وهدم المزيد من المنازل والبنى التحتة المدمرة أصلا ، لحماس موقف لم تتضح تفاصيله الكاملة بعد ولكنه يسعى نحو انجاز مكسب يبقى مثلا بوابة رفح مفتوحة. لا استبعد ان نجاحها بشل الحياة في جنوب اسرائيل وصولا الى مركز اسرائيل،هو تطور نوعي يجب ان يكون له مكانته في أي اتفاق تهدئة جديد ومحدود زمنيا كما اتوقع. مصر غير معنية بدخول اسرائيل البري لأنه يربك النظام الجديد ويظهره نسخة أخرى من نظام مبارك يختلف بالكلام فقط.
استطع ان أقول ان اسرائيل فشلت. ودخولها لن يغير فشلها بل يمكن ان يضاعفه ويورط حليفتها الكبرى أمريكا بمشاكل هي في غنى عنها. ان ما ارادته اسرائيل بعدوانها الجديد هو اظهار ان الفلسطينيين ارهابيين ولا يمكن قبول مشروع ابو مازن بقبول فلسطين دولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة . سياسيا الحرب ضد غزة نتائجها ستكون عكس ما تسعى اليه اسرائيل. الحرب عززت المشاعر الوطنية العابرة للخلافات السياسية بين حماس وفتح ، ومهدت الطريق لمشروع فلسطين كدولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة. لا ارى ان حماس لها مصلحة برفض هذه الخطوة. هذا ما تخافه اسرائيل، وهو ما جعلته ضمن أهداف عدوانها.
ومهما تكون نتائج هذه التطورات فإن نهاية الفلم لن تكون مغايره لما شاهدناه في اعتداءات سابقة.
0 comments:
إرسال تعليق