اتفاقية كامب ديفد بين المنتصر والمهزوم/ ابراهيم الشيخ

في السابع عشر من هذا الشهر مرت الذكرى الرابعة والثلاثون على توقيع اتفاقية كامب ديفد بين اسرائيل ومصر، هذه االاتفاقية ما زالت تثير الجدل حول تعديلها أو الغائها، وخاصة بعد التغيرات التي حصلت في مصر.
 بعد فوز محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية وتسلمه السلطة تعالت الاصوات في مصر  من اجل الغاء أو اجراء تعديلات على بنود  هذهالمعاهدة، المطالبَة بإلغاء هذه الاتفاقية او التغيير في بنودها مرده الى الشعور العام في مصر وفي الوطن العربي بأن هذه الاتفاقية ابعدت مصرعن محيطها العربي والتأثير فيه، فمصر كأكبر دولة عربية تم تقزيمها وتحييدها عن دائرة الصراع العربي الاسرائيلي، وهذا بالطبع ما خططت له اميركا والدوائر الصهيونية لتستمر اسرائيل قوية دون منازع في المنطقة.
اما الحدث الثاني الذي تسبب في رفع الاصوات بتعديل اتفاقية كامب ديفد هو الهجوم على الجنود المصريين في سيناء الشهر الماضي، اذ كشفت هذه الحادثة عن ضعف وعدم حنكة  المفاوض المصري عندما تم التوقيع على الملحق الامني لمعاهدة كامب ديفد انذاك، والذي وافق على البنود المذلة والشروط التي تضمنتها هذه المعاهدة دون التفكير بمصلحة مصر، ويبدو ان مصلحة اسرائيل وامنها كانا الهدف الرئيسي من وراء توقيع هذه الاتفاقية،  ونتيجة الموافقة على هذا الملحق الامني من معاهدة كامب ديفد قد جرى تقييد تحركات الجيش المصري على اجزاء كبيرة من سيناء الذي لا يملك الحق بامتلاك الاسلحة الثقيلة والاقتراب من الحدود الاسرائيلية اكثر مما هو محدد له.
 هذا الوضع ادى الى نشوء فراغ امني كبير في هذه المنطقة، مما شجع على نشاط الجماعات المتطرفة وانشاء قواعد لها هناك بهدف شن هجمات ضد اسرائيل، ولكن بالرغم من شن الجيش المصري حملة عسكرية ضد هذه الجماعات الشهر الماضي بعد الهجوم على جنوده، الا ان هذه الحملة كما يبدو قد فشلت، إذ انها لم تحد من نشاطاتهم، وما الحوادث المتتالية في سيناء الا دليلا على ذلك.
غالبية الشعب المصري تطالب بإلغاء او تعديل الاتفاقية، لان هذه الاغلبية ترى مساوئها  وثغراتها التي تصب في مصلحة اسرائيل، بينما يتمسك الرئيس محمد مرسي الذي لا  يترك مناسبة الا ويشدد على احترام هذه الاتفاقات، الا ان التصريحات التي ادلى بها مؤخراً مستشار الرئيس المصري بأن المعاهدة سوف تُعدل ولن تُلغى قد حسمت الجدل الدائر حول الغاء هذه المعاهدة.
فمصر لا تجرؤ على الغاء هذه المعاهدة، أولاً لأنها ستفقد المساعدات التي تحصل عليها من  الولايات المتحدة والتي هي الان بأمس الحاجة اليها، والسبب الثاني هو ان الغاء المعاهدة سيضع مصر في مواجهة اسرائيل والولايات المتحدة، ومصر في الوقت الحاضر غير قادرة على مواجهتهما.
 ان التعديل في حال حصوله يجب ان يأخذ بعين الاعتبار الأخطاء التي وقع فيها المفاوض المصري، حيث أُخِذت مصالح اسرائيل فقط في عين الاعتبار، ومن غير المعروف ان كانت اسرائيل ستوافق على تعديلات تمس بمصالحها لصالح الجانب المصري.
ان اسرائيل عندما وقعت اتفاقية كامب ديفد الاستراتيجية والمهمة لمستقبلها لم تترك اي ثغرة من الممكن ان تؤثر على أمنها ومصلحتها، اما مصر فكان همها الاكبر هو استرجاع سيناء والحصول على المساعدات المادية دون النظر الى ارجاع الحقوق العربية، ولم تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات المستقبلية وتأثيرها على الامن القومي المصري، ان معاهدة كامب ديفد لم تقدم شيئا مهماً للعرب، فقد تم من خلال هذه المعاهدة استباحة امن مصر القومي واضعافها وتكبيلها، وايضا اضعاف الدول العربية امام اسرائيل.
 فالرئيس محمد مرسي يتابع نفس سياسة النظام السابق القائمة على احترام المعاهدة والتنسيق مع اسرائيل في القضايا الامنية، وكذلك الاعتماد على المساعدات الامريكية والارتهان للسياسات الامريكية باسم الواقعية السياسية.
ان الأسس التي قامت عليها اتفاقات السلام الموقعة مع اسرائيل تصب في مصلحتها، وكأن الاتفاقات لم توقع بين اطراف متساوية، وانما وقعت على اساس المنتصر والمهزوم،  يحصل هذا لأن اسرائيل تفكر بكل كلمة تُوقِع عليها وكل خطوة تقوم بها، تخطط وتفكر للمستقبل ولعشرات السنين الى الامام.
ويبدو اننا خسرنا حرب التنافس على من هو الاذكى، ونتساءل هل ان الذكاء الاسرائيلي تغلب على الذكاء العربي؟ نتساءل لأن الاتفاقات الموقعة  مع هذا العدو تصب في مصلحته وذلك يظهر جلياً في حالة معاهدة كامب ديفد
ان اتفاقيات العرب مع اسرائيل يجب مراجعتها على اسس جديدة تضمن الحقوق العربية والمصالح العربية، وليس حسب مبادئ المنتصر الذي يفرض على الطرف المنهزم الشروط التي يريدها.

كاتب وصحافي فلسطيني
ielcheikh48@gmail.com

CONVERSATION

0 comments: