علم القاعدة وظواهر أخرى في مظاهرات النصرة/ صالح الطائي

منذ أن تم عرض الفيلم الصهيوني المسيء للنبي الأكرم (ص) ومظاهرات منظمة وأخرى عفوية تجوب شوارع المدن الإسلامية منددة بالفيلم ومن يقف وراءه. ولأن الفيلم عرض في وكر الشيطان أمريكا فإن السفارات والمصالح الأمريكية كانت هدفا لانتقام المتظاهرين الذين قتلوا السفير الأمريكي وثلاثة من موظفي السفارة في ليبيا وهاجموا سفارات أخرى فأحرقوا العلم الأمريكي وخربوا محتويات السفارات. وفي بلدان مثل مصر والسودان تصدت قوات الأمن للمتظاهرين ومنعتهم من الوصول إلى مباني السفارات فسقط جرحى وقتلى برصاص طائش لا يخلوا من روح الغدر ولا يقل سوء عن تصرف المتظاهرين المنافي للقيم والأخلاق الإسلامية.
وقد رافق هذه المظاهرات ظواهر غريبة وبعضها شاذة، منها الظاهرة الأكثر غرابة وشذوذا وهي حمل (علم) تنظيم القاعدة الإرهابي في المظاهرات بما يوحي بأن هذا التنظيم الشرير الملعون بكل ما يحمله تاريخه الإجرامي الأسود القبيح هو من تصدى للدفاع عن نبي الإسلام دون كل التنظيمات والأحزاب الإسلامية الأخرى على كثرتها في عالمنا العربي والإسلامي.
وأنا أتساءل: هل تم رفع هذا العلم القبيح بشكل مقصود؟ ومن رفعه؟ هل هم أعضاء في التنظيم أم آخرون مغرر بهم أم عناصر مخابرات يتبعون دولا أجنبية أم عناصر من أفراد المؤسسات الحكومية؟ وما الغاية من رفعه؟ هل بات التنظيم قويا بشكل باتت فيه أفكاره ومخازيه هي التي تتحكم بمشاعر المسلمين والشارع الإسلامي أم أن تحديه للأنظمة الإسلامية جعله لا يلتفت إلى المجازفة في رفع العلم، أم هي محاولة لإثبات الوجود بعد الهزائم المريرة المتكررة التي لحقت بالتنظيم؟ وألا إذا ما كان التنظيم حريصا على نبي الإسلام (ص) فلماذا يفجر المسلمين في العراق وباكستان وأفغانستان والبلدان الأخرى لمجرد أنهم يختلفون معه عقائديا ومذهبيا؟
ومن الظواهر الأخرى سكوت تنظيمات الأخوان المسلمين وعدم تصديها للتظاهر ولاسيما في البلدان التي تحكمها مثل مصر، فالأخوان كانوا قبل هذا التاريخ يتزعمون مثل هذه المظاهرات وتعلوا فيها أصواتهم على أصوات الجميع، فلماذا سكتوا اليوم، ما أسكتهم؟ وهل يعني ذلك تغييرا في المواقف أم حفاظا على الكراسي، أم كشفا للمستور؟
ظاهرة ثالثة هي عدم خروج مظاهرات منددة في الدول المؤيدة للمشروع الأمريكي مثل قطر والسعودية بالرغم من إدعاء الدولتين الحرص على الإسلام. فهل يعني ذلك أن الهيمنة الأمريكية جعلتهم لا يقدرون على التظاهر، أم ماذا؟
الظاهرة الأوسع انتشارا تعمد بعض المتظاهرين الإساءة إلى قيم الإسلام من خلال الأعمال الهمجية التي قاموا بها، وهي أعمال بعيدة عن التحضر ولا يقرها الإسلام، فهل أن عملهم جاء عفويا كردة فعل على الفيلم القبيح أم أنهم ينفذون أوامر خارجية طلبت منهم التصرف بهكذا أسلوب منبوذ لكي يسيئوا للإسلام ويشوهوا صورته أمام العالم بما يشرعن عرض مثل هذه الأفلام ويظهرها وكأنها تنقل الحقيقة ولا تتجنى على الإسلام والمسلمين؟
ظاهرة أخرى هي تصدي قوات الأمن للمتظاهرين بالرصاص الحي ولاسيما في البلدان التي ضربها (الربيع العربي) وأصابها في الصميم، فهل يعني ذلك أن الربيع المزعوم خدعة وان ما تغير هو (الجِلال) أو (البرذعة) فقط أما (الحمار) فهو نفسه لم يتغير ولا زال يرفس ويدهس متى شبع أو شعر بالخطر أو الحرج؟
وأخيرا لماذا هذا الفيلم، ولماذا الآن؟ وبصالح من يصب عرضه؟ هل هو جزء من المشروع التخريبي الكبير الذي تنفذه الدول الإستكبارية منذ أمد بعيد، أم أنه مشروع آخر بثوب جديد؟
صحيح أن الفيلم اعتمدت مادته وحواره في الغالب على روايات موجودة في كتبنا الصحيحة ومنها البخاري ومسلم بعد أن زوقوها وحرفوها بما يظهرنا وكأننا المساهمون في كتابة سيناريو الفيلم إلا أن ذلك لا يعني أنهم محقون أو أن ذلك يصب في صالح العلاقات الإسلامية مع الأديان الأخرى.
ظاهرة أخرى تبدو جد مألوفة وهي أن المتظاهرين سرعان ما خبا غضبهم وعادوا إلى منازلهم ومزاولة أعمالهم بعد يوم واحد فقط من التظاهر التخريبي الذي خلف عددا لا بأس به من القتلى وأكثر من مائة مصاب بعضهم إصابته خطيرة وكأن شيئا لم يقع وبذلك كشفوا للعالم أجمع أن جل ما يقدرون عليه هو هذا التخريب الهمجي لا أكثر مع أن بيدهم الكثير من الخيارات التي تحتاج إلى تصميم وعزم لا نملك منه شيئا.
ظاهرة أخرى وهي أن محرك البحث (كوكل) google استهان بعدد المسلمين وتأثيرهم فرفض اعتبار الفيلم من المواد المثيرة للجدل ورفض دعوات رفعه وحجبه واعتبره من المواد الطبيعية التي تعرض على يوميا ولم يجرؤ أي مسلم على الاعتراض على هذا القرار لأن اعتراضهم غير مجدي.
الظاهرة الأجمل من بين كل الظواهر الأخرى حسنها وقبيحها أن حب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وحد المسلمين بكل مذاهبهم وفئاتهم في هدف واحد يوم هبوا مشتركين للاعتراض على هذا العمل القبيح، فهل ممكن توظيف هذا الاندماج الحماسي في سبيل تقوية وتمتين أواصر العلاقة بين المسلمين أم أن علم تنظيم القاعدة المرفوع في المظاهرات يرفض ذلك وأن التنظيم ذاته سيعود إلى عادته القديمة ذبحا وتفجيرا لكي يجعل المسلم يكره المسلم الآخر ولا يطيق رؤيته بل ويفضل عليه اليهود والنصارى وأصحاب الفيلم المسيء للإسلام!؟
فمتى تصحو أمة لا تجيد في الحياة شيئا أكثر من إجادة رفع علم القاعدة الذي يقطر دما على رأسها!؟

CONVERSATION

0 comments: