النّجمةُ سيندي كروفورد تعرّضتْ لمحاولةِ ابتزازٍ، مِن خلالِ نشرِ صورِ ابنتِها العارية؛ ابنة السّبع سنوات، عن طريقِ صديقِ مربّيتِها!
ثمّ حاضنةٌ أخرى في ريعانِ شبابِها وجمالِها، تهتمُّ بشؤونِ الطّفلِ أثناءَ غيابِ أمِّهِ وأبيهِ المُوظّفيْن، لكنّها بعدَ خروجِهما بفترةٍ وجيزةٍ، تخرجُ بمعيّةِ الطّفلِ تتسوّلُ، إلى أن اكتشفَ أمرَ الطّفلِ أحدُ الجيران، فدعا والدَيْهِ ليُصدَمَا بمرارةِ الحقيقةِ العقيمة!
حاضنةٌ أخرى تعملُ على تنويمِ الأطفالِ مدّةَ وجودِهم لديها، إلى أنْ يحينَ موعدُ عودةِ الأهل، كي لا تتكبّدَ معاناةَ بكائِهم ومسؤوليّةَ رعايتِهم، لكن تشاءُ الصّدفةُ أن يُكشفَ احتيالها، إذ أعطتْ أحدَ الأطفالِ جرعةً مضاعَفة!
وهل تكونُ روايةُ "عمارة يعقوبيان" الّتي تُسلّطُ الضّوءَ الفاجعَ على طفلٍ تعرّضَ لاغتصابِ خادمِهِ المتكرّرِ، في عتمةِ ائتمانِ الأهلِ للخادمِ على الطّفل، إلاّ نموذجًا حيًّا لِكَمٍّ هائلٍ مِن أطفالٍ يَفضُّ بكارةَ طفولتِهم بعضُ خدَمٍ وأقرباء بغير توقّع!
وماذا عن تزويجِ طفلاتٍ في العاشرةِ مِن أعمارِهنّ وما دون أو ما ينيف، مِن رجالٍ ميسوري الحال، بشتّى الزّيجاتِ متعدّدةِ التّسمياتِ والأشكالِ والتّبريرات؟
على مدارِ أيّامٍ كانتِ الدّمعةُ تترقرقُ في عينيْها الذّليلتيْن، تتحاشى نظراتِ نزلاءِ الفندقِ، وهيَ تحتضنُ طفليْنِ في غرفةِ الطّعامِ ومجلسِ الاستقبال، تُلقّمُهُما الصّمتَ العاجزَ، فيجيبانِها بحركاتٍ متمرّدةٍ طفوليّةٍ، يتقافزانِ يتصايحان يتضاحكان ويتباكيان، ولا سلطانَ لها عليهما.
أينَ يغيبُ والداهُما عنهما كلَّ هذا الوقت؟ كيف ينشآنِ بكنفِ رعايةٍ منقوصةٍ مِن فلبّينيّة، يثيرُ الشّفقةَ عجْزُها، ويثيرُ البؤسَ طفلانِ ينقصُهما الحنان!
ولا زالتْ خيوطُ عنكبوتِهِ عالقةً في ذهنِ طفلةٍ لم تُصدّقْ ما يحدثُ، ويرفضُ دماغُها الطّفوليُّ الصّغيرُ البريءُ، إلاّ أن يُقرَّ بأنّ هذا الّذي رأتْهُ، ما هو سوى فعلِ خيالٍ، أو مجرّد فيلمٍ يُعبّئِ وقتَ فراغٍ بخيالٍ بعيدٍ بُعدَ السّماءِ عن الأرضِ مِنْ حيثُ الواقع!
رجلٌ منزوعُ القلبِ يخطفُ أطفالاً ويشوّههُم ببترِ أطرافِهم، وفقْءِ عيونِهم، ثمّ يُجبرُهم على ممارسةِ حرفةِ التّسوّلِ والسّرقةِ وبيْعِ المخدّرات، بوسائلَ مريرةٍ وبمنتهى القسوةِ والتّعذيبِ والتّجويع!؟
أيُعقلُ أن تكونَ هناكَ عصاباتٌ بهذهِ القسوةِ واللاّإنسانيّة؟
وهل يلتقي النّقيضان؛ القسوةُ والإنسانيّةُ معًا؟
فيلمٌ قاسٍ طوَتْهُ الذّاكرةُ، وباتَ مركونًا تُغلّفُهُ الأغبرةُ على رفوفِ النّسيان، لكنّ الواقعَ أبى إلاّ أن يُثبتَ براءتَهُ أمامَ ذاكرةٍ معطوبةٍ متعاليةٍ، تغطُّ في سباتِها المُلحِدِ!
ولا يسعُ الألمُ إلاّ أن يطفوَ على صفحةِ الواقع جثّةً نتنةً، تحرّكُها مخالبُ الحقيقةِ الرّجسةِ بأشكالِ تسوّلٍ متعدّدةٍ! شبكةُ تسوّلٍ يُشغّلُها رجلٌ مسؤولٌ عن عددٍ مِنَ الأطفالِ، يوزّعُهم على الطّرقات، يتحايلونَ على السّائقينَ ويستعطفونَهم، ليبيعوا أشرطةً صوتيّةً أو مرئيّةً، أو علبَ كبريتٍ ومناديلَ ورقيّة، أو سجائرَ وحاجاتٍ خفيفةً لا تخطرُ ببالِ سائقٍ.
ترى الأطفالَ يتراكضونَ بينَ السّيّاراتِ، يتزاحمونَ ويتسابقونَ، يتصارعونَ ويتشاتمونَ فيما بينهم، وكلُّ واحدٍ يريدُ الخلاصَ مِن حِملِهِ الّذي على كاهلِهِ مِنَ الحاجيّات بأسرعِ وقتٍ ممكنٍ!
منهم مَن يعملُ على تمسيحِ زجاجِ السّيّاراتِ المارّةِ عندَ إشاراتِ المرور، مقابلَ الحصولِ على الزّهيدِ مِنَ المالِ، يُسلّمونَها للمسؤول، ليُعطِيَهم القليلَ ممّا حصلوا عليه!
أن تجدَ أطفالاً يتسوّلون ما وراءَ الحواجزِ فذاك أمرٌ قد يبدو عاديّا أو اضطراريًّا، وقد تتشفع التّبريراتُ في جعلِهِ شبهَ طبيعيٍّ في ظلِّ الاحتلالِ وضنكِ العيشِ والفقرِ المحيقِ بأبناءِ المخيّماتِ خاصّة، لكن؛ أن تغصَّ مفارقُ البلدانِ العربيّةِ في الدّاخلِ بسنحِ أطفالٍ نحيلةٍ، أحرقتْها عيونُ الشّمسِ، واكتوتْ أقدامُها بلهيبِ الشّوارع!
كيف يصلُ آلافُ الأطفالِ مُهرَّبينَ إلى داخلِ الأراضي المحتلة 48، في أوقاتِ منع التّجوّل وإغلاقِ الحدودِ والحواجز، ولم يتجاوز أكبرهم الـ 12 سنة؟
هل بلغَ بهم النّضجُ قبلَ أوانِهِ، فجعلَ منهم رجالاً صغارًا يتجاوزون الحدودَ والحواجزَ؟
هل هو الموتُ بشكلٍ آخرَ، يدفعُهم إلى الموتِ الأرحمِ في الضّفّةِ الأخرى؟
أيّةُ جرأةٍ تدفعُ أحدَ الأطفالِ المتسوّلينَ إلى الهجومِ على امرأةٍ تقودُ سيّارتَها، ليشَدَّها مِن شَعْرِها، لأنّها لم تُحسنْ إليهِ العطاءِ؟
كانَ ذاكَ يومًا لستُ أنساهُ؛ ثلاثةُ أطفالٍ على مفرقِ النّاصرةِ حيفا طبريّا في ساعةٍ متأخّرةٍ مِنَ اللّيلِ، مبلّلونَ بالمطرِ، ترتجفُ فرائصُهم خوفًا وبردًا، يقرعونَ على زجاجِ نافذةِ السّيّارةِ، يستحلفونَ ويترجّوْن.. ليسَ مالاً إنّما مأوًى حتّى الصّباح!
دمعةُ طفلٍ جائعةٌ للحنانِ همَتْ تقولُ: فتاتٌ مِن تَصَدُّقِ المارّةِ كانَ يوْمي!
ماذا تفعلُ أنتَ يا ابنَ جلدتِهِ، والقانونُ يقفُ أمامَ إنسانيّتِكَ، فلا يجوزُ لكَ أن تُقلَّهُ بسيّارتِكَ أو تُؤويهِ في بيتِك، وإلاّ نالَكَ مِنَ العقابِ أبسطَهُ؛ غرامةً ماليّةً بآلافِ الدّولارات، أو ملاحقةَ الشّرطةِ بتحقيقٍ وتجريمٍ وسجنٍ؟
أينَ هو مُشغِّلُكُم؟ ولماذا لا يأخذُكم لتناموا في مخادعِكم المخصّصةَ حتّى الصّباح؟
للأسف، معاقبون من رئيسِهم، لأنّهم لم يحصلوا على الحدِّ الأدنى مِنَ المالِ بتسوّلِهم ذاكَ اليوم!
أيّةُ لغةِ ابتزازٍ هذهِ المستخدمة بحقِّ الطّفولةِ المنفيّةِ؟ وممّن؟ منك يا ابنَ بلدي؟
منذُ مراحلِ الطّفولةِ الأولى نلحظُ من خلالِ مشاهداتِنا لأطفالِنا حركاتٍ طفوليّةً، تتبدّى لأوّلِ وهلةٍ بسيطةً، كأن يقومُ طفلٌ بتكوينِ شلّة مِنَ الأطفالِ يتزعّمُها من خلال التقليدِ والألعابِ، فيأمرُها وينهاها، وتستجيبُ لهُ حينَ يُسلّطُها على أحدٍ ما، وتدخلُ اللعبةُ في مرحلةِ الجدّيّة، كأنْ يستضعفُ طالبًا ما أصغرَ منهُ أو يُجايلُهُ، فيأخذُ لهُ حاجاتِهِ الخاصّةَ مِن مصروفٍ، أدواتٍ قرطاسيّةٍ وألعابٍ وحاجاتٍ بسيطة، وقد تتطوّرُ إلى استغلالِهِ بتحميلِهِ الحقيبة المدرسيّة، أو تسخيرِهِ في شراءِ حاجيّاتٍ مِنَ الدّكّان، ثمّ المطالبة بمبلغٍ أكبرَ مِنَ المصروفِ، ممّا يضطرُّ المستضعَف إلى السّرقة، لينجوَ مِن بطشِ المستقوي عليه، ومن تهديدِهِ وتخويفِهِ لهُ بالضّربِ بعدَ الدّوامِ، أو تعريتِهِ أمامَ الشّلّةِ لإضحاكِ الأولادِ عليه، أو بفضحِ سِرِّهِ بالتبوّلِ اللّيليّ، أو بأساليبَ أخرى مهينةٍ يتجنّبُها المستضعَفُ.
قد يبدو الأمرُ بسيطًا للأهل، لكنّهُ تربويّا يحملُ مِنَ الخطورةِ ما يبعثُ على القلقِ، إذ إنّ السّلوكَ هذا قد يتطوّرُ سلبًا، لِما يتبطّنُ ويتضمّنُ بوادرَ سيّئةً لاحقًا، إن لم تجدْ مَنْ يَحدُّها ويوقفُها قبلَ أن تستشريَ في استفحالِها!
وأخيرًا.. هل الابتزازُ طريقةٌ أخرى للتّسوّلِ بالإكراهِ، لإرضاءِ الذّاتِ معنويًّا ومادّيًّا وجسديًّا؟
0 comments:
إرسال تعليق