اولاً أشكرك على حضورك للمناسبة، واثمِّن ملاحظاتك القيِّمة، خاصة عندما تعتبر ان نجاح مناسبة اطلاق كتابي هو مؤشّر "يثلج القلب ويشد العزائم ويبقي الامل بقيام حركة ثقافية جادة في هذه الديار"، يدلّ على كبر أخلاقك ونبلها. واصدقك القول اني أعتبر كل مناسبة ادبية هي مناسبة لي. إذا نجحت فهذا انجاز للمثقفين في جاليتنا. واذا فشلت أشعر بالالم واعتبر نفسي مسؤولاً جزئياً عن فشلها.
تقول "انا لست بناقد". اسمح لي يا صديقي ان اخالفك الرأي هنا. فالشاعر لا يمكنه الا ان يكون ناقداً. فكيف إذا كان شاعراً من عيارك؟ الشاعر هو الناقد الاول لاعماله. لقد سمعتك مرة ترفض نشر قصائد عديدة القيتها في مناسبات مختلفة. وما رفضك الا لانك وزنتها بميزان الشاعر الناقد، وانا احييك على هذا الموقف. والشاعر الذي يستطيع ان ينقد شعره: يحذف كلمة، يقدم اخرى، يزاوج الكلمات ليخلق النغم الذي يهزّ السامع، ينشر قصيدة، او يمنع نشر اخرى، هو الاقدر على نقد أعمال الآخرين... وتقييمك لكلمتَي الدكتورين رغيد النحّاس وبول طبر هو دليل آخر ان ميزانك النقدي شديد الحساسية ويعمل بكفاءة عالية جداً ومن عيار 24 قيراط.
أما اشارتي الى اناس "لم يأخذوا حقّهم" في هذه البلاد، فانا معك: الاعتراف يؤخذ ولا يُستجدى. والمبدع
يفرض وجوده فرضاً. وانا لم اقصد أبداً أن ننصب هذا شاعراً، ونمنع اللقب عن ذاك. هذه مسؤولية قصيدته. فاذا لم تستطع القصيدة ان تتوج صاحبها شاعراً فعلى شاعريته السلام... ولكن؟ هناك " ولكن" كبيرة تحتاج الى صفحات. سأكتفي بتوضيح سريع: قلت أنك تطمح لقيام حركة ثقافية جادّة. أنا أطمح مثلك يا صديقي. الحركة الثقافية الجادة بحاجة لمقومات كثيرة لن افصّلها الان. ولكنها بحاجة ماسة ان يواكبها اعلام جاد ايضا. إذا لم يسبقها. أين اعلام جاليتنا؟ وما مقدار الجديّة لديه في هذه الامور؟ وكم مرة تواجد الاعلام في مناسبات الجالية الثقافية بمبادرة ذاتية؟ وكم مرة أعطى الاعلام الاقلام المهجرية حقها؟ او أعطى قضايا الجالية حقّها؟ هذا مع احترامي بالطبع لبعض الاعلاميين الذين يقومون بدورهم خير قيام. وعندي مئات الامثلة على ما اقول. سأكتفي بواحد منها: لقد أشدتَ انت بكلمة الدكتور رغيد. وليس الكلمة وحدها تستحق الاشادة. معظم اعماله تستحق الاشادة و الدعم والتشجيع. سأترك موضوع مجلته الراقية "كلمات" التي نزفت امام اعين المثقفين والاعلام ولفظت انفاساها وسط لا مبالاة تثير القلق والتأسف. واتكلم سريعاً عن كتابه القيّم جداً "طلٌ وشرر". نشره السنة الماضية. لم يحظَ بأي اهتمام من قبل اعلامنا المتلهي بأمور كثيرة. عندما خصّصت الاديبة الكبيرة غادة السمان صفحتها الاسبوعية في القدس العربي للكتاب، وكتبت مقالة رائعة عنه بعنوان: "ايتام الحرية والعروبة" نقلته النهار اللبنانية، عندها دبّت الحمية في بعض صحفنا المهجرية الموقرة ونشرت المقال دون الاشارة الى المصدر وكأنّ السمّان كتبته خصيصاً لهذه الصحيفة او تلك. هذا بعض ما عنيت باناس لم يأخذوا حقهم في جاليتنا...
أما اذا اردنا الوصول الى حركة ثقافية جادة فيجب علينا جميعاً الاعتراف بالآخر. هذه مسألة جوهرية لا يمكن التنازل عنها. إلغاء الآخر وشطبه من المعادلة يزيد المشكلة ولا يحلّها. ولهذا الموضوع مكان آخر على كل حال.
يبقى ان قراءة كتابي، بحجمه الكبير وحرفه الصغير، ارهقت عينيك. سلامتهما من الارهاق. لم يكن هذا قصدي أبداً. فشاشة الكمبيوتر اوهمتني ان الخط مقبول. وشمس حزيران، عندما كنت أقرأ بعض النماذج، وهي تحتضنني بدفئها في هذه النهارات الباردة، أقنعتني ان الخط مناسب جداً. وككل مَن يبحث عن عذر سأضع اللوم على الكمبيوتر وعلى الشمس وربما على نظري الذي لم يكبر معي. بينما كبر فيك النظر. وكبرت فيك الجالية وكبر فيك الشعر.
مع كل المحبة والتقدير
جورج الهاشم
1 comments:
Rich words which give weight to the actual situation and reflect its correct image
Very well said and raised from a great Poet
إرسال تعليق