يقول أراجون، الشاعر الفرنسي: "لو وقف جميعُ رجال الكرة الأرضية لمدة خمسين سنة متصلة يعتذرون للنساء عما فعله بحقهن الذكورُ على مدى التاريخ البشري؛ لما كان ذلك كافيا!” وفي مقاله: "النساء قوّامات"، من كتاب "جنّة العبيط"، يطالب د. زكي نجيب محمود، بأن "تُمنح النساءُ حقَّ قيادة المجتمع قرنًا من الزمان. ينفقن نصفَه الأول في إصلاح ما أفسده الرجالُ على مرّ العصور، ثم يشرعن في النصف الثاني من القرن، في بناء المجتمع وتطويره.” أما سبب اقتراحه، فكان ملاحظته أن البنت المصرية أكثرُ جدية ونضوجًا من الولد المصري إن تشابهت ظروف نشأتيهما. وتقول في هذا المفكرة الفرنسية “سيمون دو بفوار”: “الرجل يُعرَّف على أنه إنسان. المرأة تُعرَّف على أنها أنثى. وحينما تتصرف المرأة كإنسان، يقال لها إنها تقلد الرجل.”
والحقُّ أنها فنّدت في كتابها "الجنس الآخر"، الأسبابَ التاريخية والميثولوجية والسياسية والاقتصادية والعَقَدية التي جعلت من المرأة جنسًا "آخرَ"، أقل مرتبة من الرجل؛ بأن الهمجيةَ البشرية الأولى، مع ظهور الإنسان على الأرض، منحت الأفضليةَ والتفوقَ للجنس الذي (يقتل)، لا للجنس الذي (يُحيي)! والرجل "يقتل" في الصيد والحروب، بينما المرأة "تُحيي" بالحمل والإنجاب والتربية. لهذا كان للرجل مكانة أهم وأعلى من المرأة في العصور الهمجية. لكن مع تطور البشرية واستقرار الإنسان في المجتمعات الزراعية التي قدّستِ الخصوبة والإنماء، مُنحت المرأة شيئًا من القداسة وعلو المرتبة. لأن بسببها حافظت القبيلةُ على استمراريتها وخلودها. فمنحتها الميثولوجياتُ صفات الربوبية والألوهية، فكانت معظم الآلهات من الإناث. لكن سرعان ما انتزعت المجتمعاتُ الرجعية الظلامية الهالة عن المرأة من جديد، وحطّت من قدرها، حين أنصتت إلى أمثال "حسن البنا" الذي قال: «يُعتبر منح المرأة حق الانتخاب ثورةً على الإسلام وثورة على الإنسانية" (مجلة «الإخوان المسلمون» 5 يوليو 1947).
في فجر الإسلام، جاء نفرٌ من المسلمين إلى النجاشي، ملك الحبشة، هربًا من بطش كفار مكّة. فسألهم النجاشي عن نظرة الإسلام للمرأة، فقال جعفر بن أبي طالب: "لهنّ ما لنا، وعليهن ما علينا." فاستهزأ عمرو بن العاص (ولم يكن قد دخل الإسلام بعد ) وقال: "ماذا لهنّ؟ ونحن نشتريهنّ، ونُطعمهنّ، ونكسوهنّ، ليخدمننا. أو نبيعهنّ إذا أبين الطاعةَ!" فردّ جعفر في غضب: "أتمتهنُ المرأةَ التي حملتك في بطنها خَلقًا من بعد خَلْق، وأرضعتكَ طفلاً، وسهرتْ عليكَ حتى بلغتَ أشدَّكَ، يا عمرو؟" تلك هي المرأةُ: الأمُّ، الزوجة، الابنة، الشقيقة، الصديقة، الجارة، الشريكة في الأرض. هي الطفلةُ الجميلة ابنة الناصرة، المنذورةُ لهيكل سليمان، حتى تغدو صبيةً، ثم تصير أرقى نساء العالمين وأطهرهن. تحملُ في حشاها، هي العذراء البتول، جسدَ المسيح المقدس، مباركةً هي بين النساء. تذهب إلى أليصابات وتشدو نشيد الفرح لله نصير الفقراء والأذلاء والمحتقَرين. ترضى بأن يخترق سيفُ الحزن قلبَها، لكي تنكشفَ الأفكارُ عن قلوب البشر. فتهرب بوليدها إلى مصرَ من بطش هيرودس، ثم تأوي إلى "ربوةٍ ذات قرار ومعين”. فإذا ما بلغ الطفلُ أشدّه، تهبه للبشرية رمزًا للمحبة والسلام.
يقول بعض الفلاسفة "صحيحٌ أن اللهَ قد خلق الرجلَ قبل المرأة، ولكنك أيضًا تكتب المسودّة دائمًا قبل النسخة المنقّحة الأجمل."
ارفعي رأسك عاليًّا لأنك النسخة المنقحة من الإنسان.
"ليس الرجلُ كالمرأةْ./ النساءُ يعرفن الزهرَ/ والرجالُ/ لا يفطنون إليه/ إلا بعدما يذوبُ بين أصابعِهم/ مُخلِّفًا طِيبَه/ فيقولُ واحدُهم:/ كانت هنا زهرة!”
***
* من قصيدة "الشرفة" | ديوان "قارورة صمغ" | فاطمة ناعوت | دار "ميريت" ٢٠٠٧
مجلة نصف الدنيا
١٤ مارس ٢٠١٤
0 comments:
إرسال تعليق