الإصلاح في الأردن.. وقد انطلقت أولى خطواته/ د. عيده المطلق قناة


تعود بدايات الحراك الشعبي الاحتجاجي الأردني لعام 1993 أي منذ "اعتماد قانون الصوت الواحد لانتخاب مجلس النواب".. فهذا القانون – السئ السمعة – كان مثاراً للنقد والاحتجاج بما تسبب به من تشوهات بنيوية في الحياة السياسية ، وما راكمه من أزمات بين مؤسسات الحكم والشعب الأردني .. ناهيك عما نشأ على ضفافه من فساد إداري وسياسي ومالي ومن تطاول على المال العام، وعلى حقوق الآخرين .. ولعل من أبرز مخرجات هذه الأزمة المركبة خسارة معركة التنمية إلى جانب خسارة معركة الحرية والديمقراطية .. فضلاً عن خسارة السمعة والصورة بين شعوب العالم ..!!

مضت الحركة الاحتجاجية الأردنية في تطورها البطيء - ولكن المتواصل - فراكمت الخبرات والإنجازات ونجحت - إلى حد ما - في تغيير صورة المجتمع من صورة "الخانع المستكين".. إلى صورة المجتمع المفعم بالحيوية المستعد للبذل في سبيل تحقيق طموحاته !!

لقد اتسمت المطالب التغييرية لهذه الحركة بـ"إصلاح النظام " حيث أن النظام "الدستوري النيابي الملكي" ما زال يتمتع بقبول الأردنيين على تنوع وتعدد مشاربهم السياسية .. وحددت مطلب التغيير بإنجاز تحول تاريخي عبر عملية إصلاح سياسي واسعة النطاق ، تفضي إلى عهد من الحكم الرشيد .. يقوم على العدالة الاجتماعية .. وتتحقق فيه كرامة الإنسان واحترام حقوقه .. ويتمتع فيه المواطنون بالحرية .. ويمارسون مواطنتهم الطبيعية عبر المشاركة في صناعة التغيير.. والدفاع عن استقلال الوطن واستقراره المجتمع وأمنه وسيادته على أرضه وقراره ..

ولكن اعترضت هذه المسيرة العديد من العقبات لعل من أهمها:
• سياسة التخويف والتحريض ومن ثم التطنيش والإهمال..
• سياسة الانفراد والإقصاء وغياب الشفافية ..
• التحايل على استحقاق التغيير بانفتاح شكلي على التعددية الحزبية والحريات العامّة والاعلامية
• سياسة التشكيك بنوايا قوى الإصلاح .. ومحاولة إضفاء هالة من القداسة على بعض التشريعات والمؤسسات ..مما أدى إلى نشوء لغة تحذيرية متشددة تمانع في الحديث عن أي تعديل خوفا من مخاطر / فزاعات موهومة ( يشار إليها حيناً بالظرف السياسي الإقليمي.. وبمشاريع الوطن البديل حيناً آخر) ..

إلا أن النتائج كانت عكسية إذ شهدت الساحة تأجيجاً للحالة الشعبية .. وساهمت بدفعها نحو المزيد من الإنجاز والمأسسة والتطوير.. وهناك العديد من المؤشرات التي تبعث على التفاؤل بتحقيق الإصلاح المنشود أو على الأقل إنجاز خطوات إصلاحية مهمة قد تتراكم لتتحول إلى إنجاز شامل .. ولعل من هذه المؤشرات مايلي :

1. أن الحديث عن الإصلاح الدستوري ليس طارئاً ولا جديدا بل إنه مطروح منذ بداية التحول الديمقراطي عام 89.. وقد نشأت حالة "إجماع وطني" على ضرورة الإصلاح وحتميته ، وعلى أولوية "الإصلاح الدستوري".. كما نشأت قناعة بأن التعديلات المتوالية التي طرأت على الدستور الأردني لسنة 52 ( بمسوغ الظروف الاستثنائية) شوهت هذا الدستور وأضرت به ولم يعد هناك ما يبرر استمرارها .. وأن تحقيق الإصلاح لا بد أن يبدأ "بتنقية الدستور" مما شابه من تعديلات أضرت بالتوازن في الشراكة في سلطة القرار.. وإجراء تعديلات واسعة تضمن التوازن والاستقرار والشراكة في الحكم.. !!
2. رغم ما يعتور هذا الحراك من مد وجزر وشد وجذب.. إلا أن عجلة الإصلاح بدأت بالدوران وهناك خطوات إصلاحية – نأمل أن تكون جادة ومستمرة حتى تحقيق أهدافها .. و رغم محاولات إسباغ القداسة على بعض التشريعات وبعض المؤسسات فقد جاءت مبادرة "جلاله الملك" بتكليف لجنة ملكية بمراجعة الدستور واقتراح التعديلات اللازمة عليه بمثابة نفي صريح - من أعلى المستويات القيادية - لمزاعم القداسة التي تطلقها قوى الشد العكسي .. وتأكيداً بأن "الدستور" – أي دستور - ليس كتابا مقدسا .. بمقدار ما هو عقد اجتماعي توافقت عليه قوى المجتمع .. وحددت بعض مواده آلية تعديله.. وقد حدد " جلالة الملك" (في كتاب التكليف للجنة التعديلات الدستورية ) أهداف المراجعة الدستورية المطلوب: "بـالنهوض بالحياة السياسية.. وترسيخ التوازن بين السلطات.. وتمكين مجلس الامة من القيام بدوره التشريعي والرقابي بكفاءة واستقلالية.. وتكريس القضاء حكما مستقلا بين السلطات.. واقتراح التعديلات بما يحفظ التنوع والتعدد في العمل السياسي الوطني، ويرسخ نظامنا النيابي الملكي... والوصول إلى مخرجات ترفد الأداء المتميز لنظامنا السياسي" ..
3. هناك قناعة لدى قوى الإصلاح بأن الإصلاح الحقيقي ينبغي أن يكون هدفه الأول هو " ترجمة المبدأ الدستوري الذي ينصّ على أن (نظام الحكم هو "نيابي – ملكي وراثي" ) .. بحيث تصبح الديمقراطية والمشاركة الشعبية في القرار عبر المؤسسات التمثيلية هي الركن الأساسي لنظام الحكم .. لقد عبر جلالة الملك - في غير مناسبة ومقابلة صحافية- عن طموحه بتطوير نظام الحكم في البلاد، وصولا إلى (الملكية الدستورية)...

إلا أن أبرز منجزات الحركة الاحتجاجية الأردنية يتجلى في كسر حاجز الخوف .. وتعزيز الثقة بالنفس الذي يتجلى في زخم الحراك وتكاثر دعاته .. وفي زخم "المبادرات الإصلاحية النوعية" المطروحة في الشارع السياسي الأردني.. وفي العديد من الإبداعات الشبابية في تطوير أدوات ووسائل الاحتجاج وفي تطوير أهدافهم ..

إن الإصلاح الشامل سيساهم في تدعيم استقرار البلاد، ويعزز استقلال السلطات، وأما الإصلاح الدستوري الحقيقي فيشكل رافعة لعملية الإصلاح السياسي .. كما يشكل الضمانة الأكيدة لاستقرار الأردن وحماية نظامه وتعزيز مناعة جبهته الداخلية .. وتحقيق سيادته الوطنية..

eidehqanah@yahoo.com

CONVERSATION

0 comments: