الإصلاح .. الإشكاليات والضرورة د. عيدة المطلق قناة


أصبحت الدعوة للتغيير والإصلاح السياسي اليوم دعوة مشتركة من الداخل و الخارج .. بل إن قوى الخارج كثيراً ما اتخذت هذه الدعوات الطبيعية والمشروعة للشعوب ذريعة لتبرير التدخلات الأجنبية حتى بلغ بها الصلف حد التدخل في صياغة وتوجيه قيم ومسارات هذا الإصلاح .. مما جعله في كثير من الأحيان لا يصب بالضرورة في خانة المصلحة الوطنية لكثير من الأقطار .. بل - على العكس - فكثيراً ما شكل التدخل الخارجي ضغطاً على السلط والأنظمة وفرض جملة من الإشكاليات على مسيرة الإصلاح كان منها :

1. إطلاق العديد من الفزاعات للضغط على الأنظمة لدفعها نحو المزيد من الارتماء في أحضان القوى الدولية الضاغطة وحماية مصالحها .. مما شجع السلط والإنظمة على التلكؤ في خطى الإصلاح.. والسير بإصلاحات شكلية لإجهاض التغيير الحقيقي ، عبر تفصيل منظومة من القوانين الناظمة للحريات العامة .. وإجراء انتخابات شكلية أساسها تزوير الإرادة الشعبية .. وتشجيع قيام منظمات – شبه شعبية – وأحزاب سياسية وظيفية متربطة بالأنظمة لإعادة إنتاج النظام .. وتوجيه حركة التغيير والإصلاح بحسب اتجاهات رياحها الخاصة عبر آليات الضغط والقمع والمنع والاحتكار واغتيال الشخصية .. مما أدى إلى جمود ومراوحة الحركة الإصلاحية حيناً وتراجعها بل وتوقفها وانتكاسة ما تحقق من منجزات أحيانا أخرى ..

2. تجذّر الأزمة السياسية، - خاصة بعد اتفاقية وادي عربة – التي ساهمت في تفاقم التوتر وخلق فجوة في الثقة بين قوى السلطة، وقوى المعارضة بل ومعظم مكونات المجتمع الأردني - السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافة والعرقية والإثنية- ..

3. انعكست الأزمة السياسية بمكوناتها المعقدة على مآلات الخطط والمبادرات الإصلاحية المتعددة التي استهلكت الكثير من الوقت والحوار والجهد .. فذهبت كلها في غياهب الأدراج يلفها النسيان ويكسوها الغبار .. وتسبب في جدل حول جدوى لجان الحوار ( ومن أمثلته الجدل الذي قام حول لجان الحوار الثلاث : لجنة قانوني الإنتخاب والأحزاب .. ولجنة التعديلات الدستورية .. ولجنة الحوار الاقتصادي ).

4. ولعل من أصعب إشكاليات الإصلاح " الارتباك في الحالة الثقافية" الناشئ عن انحياز بعض النخب الأكاديمية والثقافية لخيارات السلط والأنظمة .. فقد شكل هؤلاء اختراقاً سالباً للحالة الثقافية .. حين ارتضت بعض هذه النخب بأن تكون بوقا من أبواق السلطة .. بل أحد أخطر أداواتها القمعية .. فمارست كل ما تمتلكه من أدوات التخويف والابتزاز .. وأذاقت الشباب أشكالأ متعددة من المر والعلقم.. وخلقت حالة معاناة قاسية للالاف من خيرة شباب هذه الأمة !!

5. ولعل من تأثيرات هذه النخب الأكاديمية والثقافية نشوء تيار "التخويف" من مسار الإصلاح السياسي، ويضع العراقيل في طريقه، عبر إطلاق جملة من الفزاعات المرعبة لبث الذعر لدى أصحاب القرار من جهة وفي داخل المجتمع من جهة ثانية .. كما يقومون بتقديم النصائح لمن يستشيرهم من أصحاب القرار .. وغالباً ما تكون نصائحهم بـ"التشكيك بوطنية وانتماء القوى المطالبة بالإصلاح" بل تصل في كثير من الأحيان إلى اغتيال الشخصية ضد العديد من الرموز الوطنية ..

6. أما الإشكالية المركبة التي تعيق بالفعل الحركة الإصلاحية على الصعيدين الشعبي والحكومي فهي إشكالية الفساد المتفاقمة والتي اخترقت معظم الطبقات السياسية والمجتمعية وطالت البرلمان والنقابات والجامعات.. صار عندنا حيتان للفساد ومسؤولون يمارسون من الفساد أعمقه.. فاسدون يتعاملون حتى مع المافيات يقدمون الرشى ويستقبلونها .. يستغلون وظائفهم العامة وهم على رأس عملهم .. ومنهم من يتولى قيادة مؤسسات بالغة الحساسية .. فساد قد لا تصدقه العقول .. فساد أعاق التنمية وتسبب في تراجع الأداء الاقتصادي .. وتراجع فرص الاستثمار .. وتسبب بالتالي في تفاقم أرقام البطالة بمعدلات غير مسبوقة .. ناهيك عما ينشأ على ضفاف الفساد والبطالة ومخرجاتها من أزمات أخلاقية وأمنية خطيرة باتت تهدد الأمن والسلم والاستقرار المجتمعي والوطني



إن هذه الإشكاليات وغيرها تتحمل جانباً مهماً من المسؤولة عن انقسام التنظيمات والنخب السياسية..وما يعكسه هذا الانقسام من قراءات متباينة للمعادلة السياسية واستحقاقات المرحلة المقبلة وأولويات الإصلاح وأبعاده ومستقبله ...وتطرح العديد من التساؤلات لعل من أهمها :

· هل تقبل القوى الوطنية السكوت إلى مالا نهاية على ما يطرح من "فزاعات" وفي مقدمتها : "الفزّاعة الإسلامية" .. و"الفزاعة الأمنية" .. و "فزاعة الوطن البديل.. أو التركيبة السكانية" .. ؟

· ألسنا أمام حالة مزعجة من عدم الاحترام للشعب الأردني .. تسوغ فرض الوصاية عليه .. والتشكيك بإمكانياته وذكائه .. بالترويج لعدم نضجه وعدم جاهزيته للديمقراطية والحرية ؟؟

· ثم أمام حالة الانقسام في المشهد الإصلاحي ماهي الأولويات الأردنية وما هي الحدود الدنيا للقواسم المشتركة بين قوى الإصلاح .. وما الذي ينبغي تغييره؟ وما الذي ينبغي الإبقاء عليه؟

· أما على الصعيد الثقافي .. ألسنا بحاجة إلى إعادة تشكيل الحالة الثقافية بما يسمح بدور مركزي للمثقفين في حركة التغيير بعيداً عن ثقافة الوصاية والتدجين والتجويف؟؟

· ألسنا بحاجة إلى إعادة تعريف الكثير من المفاهيم والمصطلحات التي تم مسخها وتشويهها واستخدامها بشكل جائر ..ولعل من أبرزها مفاهيم ( الوطنية .. والولاء .. والانتماء .. )؟

· ثم أمام التشكيك واغتيال الرموز المتواصل .. ما هو المطلوب من الجبهة الوطنية للإصلاح؟

إن التصدي لمعالجة الإشكاليات التي تواجه مسيرة الإصلاح .. والرد على التساؤلات .. يستلزم بالضرورة : الإسراع في عملية الإصلاح .. وصولاً إلى التغيير المنشود حتى آخر الشوط.. فتشغيل عجلة الإصلاحية بالسرعة اللازمة هو من الضرورات الملحة التي تستلزمها عملية إعادة الثقة بين الأردنيين والتي لن تستقيم حياتنا الوطنية بدونها .. أما المماطلة والتلكؤ في العملية فستفاقم التوتر وتعيق الحركة ..بما يؤدي حتماً إلى المزيد من التآكل في مقدرات الوطن والشعب .. ناهيك عن ما يمكن أن ينشأ عن حالة الجمود من أخطار تهدد الأمن والسلم الاجتماعي والوطني بل والقومي!!

إن الحراك الإصلاحي والاحتجاجي بعد جهود وطنية كبيرة استغرقت أكثر من عام ، وفعاليات غطت كافة محافظات المملكة ..أسفر في أول خطواته العملية عن قيام "الجبهة الوطنية للإصلاح" وإعلان بيانها الإصلاحي .. فهذه الجبهة تعتبر خطوة متقدمة على هذا المسار وأحد أهم الآليات المحركة لعجلة التغيير وتطوير أدواته ووسائله وبرامجه .. فليمض الأردنيون بحراكهم نحو أهدافهم المشروعة في التغيير والإصلاح وصولاً إلى دولة مدنية ديمقراطية يتمتع شعبها بالحرية والكرامة والعدالة ..


CONVERSATION

0 comments: