بين خطاب نتانياهو في الكونغرس وخطاب نصرالله في النبي شيت/ يوسف أمين


استمع العالم هذا الأسبوع إلى خطاب السيد نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل أمام الكونغرس الأميركي بشقيه النواب والشيوخ والذي يمثل المجلس التشريعي لأكبر دولة ديمقراطية في العالم اليوم. وإن دلّ استقبال السيد نتانياهو في هذا المجلس العريق وبالشكل الذي تم فيه على شيء فإنه دلّ على احترام الولايات المتحدة لدولة حليفة مع صغرها ولرئيس وزراء ينتخب من الشعب ويسقط بارادة هذا الشعب كما هي حال هؤلاء الذين يستقبلونه في واشنطن.

الديمقراطية التي تحاول الولايات المتحدة تصديرها إلى العالم كطريقة محببة لادارة الشعوب لم تنشأ من العدم ولا هي كانت اختراع أمريكي، فقد مورست في دول عديدة ولعهود طويلة مع مساوئها ومحاسنها وأهم ما فيها أن الهيئة التنفيذية تكون منوطة بمجموعة أو حزب منتخب من الشعب ليدير البلاد بحسب إرادة هذا الشعب ويسقط أو يستبدل فور مخالفته لهذه الارادة أو عندما يشعر الشعب بالحاجة للتغيير.

في افتتاح خطابه ذكّر نتانياهو الكونغرس بأنه رئيس حكومة في دولة ديمقراطية وبأنه يفهم معاني الديمقراطية الأمريكية جيدا ومن خلالها قدّم طروحاته عن رؤيته لحاجات إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم.

لم يعرض نتانياهو فقط المشاكل ولا تباكى على الأطلال أو طلب المساعدات ولكنه قدّم أيضا الحلول كما يراها وتكلّم عن مخاوفه ومخاوف دولته وشعبه.

بالطبع وقف هذا الكونغرس في استقباله لنتانياهو تحية لدولة إسرائيل الحليفة للولايات المتحدة، ولكنه وقف أيضا عدة مرات تحية لشخصية رئيس وزراء هذه الدولة وطروحاته ورؤيته. فهو لم يهاجم بدون سبب ولم يتشبّص بآرائه ولا فرضها؛ لقد عرض المشاكل من وجهة نظره وعرض معها الحلول التي يتصورها هو، وكلها قابل للتنفيذ بالمفهوم الأميركي للديمقراطية ولحرية الشعوب وحقها بتقرير المصير، خاصة إذا ما ترافقت بقبوله المسبق وضعها على طاولة المفاوضات.

قال نتانياهو بأن إسرائيل يجب أن تكون أول دولة تعترف بدولة فلسطين لا آخر دولة، ولكن تعالوا نتفق على الأسس، وأولها أن يعترف الفلسطينيون بدولة إسرائيل نهائيا وبحقها في العيش جنبا إلى جنب مع دولة فلسطين العتيدة فلا يشكل أحدهما خطرا على الآخر.

طرح نتانياهو حلا مقبولا للعودة؛ فكما يحق لكل يهودي في العالم (وهم لا يتجاوز عددهم 12 مليون) أن يهاجر إلى الدولة اليهودية في إسرائيل، يحق أيضا لكل فلسطيني أينما كان في العالم إن في مخيمات المنطقة أم في بلاد الشتات أن يهاجر إلى الدولة الفلسطينية وأن يتمتع بجنسيتها إذا ما أراد ذلك.

تحدث نتانياهو عن الحدود ولم يقل بأنها لن تكون حدود 67 ولكنها قد تعدل بحسب رأيه في بعض المناطق ومن خلال المفاوضات، وأشار إلى استعداده لتنازلات "مرة". كما تكلم عن رفضه لحماس كشريك في التفاوض لأنها لا تعترف بحق إسرائيل في الوجود. فعندما فاوضت منظمة التحرير الفلسطينية إسرائيل في أوسلو أضطرت إلى القبول بتغيير شعاراتها التي كانت، كما شعارات حماس اليوم، ترفض وجود إسرائيل.

تكلّم نتانياهو عن شعوب البلاد العربية التي تسعى إلى التغيير وهو تمنى أن تنجح في التقدم باتجاه الديمقراطية. وذكر ثورة الأرز وما قامت به، ولكنه نبّه إلى أن مخاطر تحيط بلبنان بسبب استمرار حزب الله بالتقدم باتجاه الحدود بالرغم من القرارات الدولية ووجود قوات اليونيفيل. وتكلم عن إيران وبرنامجها النووي الذي لا يهدد إسرائيل وحدها بل العالم. ولكنه لم يتكلم عن سوريا، وقد يكون هذا التصرف نوع من عدم التدخل بالشأن السوري لأن الأمور لا تزال غير واضحة هناك بنظره.

بالمقابل، وفي ما يسميه يوم التحرير، خاطب السيد نصرالله جمهوره في كلمة مسجلة كالعادة جرى عرضها في بلدة النبي شيت هذه المرة (ولا ندري لماذا تغيير موقع العرض، هل لكي يكون أقرب إلى سوريا؟) وكعادته هاجم الولايات المتحدة رئيسا وممثلين ولم ينسى أن يهاجم إسرائيل بالطبع.

من المؤكد بأن السيد حسن لا يعني للكونغرس الأميركي أكثر من أنه ناطق باسم منظمة إرهابية تأخذ من لبنان مركزا لها وتصادر قرارات طائفة بكاملها تجييرها للحرس الثوري الإيراني ومشاريعه في المنطقة، وهو الأبعد عن مفهوم الديمقراطية التي يجلها الأمريكيون. ولذا فمن الطبيعي ألا يقارن من قبل الكونغرس بالسيد نتانياهو. ومن غير المعقول أن يستقبل في الكونغرس فكيف بالحفاوة التي استقبل الأخير بها. ولكن الكونغرس الأميركي الذي يمثل أكثر من 300 مليون نسمة وأكبر قوة اقتصادية وعسكرية في عالم اليوم، يأخذ بعين الاعتبار، بدون شك وبجدية قصوى، كل ما يقوله السيد حسن وجماعته، وذلك من مبدأ حرية الرأي والاستماع إلى الآخر، ولذا فإن السيد الذي يعرف ذلك يتوجه في جزء كبير من خطابه إلى آذان الأميركيين ليسمعهم تعليقه على ما يدور وتهديده بالويل والثبور. ولكن هل هذا في صالح لبنان وشعبه؟

السيد حسن الذي كان عوّد اللبنانيين فيما مضى على مقاربة الأمور بجدية وعلى التعلّم وأخذ العبر من أعدائه لم يفعل ذلك في خطاباته الأخيرة ولا هذه المرة، بل قارب الموضوع بخفّة اعتاد عليها شارع صدّام وجماهير "صوت العرب"، وهي عدم التمعّن بما يقوله الغير والاكتفاء باجترار الشعارات الفارغة. ففي تعليقه على ما قاله الرئيس أوباما لم يسمع إلا أنه تراجع عن حدود 67 أما فيما قاله نتانياهو فهو لم يسمع سوى الدولة المنزوعة السلاح، ونحن نسأل لماذا يريد الفلسطينيون السلاح إذا ما اتفقوا مع أعدائهم على كل شيء وأصبح لهم دولتهم المتعاونة مع كافة الجيران والتي تعيش في حالة سلام كامل في منطقة تسعى كلها للملمة جراحها والمضي نحو بناء مستقبل الأجيال التي تحلم بالكثير من التقدم والازدهار.

ولكن السيد حسن ليس من هذا العالم إنه من عالم "الجهاد في سبيل الله"، وكأن الله عز وجل طلب أن يقتل الناس من أجل اسمه وأن يستمروا بالقتل والحقد بدون هوادة وبدون رادع وألا يسعوا للصلح.

السيد حسن لا يعتبر حق الشعوب بالعيش بحرية، فهو يمثل الولي الفقيه ودولته وليس بحاجة أن ينتخب أو أن يقبل به شعبه، فسلطته من عند الولي وليست من عند الناس. والسيد ليس بحاجة إلى أن يرفّ له حفن عندما يفقد 2000 وأكثر من أهله وكل البنى الفوقية والتحتية، فهؤلاء لا قيمة لهم في حساباته. بينما نتانياهو يخاف على شعبه بالتأكيد، ويخاف أن يقلق اي إسرائيلي على أمنه أو حياته. بالنسبة للسيد حسن إن خوف نتانياهو من صواريخه هو نقطة ضعف أما بالنسبة للكونغرس الأميركي فهي مسؤولية وبعد نظر.

أعجب السيد بالخطة السورية الجديدة في استعراض الفلسطينيين على الشريط في الجولان وفي جنوب لبنان لتضليل الرأي العام والتغطية على ما يدور في سوريا وبنفس الوقت إعطاء برهان واقعي على ما قاله السيد رامي مخلوف حول ربط أمن إسرائيل واستقرارها بأمن واستقرار النظام في دمشق. والكل يعلم عدد القتلى الذين سقطوا في حروب جماعة السيد على الفلسطينيين في مخيمات بيروت يوم التزم الرئيس الأسد الأب مشروع السيطرة على بقايا عرفات في لبنان. وهؤلاء ليسوا بأفضل من أهله الذين قتلوا في حرب تموز ولن يكونوا بأكثر من أحجار شطرنج في اللعبة التي اخترعها الفرس أنفسهم ولا يزالون ينفذونها بدماء العرب وفي حروب عبثية.

والسيد لا يرى الشعب السوري مطلقا ويتساءل أين هو وأين مطاليبه؟ فهو يرى فقط النظام المتحالف مع أسياده في طهران ويشدد على ضرورة المحافظة عليه لأنه "نظام ممانع" ومهما فعل فخطاياه مغفورة بسبب ذلك.

يحاول السيد أن يتبرأ من التدخل في سوريا كما في اليمن قبل ذلك أو في العراق وكزاخستان (وطهران) وغيرها من "المهمات الجهادية" التي ينكر أنها حصلت وأنه دفن لبنانيين سقطوا في مثيلاتها ولم يعلن عن أمكنة سقوطهم، وهو يقول بأن لا شيء يخفى في لبنان (صحيح) ولكنه مع ذلك ينسى أو يتناسى معتقدا بأن اللبنانيين لا ذاكرة لهم مع أن الاعلام تكلم عن مثل هؤلاء حيث دعي أركان الدولة إلى حضور احتفالات تأبينهم وكتبت مقالات عنها فهل يريد السيد فتح ملفات كهذه؟ أم أن الهموم والسنين قد بدأ تأثيرها بذاكرته؟


السيد وأشباهه الذين يريدون وقف عجلة الزمن والعودة بشعوب المنطقة إلى الوراء يحلمون فهم قد أيقظوا ماردا كان نائما بتبجحهم وعنجهيتهم ولا يزالون يعتقدون بأنهم سيهربون من المقدّر و"كل من حفر حفرة لأخيه وقع فيها" بدون شك، فكيف إذا ما زال يحاول الحفر تحت نظر أخيه هذا بينما يأسف الناظرون من حوله لقصر نظره وتماديه في غيّه.

شتان إذا ما بين وقوف نتانياهو أمام الكونغرس الأميركي وحديثه عن السلام والازدهار والتقدم للجميع ومحاولته تفهم مشاكل الآخرين، من وجهة نظره طبعا (وبالرغم من التباين بين موقفه والموقف الفلسطيني في بعض النقاط)، وبين السيد الذي التزم الحفرة ولا يزال يخاطب الناس منها بتعالي ومن خلال الشاشة ويطلق النظريات ويهدد الشعوب وكأنه رسولا من عند الله وهو لا يعرف ابسط صفات الله التي ينشدها كل صباح ويكررها خلال النهار المسلمون وغير المسلمين في شتى اصقاع الأرض وهي الرحمة ثم الرحمة.

نأسف بأن السيد الذي صادر قرار اللبنانيين وسجن آمالهم وحبهم للسلام في قمقم حقده لا يزال يتباهى من حفرته ويستمع له بعض صغيري النفوس بينما تنام الدولة اللبنانية التي سلبت كل أشكال الكرامة على حرير الانسحاب الإسرائيلي الذي سمته تحريرا فتعيّد له وتتغنى به وهي لم تفعل سوى استبدال محتل خارجي دخل لبنان غصبا عنه وبسبب عدم وجود سلطة تحمي أمن الحدود المشتركة بينهما وتضبط عناصر التخريب فيه وهو كان توسّل إليها أن تعود لتأخذ مكانها الصحيح وتتحمل مسؤوليتها الرسمية، استبدلته بمحتل آخر لا حدود مشتركة معه استعمل سكانا لبنانيين لتخريب الأمن والاستقرار في لبنان وتضييع فرص السلام على أبنائه وتقسيم مجتمعاته طوائف متناحرة يملؤها بالحقد الذي يزرعه بينها بأسلحة وأموال رفضها الشعب اللبناني في مرات متعددة وطالبت القرارات الدولية بجمعها في يد الدولة. هذه الدولة التي، وبالرغم من وعود رئيسها بأن صدرها يكفي لاستيعاب كل أبنائها وخاصة الموجودين في إسرائيل وغيرها من بلاد العالم، لم تستطع حتى الآن أن تفي بوعدها ولا أن توقف مسرحية اتهام الناس بالعمالة كلما حشر حزب الله في موقف ليلجأ إلى الانتقام من اللبنانيين باتهامهم بعقد العمالة التي يعتاش منها.

كلمة أخيرة لمن تبقى من دول العرب ألا تأخذوا بالسم الذي يبثه أمثال هؤلاء وابقوا على طرحكم بطلب السلام للمنطقة ولا تدعوا همجية القرون الوسطى تحول دون حلول سلام يعيد إلى الشعب الفلسطيني كرامته في أن تكون له دولة تعيش بسلام مع كل جيرانها وتسعى لخير أبنائها وتتعاون على الخير الذي يكفي للكل. فلتتوقف أبواق التعبئة والحقد وليكن طلب السلام هو الغالب أما التفاصيل فيمكن التفاوض حولها ولنا من مشكلة طابا وحلها بالتفاوض أفضل مثال. كفا متاجرة بفلسطين وأهلها والحقوا نتانياهو "إلى باب الدار" فربما استطاع أن يفي بوعده فتنشأ دولة فلسطينية قادرة على الحياة بالتعاون مع جارتها إسرائيل ولما لا؟..

*المركز الماروني للدراسات الستراتيجية
تورونتو – كندا

CONVERSATION

0 comments: