المحاولات تفشل للوقيعة بين الرئيس ودحلان/ محمد داود


حقيقة ما جعلني انسج خيوط مقالتي ما تناقلته بعض وسائل الإعلام الفلسطينية من أخبار مغرضة يعتصر لها القلب ويدمى، بعد أن مست رئيس الشعب الفلسطيني محمود عباس وقيادات فتحاوية بارزة وفصائلية مناضلة، فهل هو أمر إيجابي أن تصبح الصحافة الإسرائيلية سلطة أولى نتكل عليها لأن تنكل بالرموز الوطنية الفلسطينية الشريفة، ونتداولها؟

فبعد أن زاد الجدل والصخب والنفخ وتمدد الأمر واستأثر باهتمام واسع وطفا على السطح كقضية رأي عام، وظفته وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة عبر ماكينتها الدعائية المختصة مستعينة بتقنياتها واستراتيجياتها المختلفة والهادفة، في البحث عن إثارة الإشكال الشخصي بين الرئيس محمود عباس والقائد الفتحاوي محمد دحلان عضو اللجنة المركزية، بشن هجوم مركز "موجَّه ومدروس" أستند إلى معتقدات محللين إسرائيليين نشرت في عدة صحف وقنوات إسرائيلية، سرعان ما تجرّؤ وتناقلها إعلامنا الفلسطيني المنقسم والذي يقوم بدور المتلقي في الغالب، ويبحث عن رصيد شعبي تحظى به صفحاته دون أدنى انتباه أو متابعة لمصدر المعلومة أو الغاية منها والتي في الغالب تغذيها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بهدف تشتيت جهود المفاوض الفلسطيني، وخلق أزمة وصراعات داخلية "فتنة" في صفوف مؤسسات السلطة وبين أعضاء اللجنة المركزية، وحركة فتح، والفصائل الفلسطينية المقاومة على حد سواء، في وقت يخوض الرئيس محمود عباس معركة سياسية كبرى في المحافل الدولية لحشد التأييد الدولي لوقف الاستيطان والعدوان المستمر على شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع، وإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني وإكمال الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية القريبة بإذن الله.

وقد حاول الإعلام الإسرائيلي خلال الأسابيع الماضية تمرير حملته الإعلامية التي تندرج في إطار الحرب النفسية ضد الرموز الفلسطينية، واللعب على التناقضات التي تعج بها الساحة الفلسطينية نتيجة الصراعات الحزبية والفكرية والانقسام، واستغلال حالة التيه السياسي والثوري عند الفلسطينيين، وقد كان من أبرزها مزاعم القادة الإسرائيليين، ووثائق ويكيلس اليومية من اتهامات باطلة لايؤمن بها عاقل، تجاه "حرب الفرقان وحصار غزة والتفريط بالثوابت" وسيل من الاتهامات دون إدانة إسرائيل. واليوم تمضى اللعبة الإسرائيلية التي تبحث عن نقاط ضعف، فوجدت الأرضية الخصبة لنزع مصداقية السلطة الفلسطينية والعبث بسمعة الرئيس الفلسطيني رأس الهرم والرمز الوطني وبين القيادي البارز محمد دحلان الذي يحظى أيضاً برضا شعبي وتنظيمي كاسح في سلم الثقة لإحجام دورهما النضالي والريادي.

فمن الواضح أن السيد دحلان يراقب عن كثب التحريض الإسرائيلي المدروس بحقه لهز مصداقيته من خلال الافتراء والتحرش... ولعل جلّ ما يزعج الإسرائيليين هي تصريحاته التي باتت تحرض على المكشوف عن فشل المفاوضات وضرورة ربط التنسيق الأمني بالتقدّم نحو المفاوضات، ورفع السقف التفاوضي الفلسطيني واتخاذ خطوات تصعيدية وهي قضية أزعجت الاحتلال الإسرائيلي وقد أبدت العديد من الدوائر الأمنية والسياسية الإسرائيلية ذات الصلة التذمّر والاستياء والانزعاج من هذه المواقف والتصريحات الإعلامية التي شكّلت عامل دعم وإسناد لموقف الرئيس أبو مازن في مواجهة الضغوط الدولية.

استطاع دحلان أن يدحض إدعاءات كل الذين يصطادون في المياه العكرة، كانت إحداها قبل أسابيع حين أذيع أن "دحلان" ممنوع من دخول الأراضي المصرية، حتى طالعتنا وسائل الإعلام المصرية باجتماع بين دحلان ووزراء مصريين منهم الوزير عمر سليمان ليرد كيد العابثين بمشروعنا الوطني وعلاقتنا الفلسطينية بالشقيقة مصر، فسقط الرهان الذي يرتكز في غالبيته على مصادر مجهولة ومحللين إسرائيليين مختصين، يكملون دور الموساد. وهي باختصار عملية تعتمد على عنصر المفاجئة والسرعة وسط سيل من الأخبار المنهمرة لإضفاء الحقيقة عليها مستغلة في ذلك الغفلة والسذاجة.

بعض وسائل الإعلام كانت حذرة، فأخلت مسؤوليتها في نقلها الأنباء المشبوهة التي تمس السيد دحلان بسوء، واستندت في مصادرها على ذمم مصادر موثوقة، خشية أن تتحمل الصحيفة أو الوسيلة تداعيات صدق أو عدم صحة الخبر، فتكون في محل إحراج ومسائلة قانونية وأخلاقية فتفقد مصداقيتها، كما حصل في وقت سابق مع قناة الجزيرة الفضائية التي اتهمت دحلان باطلاً وأخرى مست الرئيس عباس وأبنائه زوراً وخسرت هي ومؤسسات صحفية إسرائيلية فقدموا اعتذارهم فيما بعد.

من خلال التجارب السابقة يمكن أن نحكم على تداعيات الخلاف الشخصي بين الرئيس وعضو اللجنة المركزية الذي ينطق باسم الرئيس وفتح في كل زاوية وركن من الوطن والشتات، على أنها زوبعة في فنجان وسرعان ما تنتهي على ما يرام، بعد أن تكشفت حقيقتها وبدأت ملامحها تتلاشى بعد تراجع القيادي البارز أبو ماهر غنيم عضو اللجنة المركزية لفتح عن عضويته في لجنة التحقيق ونفي دحلان وآخرين لصحة الأنباء... ووسط هذا الضجيج والتضخيم من البروجندا الإعلامية الإسرائيلية يجب أن نتفهم ما آلت إليه قفزات تكنولوجيا الاتصال والتزاحم الإعلامي التقني الذي استطاع المزج والدمج بتركيب الصوت والصورة وصناعة "القنابل التمثيلية السياسية" في محاولة لخلق الشقاق كما أسلفنا. للنيل من صمود المقاومة والروح المعنوية الشامخة التي يتمتع بها شعبنا.

كاتب وباحث

CONVERSATION

0 comments: