صراع البقاء اليوم في العراق ، من اجل من؟!/ محمد الياسين


لا يختلف احد اليوم من العراقيين او غيرهم ان العراق يمر بمرحلة إستثنائية وشاذه منذ الإحتلال في عام 2003 وحتى يومنا هذا ، فحالة الفوضى العارمة تعصف في كل جانب ومفصل من مفاصل الحياة العامة على كافة الصعد والمستويات سواء السياسية ، الإقتصادية ، الثقافية ، الحضارية ، المجتمعية ، ولا شك في ان هذه الحالة المزرية انتجتها حالة الإحتلال وما لحقها من حالات فاشلة في عملية سياسية ناقصة فصلت على مقاسات دينية وطائفية وعرقية مرفوضة من قبل الشعب العراقي ، وعلى مدى اكثر من ثمان سنوات من تلك الحالة المزرية التي يمر بها العراق وشعبه لم توفق مكونات العملية السياسية من قوى واحزاب وحركات وشخصيات في انجاح او اصلاح او تغيير اي جانب مشوه او مفصل معطل من مفاصل او جوانب الحياة العراقية ، ولم يعتاد العراقيون منهم سوى المصائب والكوارث وكل يوما يمر علينا في العراق تزداد الامور سوءا تارة امنية واخرى اقتصادية وثم خدماتية وهكذا ، وكل هذا بلا شك يعود للأسس الخاطئة التي جاءت بها العملية السياسية بالمحاصصة الطائفية والمذهبية والعرقية وحاولت تجذيرها و ترسيخها في عقول العراقيين وتسخيرهم أداة لها لبقاء وإستمرار من جاء بها في موقعه وموضعه الحالي ، و رخاوة البنية السياسية اليوم في العراق نتيجة ظروف وعوامل قلصت من احتمالية استمرارها بالشكل الذي هي عليه اليوم وبشخوصها ورموزها المعروفين.

ففي العراق اليوم لا نجد اكثر من الاحزاب والحركات السياسية ومقراتها وأعلامها في بغداد وعموم العراق ، عموما ان هذه الحالة من حيث المبدأ تعتبر إيجابية في اي مجتمع و حراك صحي لطبيعة الحياة في المجتمعات عامة ، إلا ان الحالة العراقية كما ذكرنا في بداية المقال انها حالة إستثنائية فوضويه لا وجه للمقارنة أو التشابه بينها وبين الحالات الاخرى في دول العالم ، لذا فأن وجود هذا الكم الهائل والمبالغ فيه من الاحزاب والحركات الصغيرة شكل صدمة لمجتمع لم يعتاد على التعددية الحزبية في خارطته السياسية كما هي اليوم ،والمثير للدهشة في هذا الامر ان اغلب هذه الاحزاب والحركات تعتبر مشبوهه بمصادر تمويلها الضخمه فنجد ان حركة او حزب ظهر فجأة واعلن عن نفسه وله جريدة ناطقة باسمه او قناة فضائية ومواقع الكترونية واذاعات مسموعة ، فهذا الامر يترك الكثير من علامات الاستفهام اتجاه حزب او حركة سياسية جديدة التأسيس والنشأة ؟! ، على الرغم من ذلك فأن كثرة الاحزاب والحركات والتجمعات اليوم في العراق بهذا الكم الهائل لانجد تسميه لها سوى انها احدى صور وملامح الحالة الفوضوية التي يعيشها العراق وسرعان ما تذوب وتتلاشى حينما تنفرج وتنزاح تلك الحالة عن العراق والعراقيين ، وهذا الامر لن يتحقق إلا بإرادة شعبية مطلقة من كل العراقيين شمالاً وجنوباَ شرقاً وغرباَ بكافة طوائفهم وقومياتهم واديانهم يتحدون خلف مشروعا وطنيا حقيقي .

كما ان الظاهرة التي لا بد من الاشارة اليها في هذا الصدد هي ظاهرة تعددية الولاءات والانتماءات الحزبية والفئوية ، فنجد ان مبدأ المحاصصة الذي نعيشه في العراق قد تفشى ليصل الى الوزارات والدوائر الحكومية وغير الحكومية و سلب روح المواطنة من السلوك الطبيعي للمسؤولين الذين تناط بهم مهمة تلك الوزارات والدوائر وغيرها ، فتعد ظاهرة البطالة التي يعيشها اغلب الشباب العراقيين نتاج تلك الحالة المحبطة ، فلا يوظف اي مواطن في اي دائرة او وزارة إلا إذا كان منتمي او لديه تزكية من قبل حزب الوزير ! ، لذا فعندما يقول البعض ان هدر الكفاءات ونزوحها خارج العراق ظاهرة تنخر بالهيكل العام للدولة والمجتمع ، فهذا صحيح ، وإلا فلما لا تستثمر تلك الطاقات الكفوءة في بناء الدولة ومؤسساتها العلمية والثقافية والصحية والإقتصادية ؟! ، و كل الذين يقيمون في المهجر من العراقيين يعرفون قيمة تلك الكفاءات العراقية المهدورة فلا نجد اليوم في الدول العربية والاوربية اكثر من اصحاب الكفاءات في جامعاتهم وكلياتهم ومستشفياتهم والخ...

وهنا لا نقول ان على هذه الكفاءات العراقية العودة اليوم الى العراق ، لان في هذا خطر على حياتهم في ضل حملة شرسه مركزة وموجه ضد الاكادميين من اطباء ومدرسين واساتذة جامعيين وغيرهم من الطاقات العراقية الكفوءة المشهود لها بالعطاء ، ولكننا نقول ان الصراع القائم منذ اكثر من ثمان سنوات في داخل القوى السياسية الكبيرة على كسب وتحصيل الامتيازات السلطوية للحزب والكتلة كانت السبب ولا تزال السبب في هدر الطاقات الكفوءة وتبديد فرص التنمية والبناء نتيجة المحاصصة التي تنتهجها تلك القوى والاحزاب في توزيع المناصب والمواقع في بنى الدولة العراقية ومؤسساتها الخدمية والعلمية والاقتصادية ، ولاشك بأن هذه القوى والاحزاب هي التي تتحمل امام شعبها كل ماوصل اليه العراق منذ الاحتلال وحتى يومنا هذا من دمار وخراب طال كافة البنى التحتية للبلد و الجوانب الخدمية والعلمية والاقتصادية للمواطن العراقي ، ولابد علينا في هذا الصدد ان نوجه سؤالنا الى قادة ورموز تلك القوى والاحزاب السياسية : لمن الولاء أيها السادة ، للعراق أم لاحزابكم وحركاتكم السياسية الطائفية والعنصرية؟ ومن أجل من تخوضون صراعاتكم ومعارككم السياسية التي انعكست بكل مجرياتها على المواطن العراقي البسيط قهرا وفقرا ودمار ، وهل ان صراعاتكم الحامية من اجل العراق ومصلحة شعبه أم من أجل مصالحكم ومصالح احزابكم وحركاتكم؟! ، فصراع البقاء الذي تستبسلون فيه منذ ثمان سنوات هل هو من اجل بقاء العراق ام من اجل بقاءكم في حكمه ؟؟!! ، اسئلتي هذه يسألها كل العراقيين من كل العراق فهل من مجيب عليها ؟؟!!!.

CONVERSATION

0 comments: