لماذا وإلى أين؟ ماذا أبقى اليهود للمتفاوضين؟/ د. احمد المزعنن


إني لأعجب أن يخون الخائنون !

أيخون إنسان بلاده ؟

إن خان معنى أن يكون.

فكيف يمكن أن يكون ؟ ! (بدر شاكر السيَّاب )

في بيانه أمام مؤتمر فتح المنعقد في بيت لحم(أغسطس 2009م) أعلن (الرئيس منتهي الولاية) محمود رضا عباس مرزا من بين التفاصيل الكثيرة التي امتدت على مدى أكثر من ساعتين عن تبني حركة فتح خط المقاومة المشروعة ، وعلى الرغم من أنه أوضح بما لا يدع مجالاً لأي التباس مقصوده من المقاومة بأنها المقاومة المتفقة مع الشرعية الدولية، إلا أنه وفي مناسبات تالية حرص على استدراك ما أعلن عنه، وفي آخر تصريح له أعلن أن الخط الوحيد الذي يعتمده لبناء الدولة الفلسطينية هو أسلوب المفاوضات، وهذه رؤية له كامل الحرية في اعتمادها؛ لا لأنها هي السبيل الأجدى للوصول إلى هدفه الذي ينادي به ويعمل من أجله، بل لأنه لا يوجد أمامه وهو واقع تحت الاحتلال اليهودي الذي ارتضى أن يمتد التفاوض معه على مدى الحياة ،كما يقول ويفعل فيلسوف المفاوضات صائب عريقات ، وعلى الرغم من أن عباس لا يدخل أو يخرج هو وفريقه إلا بتصاريح يهودية حتى ولو كانت على مستوى أل VIP،فإنه لا يستطيع أن يقول غير ذلك قولاً له قوة الفعل الذي تجعله ذا مصداقية وموثوقية يجلبان الاحترام والتقدير.

وفي ظل هذه الوضع الذي تفوح منه كل روائح التواطؤ الدولي والعربي ، وتتحكم فيه متغيرات الضعف نتيجة لحالة الانقسام التي طالت مدته، ويوشك أن يصبح حالة عامة أكثر منه أمرًا طارئًا، وتكاد تبعاته أن تعصف بكل ما حققه المشروع الوطني الذي تدّعي السلطة إنجازه ، وفي ظل هذه الحالة ،ومن واقع رؤية ليست مستقلة ،فنحن لا نؤمن بالرأي المستقل ، بل كل إنسان حر يحب وطنه يجب أن ينحاز إلى قضيته وإلى بقية الأحرار في العالم ، ولا يشينه أن يكون منحازًا إلى نداء الفطرة الذي يحاول جواسيس وسماسرة وتجار سلطة أوسلو العميلة أن يصروه كنوع من قلة الرشد أو ضعف العقلانية التي لا يمتلكون منها أدنى نضيب ،وهنا نرفع في وجوه ناقصي الأهلية الخلاقية ولاوطنية والمهنية الذين عرفوا بالمتفاوضين مجموعة من التساؤلات المشروعة:

ـ لماذا ؟ وإلى أين ؟

ـ أين ذهبت دماؤنا ؟ أين بلادنا وأولادنا ؟ أين شهداؤنا ؟ أين أبطالنا ؟

ـ أين وجيب قلوبنا ، ونحيب أمهاتنا وسهر عيوننا ؟

ـ أين المحارم التي انتهكت والبيوت التي هدمت ؟

ـ أين المعاناة والاغتراب والعذاب ؟

ـ لماذا تعجلتم القطاف قبل الأوان ؟ وبادرتم الحصاد قبل انعقاد الثمر ؟

ـ لماذا اختزلتم النضال وآثرتم الدعة قبل تحقق الغاية ، وبلوغ النهاية ؟

ـ لماذا جزأتم قضية الوطن ، وهانت عليكم الذمم ؟

ـ لماذا تنازلتم عن فلسطين مقابل شبه فلسطين ؟

ـ كيف قبلتم أن تصبحوا نسخة من الأنظمة الذليلة الخاضعة في النظام الدولي الجديد ؟ وقد كنتم رمز النبل والكرامة في الأمة ؟

ـ أصدقتم الخدعة التي ساقكم إليها البعض ؛ لتصلوا في النهاية إلى أكل لحوم شعبكم من حيث تدرون ولا تدرون ؟

ـ هل تناهى إلى علمكم في التاريخ البشري المسجل خبرإنسان باع أرضه ووطنه وهو راضٍ مهرولٍ ،سواكم ؟

ـ لماذا وإلى أين ؟ وألف علامة استفهام ترتفع في وجه كل واحد منكم ؟

ـ ألا تتدبرون في عالم الحيوان الأعجم كيف يستميت في الدفاع عن وكره أو جحره،والذود عن حماه،وهو يفضل الموت على التحول عنه،فما بالكم ماتت فيكم الغيرة،وانطفأت في داخلكم جذوة الحمية على الأوطان؟

ـ أرجوكم : تدبروا هذا القول،أم على قلوب أقفالها؟

عندما كنتم تتعرضون لكل أشكال الخذلان والجفاء والتجريح،يوم أن كانت هويتكم بنادقكم وصواريخكم ، كان كل من تحقق من هويتكم واحتضنكم يدافع عنكم ، ويتغاضى عن الكثير من زلاتكم وسقطاتكم التي كان يصهرها أتون المعارك اليومية،ونيران الهم المشترك،وكان لسان الحال يشهد أنكم كنتم البندقية الوحيدة الشجاعة التي يدوي رصاصها في وجه يهود، وقد جعلتم التاريخ العربي يستأنف دوران عجلة الإرسال الحضاري من جديد،كنتم الصاروخ الوحيد الذي يخترق حواجز المكان،ويتردد صداه في سمع الزمان الماضي والحاضر والمستقبل،وذلك عندما سكتت مدافع الجيوش المجيشة،والجحافل المصبرة في الثكنات،حتى لكأنها جزءٌ من أعمدتها ومادة بنائها الصماء التي لا حياة فيها، وكان ذلك بعد أن أدارت قبائل يعرب المتناحرة ظهورها، وغيَّرت أولوياتها،وأسقطت خياراتها،وتميعت ثوابتها،ووقتها لم يكن أحدٌٌّ يطيق انتقادكم؛ خوفًا من أن يجرحكم أو يؤذي مشاعركم،وقد بدأتم رحلة شتات جديدة، وغربة في المنافي المصطنعة، وذلك أيضًا بسبب وحدة الهدف التي تجيز وتحتمل اختلاف الوسائل وتعدد البدائل.

سكت عنكم الجميع طالما أنكم كنتم مقدمة شجاعة ، وجبهة متقدمة ؛ تذودون عن ذمار أمة ترهلت وتآكلت وألقت سلاحها. وبعد الخروج من بيروت 1982م ارتفعت الأصوات بضرورة فتح الحسابات وممارسة النقد الذاتي الموضوعي بهدف مراجعة التجربة، وتقويم النتائج ، فرفعتم في وجه الجميع مقولة :" إن مَنْ لم يقاتل ليس له الحق في محاسبة مّنْ قاتل !" ولقد أشفقنا عليكم في غربتكم الجديدة وقبلنا منكم هذا الموقف وقد فارق الكثير منكم الأهل ، وانفرط عقد الرفاق ، وفقد الكثير ممن يحب ... وتبين فيما بعد أن رفع هذه المقولة والتمترس خلفها إنما كان لإخفاء موقف خياني من نوع ما،وللوصول إلى هدفٍ أناني وقعتم بموجبه على الاعتراف بعدونا مالكًا لأرضنا،ونَصًّبتم من أنفسكم نوابًا عنا بلا تفويض من أحد،وصادرتم قرارنا في أخطر ما يملك الإنسان : وطنه ـ مبرر وجوده،ومعنى حياته،وتحقيق ذاته ـ وطورتم ذاتيًا ما أطلق عليه فاروق القدومي في إحدى اللقاءات مع قناة المنار اللبنانية،وفي لحظة تجلي وصوفية تنشأ من انسجام مشوه مع الذات تحت تأثير واقع صعب الاستيعاب( العصبية الفتحاوية)، وهذا إفراز حالة فلسفة الهزائم،والإصرارعلى الخطأ،والركض إلى الخلف!وليس شعرًا ما أكتبه الآن،ولكنه حقائق ترقى إلى درجة اليقين؛لأنها نبض الدم في العروق،وصوت خلايا عقولنا التي نتدبر بها الطريق في الحياة !

وظلت الحقائق تتكشف بتداعي تصرفاتكم في هذا الاتجاه الخطر الجديد،حتى أقمتم من الأخطاء المتراكمة كيانًا،وشيدتم من التجاوزات منطقًا،وأصبح لديكم أجهزة تدافع عن شرعية الخطأ والتجاوز،الذي وصل أحيانًا إلى درجة الجريمة في حق الوطن،وحينئذ وصلتم إلى ما تريدون؛حيث رحب بكم العالَمُ الأمريكي اليهودي نظامًا جديدًا في النظام الدولي الجديد،ككيان من الكيانات التي قامت على الباطل،ولم تعودوا تنصتون إلى كلمة نصح،ولا نداء من صديق صادق،وتجاهلتم رأي الجميع،وصورتم في أنفسكم صورة بأنكم فوق المساءلة،كيف لا؟! وأنتم رواد الكفاح ! وصناع البطولات والأمجاد !

فَمَنْ يا ترى يجرؤ على مساءلة رئيس الدولة ؟ أو نوابه أو حاشيته أو مستشاريه أو سفراءه أو نوابهم أو موظفيه الرسميين وقد اكتسبوا الحصانة؟ومَنْ لديه هذه الأهلية للمساءلة في غياب القانون والنظام والمعايير والضوابط والأنظمة،وقد أصبحوا ذواتًا لا تمس،يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية والحماية الدولية بعد أن اقتنعوا ليكونوا ترسأ في النظام الدولي الجديد الذي تحميه الولايلت المتحدة الأميريكية ، ألستم حراس لصوص صهيون تمنعونهم باسم السلام المستحيل من رصاص وانتقام إخوانكم أصحاب الأرض الحقيقيين؟

ورغم كل ذلك أيها(الأخوة الافتراضيون)، الثوار!الأبطال! الفاتحون! (الأماجد) فربما فاتكم أنكم قد أخطأتم في كثير من الحسابات في المعادلة الوطنية والعربية والدولية،وتعسفتم في مواجهة الأخطاء في الحسابات؛ظنًا منكم أن الأيام تداوي كل الجراح،وهذه الأخطاء في حسابات الأوطان بضائع سريعة الفساد،وفسادها يضر أول ما يضر،وأشد ما يضر هؤلاء الذين وقعوا فيها عمدًا أو جهلاً أو تسرعًا أو سوء تقدير،أو استدراجًا أو ركونًا إلى الغرور،أو استنادًا إلى وعود صديق غير صادق،أو حليفٍ غيرِ شريف،أو نصيحة وليٍّ وهو في الحقيقة شيطان رجيم،ثم يظن مرتكبوها أنهم في منجىً من العقاب الذي تفرضه السنن الإلهية العاملة في الكون !

إن القرار في مصير الأوطان وفي قيادة الشعوب ليس كقرار لعقد صفقة تجارية، أو بنا عمارة أو الاستعداد لمغامرة،فليس هو من السهولة والبساطة بحيث يتخذ قفزًا على مراحل النضال المنطقي الذي تتحكم فيه السنن الإلهية وإرادات الرجال المخلصين التي تتناغم مع تلك السنن ولا تعاندها،إن القرارات التي تشكل منعطفات تاريخية يتحدد عليها مصائر الأمم والأوطان وإعادة صياغة المجتمعات الإنسانية ليست قرارات تمليها رغبة في إظهار البراعة والمهارة الشخصية، أو الكفاءة أو القدرة الذاتية، ولا هي عملية تدفع إليها مركبات النقص أو الحقد أو الكراهية، ولا فلسفة (كل واحد يقلع شوكه بإيديه)، وعلى القدرة على الوصم والتجريم والمبالغة في الكيد لمجرد الخلاف في الرأي أو الدفاع عن مبدأ أو الخلاف في الاجتهادات النضالية التي تجعل من يفترض فيه أن يكون رئيسًا لمجتمع تحت الاحتلال يحاول أن يجد له مخرجًا أو متنفسًا يعطي أوامره لأجهزته الأمنية بقتل إخوانهم ورميهم(ويطخه ... منيح هيك؟) تلك المحاولات التي لم تكل ولم تتوقف عن تفتيت الموقف الموحد والتي قذفت باحتمالات اللقاء إلى ماوراء حدود المستحيل، وكان من نتيجتها أنها جزأت الكل،وابتسرت الحقائق،وقذفت بدماء آلاف الضحايا إلى المجهول بلا ثمن يذكر.

وتصاعدت الأحقاد لدى الرئيس ومن حوله في دائرة رام الله ، وأصبحت وظائف أمنية راسخة بعد ما يطلقون عليه (الانقلاب) في غزة منذ يونيو 2007م،وفي إطار تضخيم التصور الناقص للدولة التي تفتقر إلى أبسط مقوماتها الدستورية والمنطقية والفعلية الواقعية جرى ابتكار الكثير من المؤسسات والتشكيلات الجديدة لتصبح جدر حماية ضد خطر محتمل من حماس والكتائب الوطنية المؤمنة بمنهج المقاومة ، وفي هذا السياق ارتكبت الكثير من الجرائم الوطنية التي تنحط إلى مستويات الجرائم الجنائية، وفي الركض إلى الأمام على الطريقة اليهودية الاستباقية تم تجاوز كل حدود التصور في التحوط مما يخبؤه المجهول الافتراضي الذي شغل السلطة في رام الله من رأسها أبي مازن إلى عناصرها، ووحداتها التي تتحرك في حدود ما تسمح به سلطات الاحتلال من خلال من يعتبرون أنفسهم شخصيات مرجعية ذات قبول لدى الصهاينة ، وبدلاً من عملية مراجعة للتجربة المؤلمة في غزة التي أوشكت أن تحطم مشروع فتح السلطوي اندفع الجميع من الذين شعروا بالتهديد الشخصي، وممن خلط بين حدود ذاته ووظيفته، وفي هذا شاهدنا الكثير من التخبط الذي لا مبرر له ولا وظيفة أو جدوى.

وكل ذلك بسبب تجاوز (سيادة الرئيس) حدود سلطاته واعتبارات وظيفته كرئيس للسلطة ، لكي يصبح رئيسًا لحزب بعينه، ولكي يجانس بينه وبين المحيط العربي الذي تقبله وشجعه في طريقه الذي يكرس الانقسام تمهيدًا لسحق غزة،وتدمير منازل أهلها عقابًا لهم على انتخاب حماس ودعمها.

ألا يعرف أبو مازن أن حادثة قتل واحدة كانت تحدث في الشعب الفلسطيني(وربما حدثت عن طريق الخطأ) من شأنها أن تعمل على ترحيل قبيلة أو حمولة أو عيلة كاملة فتتعطل حياتها وتعيش في ضيق مدى الحياة ؟

فما بال الزعيم المنتخب الذي جاء به الشعب، أو جاءت به حركة فتح قائدة نضال الشعب الأمر سيان، ما باله يجعل القتل وسيلة لفرض السلطة ؟ في أي قاموس سياسي أو نضالي قرأ هذه الحكمة ؟ ومن أي تجربة إنسانية استقى هذه القواعد ؟ وكيف يجرؤ أو يحتمل أفراد أجهزة الأمن في زمنه ـ وهم من صميم أبناء الشعب المبتلى بالاحتلال ـ على مجرد سماع هذا الأمر يصدر من رئيس منتخب من جميع الشعب ولمصلحة الجميع؟

يفترض في أي رئيس وفيمن يحيطون به من المستشارين أن يبصرونه بتفاصيل الأعراف والعادات والتقاليد والمعايير للشعب الذي يحكمه،وإلا فما قيمة أن تكون رئيسًا وقائدًا؟أم أن ذلك أمر مقرر مقدر مبيت لهز ثوابت الشعب الفلسطيني وتطويعه وهو العصي على التطبيع وقبول المتناقضات؟

هل غاب عن سيادة الرئيس وعمن حوله ـ وهم لا شك من المسلمين أو أتباع الديانات الأخرى المؤمنين بالله ـ أن حرمة دم المسلم عند الله أكبر من حرمة الكعبة مع ما تمثله من رمز للتوحيد والدين الصحيح الحق منذ أن بنتها الملائكة لتكون البيت الوحيد لله ،وحتى يرث الله الأرض ومن عليها؟

وأن التحريض يمكن تبريره لو أتى من جاهل أو حاقد أو ظالم أو موتور أو إعلامي مغرِض أو صاحب فتنة وهو مما يتناقله الناس ثم ينسونه في زحمة الحياة ،أما أن يأتي من رئيس الشعب في اجتماع أمني رسمي وبطريقة صريحة بالصوت والصورة والحركة ،فلا وألف لا!

فرضت عليكم شريعة أنابوليس وإملاءات رايس وألمرت وبوش وبلير وسولانا وبيريز وأوباما ومن يقفون في الصفوف التالية من طبقات اتخاذ القرار، وفي ظل حالة شاذة من التخاذل العربي، وتطابقكم مع تلك الحالة الانهزامية الإستراتيجية، واعتبارات مناصبكم في النظام الدولي الجديد وأنظمة الظلم في العالم الغربي في أوروبا وأمريكا أن تجلسوا مع الصهاينة تتفاوضون فيما أطلقت عليه محادثات الحل النهائي بينما تمزق قنابل وصواريخ اليهود أجساد أبناء شعبكم، ويخرج علينا السادة المفاوضون،أو من فوضتموه بالتحدث والتصريح بتصريحات غريبة مريبة تفيد الإصرار على أنكم مندفعون فيه بلا روية أو إعادة نظر،وأصبح ديدنكم الكيد لشعبكم،والافتعال اليومي للأحداث في قطاع غزة لشن حملات التشويه والوصم والتنديد في سيل دائم من حديث ممل ممجوج لا ينتهي للتغطية عما أنتم ماضون فيه،ولإلقاء التبعية عما أطلقتم عليه انقلاب حماس،وعصابات حماس،ونسيتم أنكم كنتم أنتم من أسستم لما حدث بالتعالي الكاذب،والتسلط المبرمج الذي فرغ مفهوم السلطة من مضمونه،وحوله إلى مكاسب شخصية ومصالح ومغانم عائلية.

لقد تباعدت المسافات بين آمال الشعب الذي كنتم أيها(الأخوة الافتراضيون) تدَّعون أنكم انطلقتم لتحقيقها،وبين ممارساتكم التي أصبحتم فيها أسرى متطلبات مهماتكم الرسمية التي كبلكم بها من اختار لكم هذا الموقع في النظام الدولي الجديد الذي عجزت كيانات كبرى عن قبوله والتجاوب معه.

لو كان يلوح في الأفق ولو شبه أمل في الوصول إلى حل مع هؤلاء الغزاة القتلة الأغراب لأخرسنا أي صوت يوجه إليكم مجرد عتاب انتظارًا للتوصل إلى مجرد نتيجة جزئية،ولكن أنتم أصحاب تجربة طويلة في هذا الطريق الذي دمر الصهاينة فيه كل منافذ للنجاة أمامكم ،فلماذا المضي في هذا الطريق الذي لا يوصل إلى أي نهاية؟

وقد وقعت الكارثة التي أغرقت شعب الضفة والقطاع في الازدواجية والتنافس والتقاتل على الفراغ قبل وبعد أحاث 14 يونيو 2006م،واستبيح الدم الفلسطيني بأيدٍ فلسطينية وقد ظل طوال مراحل الصراع خطًا أحمر حتى جاءت سلطة أوسلو وجاءت بالعبث في المفاهيم الوطنية وإعادة تعريف الكثير من الثوابت ،وانساقت وراء حملات الكذب الأمريكي الصهيوني في عهد إدارة بوش التي صنعت لها عدوًا تطارده،ولم تتورع سلطة أوسلو عن حشر نفسها في التحالف الدولي لمحاربة (الإرهاب) الذي عرفتها لها الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني بأنه فصائل المقاومة،مع الفارق الكبير الذي يعترف به القانون الدولي بين مقاومة الاحتلال وبين ما اطلقوا عليه الإرهاب.

والآن وقد تباعدت المواقف،وازداد الجفاء،وتعاظمت الأحقاد التي عششت في النفوس،وبلغت القلوب الحناجر من الغيظ والحنق،وتمادت سورات الغضب،وبدأت آثار الانقسام تطفح بها الأفعال وصنوف الكلام،ما الذي بقي لكم لتحاججون به أمام الشعب الذي طال انتظاره للحل الموعود؟وماذا بقي لديكم لتعدوه به بعد أن أقام الصهاينة أمامكم سدود المستحيل؟

كل ما حدث بعد أحداث غزة في يونيو 2007م،وما تلا ذلك جعل من المستحيل التلاقي على قاسم مشترك في صفقة تعيد لحمة الشعب في الداخل،وقد استغلت الدبلوماسية الأمريكية المحتضنة للحركة الصهيونية تلك الظروف وصعدت من عوامل وحملات الضغوط على النظام العربي الرسمي ،وغيرت بشكل مخادع صريح جميع الأكاذيب التي سادت في عهد إدارة بوش وعلى مدى ثمان سنوات ،وألقت في المستنقع العربي صخرة خضت أعماقه،وخلطت طينه بمياهه وأعشابه،وفي هذا الجو لم تجد الأنظمة العربية إلا وسيلة وحيدة تحمي بها كياناتها وبلدانها من موجة ضغوط (التسونامي )الأمريكية التي حطت رحالها في عمق النظام العربي الرسمي،وتخلصها من الإرباك والإحراج أمام شعوبها،وتراوغ بها في خطة التطبيع التي سيعلنها أوباما في سبتمبر ثم تأجلت إلى ديسمبر 2009م،ودخلت بها إدارته إلى العام 2010م،هذه الوسيلة هي التضحية بما تبقى من أوراق القضية الفلسطينية،واستنفار ما تبقى من فتح الجديدة بمقاييس الصهاينة والأمريكان،ودفع محمود عباس، ومن تجمع حوله في رام بالله وبيت لحم ليدغدغوا وجداناتهم بأحلام الدولة الوهمية على أرض لم تعد قائمة،وعلى معالم ليس لها وجود،ومن يتصفح (جوجل إيرث Google Earth) في نسخته الأخيرة على شبكة الإنترنت،أو يتابع التوسع الاستيطاني على القنوات التلفزيونية الفضائي، ويبحث عن أسماء القرى والمواقع والشوارع والمعالم الفلسطينية والبيوت التي تدمر ، لا يجد منها شيئًا لأنه جرى تهويدها بشكل شبه كامل، وآخر ما جرى ويجري على أرض الواقع في منطقة الحدود التاريخية بين مصر وفلسطين (المقتلة الجديدة) التي يقيمها النظام المصري فيما يعرف بالجدار الفولاذي، وما أعلن عنه الكيان اليهودي من بناء الحاجز الإلكتروني على الحدود المصرية ، وأعلن عن هدفه بشكل صريح وهو تاكيد الصبغة اليهودية للدولة،وسلطة رام الله تصر على أنا تمثل الشعب الفلسطيني،وأنها تحمل هموم مشروع وطني،وأن الدولة آتية ،والحل السلمي قادم ،إلى آخر تلك الخرافات والأوهام التي منهجها فريق الجواسيس والسماسرة،وتصوروا أنها تنطلي على الشعب الفلسطيني المكافح.

تزعمون أيها الأخوة الافتراضيون على الدوام تبني العمل لمصلحة الشعب ، وأنتم تكيدون له، وتبيعون حقوقه الثابتة،وتفرطون في أوليات مصالحه،وتصرون على المضي في الدور(الكاريكاتوري) الذي فرضه عليكم الموقف الذي كبلتم فيه أيديكم للعمل فقط في اتجاه تأمين مصالح الصهاينة،ووضعتم أنفسكم هدفًا لابتزازهم دون أن تتركوا أمامكم خيارًا واحدًا لإبداء مجرد عدم الرضا حين يحشرونكم في زوايا صنعها الواقع اليومي الذي يغيرون فيه الطبيعة الجغرافية والبشرية ، وأنتم تنظرون نتائج الضغوط الدولية والالتزامات الأميريكية، فلا تسمعون إلى صدى الرياح،ولا ترون إلا أمواج السراب الممتد في صحراء الفشل واليأس التي تلف كل من ضيَّع أهله،وفرَّط في حق نفسه!ونحن أشد منكم ألمًا،وأعظم مصيبةً،وأنكى ابتلاءً ومعاناة! فهل لذناباها من تلافٍ ؟

(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .)(يوسف 21)


CONVERSATION

0 comments: