تعدد المرجعيات التعليمية في القدس وتأثيراتها السلبية 2 / راسم عبيدات


في هذه المقالة سنحاول أن نقف على مرجعية تعليمية أخرى في القدس،حيث تعرضنا في المقالة الأولى إلى مرجعيتين تعليميتين هما مدارس البلدية ووزارة المعارف الإسرائيلية ومدارس الأوقاف الإسلامية،ونعود التأكيد مرة أخرى على مدى المخاطر التي تتركها تعدد المرجعيات التعليمية في القدس على العملية التعليمية لجهة وضع الخطط ورسم الاستراتيجيات والميزانيات والمنهاج والإشراف والمتابعة والتطور وغيرها.

ثالثاً- المدارس الأهلية والخاصة :- هذه المرجعية سنقف ونتوقف عندها بالتفصيل،حيث شهدنا في المرحلة الأخيرة هجمة عليها من قبل بلدية الاحتلال ودائرة معارفها لجهة السيطرة على المنهاج الفلسطيني الذي تدرسه تلك المدارس وكذلك ربط عملية التفتيش والإشراف عليها ببلدية "القدس" ودائرة المعارف الإسرائيلية،وإن كانت الهجمة عليها وعلى المنهاج الفلسطيني تندرج في إطار الهجمة الشاملة التي يشنها الاحتلال على المدينة المقدسة في نطاق سياسة التطهير العرقي وبهدف أسرلة وتهويد المدينة،إلا أن جزءاً من هذه الهجمة تتحمله إدارات تلك المدارس ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية والسلطة والقوى والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني،حيث أن تلك المدارس من أجل تغطية مصروفاتها ونفقاتها والاستمرار في تقديم خدماتها توجهت الى بلدية "القدس" ودائرة معارفها وحصلت على مال مشروط منها منذ عدة سنوات ولتبلغ قيمة هذا المال المشروط ما يعادل 102 مليون شيكل شهرياً،وتقديراتي أن إدارات تلك المدارس كانت تتصرف بمعزل عن الموقف الوطني العام،وكذلك لم تكن السلطة الفلسطينية على إطلالة مباشرة على ذلك،وأيضاً غيابها وقصورها هنا وعدم إقامتها صناديق تمويلية خاصة بالتعليم في القدس فلت الأمور على غاربها،وسنأتي بالتفصيل على ذلك بعد التفصيل حول تلك المدارس:- فهذه المدارس يبلغ تعدادها 47 مدرسة تضم 20985 طاباً وطالبة أي ما يعادل 26.1 % من مجموع الطلاب والطالبات في القدس الشرقية لعام 2010 .

وهذه المدارس تصنف إلى ثلاثة أصناف هي :-

1. صنف يملكه فرد ومثاله الكلية الإبراهيمية (ابتدائية،إعدادية، ثانوية،وكلية مجتمع)وهي مدرسة مختلطة تضم الذكور والإناث،وهناك مدارس أخرى تتبع هذا العنوان،وهي لغايات تربوية واستثمارية وفي العديد من الأحيان يتقدم الاستثمار والربح على التربية والتعليم.

2. صنف آخر من المدارس الأهلية وهي التي تتبع جمعيات أهلية كمدارس الأقصى،وثانوية اليتيم العربي الصناعية،ودار الطفل العربي ،ومدرسة دار الأولاد ومدرسة الزهور،وهذه المدارس يشرف عليها مجالس أمناء.

3. صنف تمثله المدارس الخاصة،وهي تتبع أوقاف مسيحية كنسية ومثالها:- مدرستا تراسنطة ومار يوسف للبنات ( تتبعان دير اللاتين) وثانوية شميدت للبنات ( تتبع الكنيسة الألمانية اللوثرية) مدرسة المطران – سان جورج ( الكنيسة الانجليكانية ) وثانوية راهبات الوردية ( الكنيسة الفرنسيسكانية )،وثانوية الأقباط (الكنيسة القبطية)،ومدرسة الاسبانيول(الكنيسة الكاثوليكية ) وغيرها.

وقد لعبت تلك المدارس دوراً وطنياً في رفض المنهاج الإسرائيلي بعد عام 1967 حيث استمرت في تدريس المنهاج الأردني المعدل،فزاد إقبال الطلبة على تلك المدارس،واستقطبت الآلاف من طلبة القدس لدراسة المنهاج الأردني المعدل،مما خلق ضغطاً هائلاً على طاقاتها الاستيعابية وخصوصاً أن الاحتلال وضع الكثير من القيود والعراقيل لمنع بناء وإقامة مدارس خاصة جديدة ولأسباب سياسية،والضغط على المدارس الخاصة في أعداد الطلبة قابله تراجع في أعداد طلبة المدارس الأخرى التي تشرف عليها بلدية "القدس".

وهذه المدارس تعاني العديد من المشاكل والمعيقات مثل عدم توفر الكفاءات العلمية بسبب الجدار والحصار المفروضين على المدينة وعدم منح المعلمين/ات من الضفة الغربية التصاريح اللازمة للتدريس في القدس،بل واستخدام تلك التصاريح كوسيلة ضغط على إدارات تلك المدارس لدفعها من أجل الرضوخ لسياسة بلدية "القدس" ودائرة معارفها ،وأيضاً فهي تواجه صعوبات مالية بسبب عدم كفاية الأقساط المدرسية لتغطية نفقاتها وأتعاب العاملين فيها،وهنا تحت هذا المسمى لجأت المدارس الخاصة الى بلدية "القدس" ودائرة معارفها من أجل الحصول على الأموال لتغطية هذه النفقات،والبعض كان لديه اجتهادات خاطئة إذا إفترضنا حسن النية،بأنه من حقهم الحصول على تلك الأموال نظير ولقاء ما تفرضه عليهم بلدية الاحتلال من ضرائب،وهنا الخطأ الفاتح فالتعليم ليس عملية خدماتية،بل هو حق سيادي،حيث أن بناء منهاج وطني يعد أساساً مهماً لبناء السيادة الوطنية الفلسطينية،وهذا أوقع تلك المدارس في المحظور " المال المشروط"والذي على أساسه تشجعت بلدية الاحتلال ودائرة معارفها على توجيه كتاب في 7/3/2011 الى ادارات تلك المدارس تطالبها فيه بعدم الحصول على الكتب من أي مصدر آخر باستثناء بلدية "القدس"،والبعض حاول التقليل من قيمة وأهمية ذلك الكتاب على اعتبار ان المسألة هي شكلية - أي استبدال شعار السلطة الفلسطينية عن أغلفة الكتب بشعار بلدية الاحتلال،ولكن المسألة أعمق وأكبر وأخطر من ذلك بكثير،حيث أن بلدية الاحتلال تريد شطب وحذف العديد من المواضيع الموجودة في تلك الكتب التي لها علاقة بالانتماء والهوية والثقافة والتاريخ والجغرافيا الفلسطينية،وكذلك الوجود الفلسطيني،والمستهدف هنا الوعي والذاكرة الفلسطينية،فهي تريد تشويه وكي هذا الوعي الفلسطيني وشطب وإلغاء الذاكرة الفلسطينية،عملاً بمقولة واحد من مؤسسي دولة الاحتلال بن غوريون"كبارهم يموتون وصغارهم ينسون"،وللدلالة على ذلك استتبعت بلدية الاحتلال ودائرة معارفها هذا الكتاب بكتاب آخر في 17/3/2011 الى إدارات تلك المدارس تطالبها فيه بعرض وثيقة "استقلال" دولة الاحتلال في مكان بارز في تلك المدارس وبما يمكن الطالب من الاطلاع عليها،وعلى أن يقوم المدرسين بشرح ما ورد فيها من معاني حول قيم "العدل والمساواة والتسامح" وغيرها.

الغرض هنا واضح ولا لبس فيه صهينة التعليم في القدس العربية على غرار ما يجري تنفيذه بحق الطلبة العرب في الداخل الفلسطيني- مناطق 48 -،وقضية ما العمل سآتي عليها في سياق التوصيات والمقترحات،ولكن سأبقى في إطار التحليل لواقع المدارس الأهلية المقدسية بعلمية وموضوعية وبعيداً عن التشهير والتجريح أو شخصنة الأمور،فهذه المدارس تمتاز بمستوى تعليمي جيد،وهنا يوجد أسباب ويوجد كذلك ملاحظات،فهذه المدارس تحرص على المنافسة المستمرة للمحافظة على بقائها...،وتستقطب كفاءات أكاديمية وعلمية،وكذلك تختار الطلبة الصفوة والنوعيات الجيدة من طلبة المدارس الأخرى،وترفض قبول وتسجيل أي طالب قادم إليها بدون امتحان قبول ومعدل يقل عن 75 % على الأقل،وهذه المدارس تضع هذه المعايير والشروط لعدد من الأسباب،لكي تبرر الأقساط المرتفعة التي تجيبها من الطلبة والتي تزيد عن أقساط الجامعات المحلية،وحتى تحقق نتائج مرتفعة في امتحان الثانوية العامة،وتستمر في تسويق نفسها كمدارس تمتاز بالمستوى التعليمي العالي،وهنا بالذات أقول أنها تلعب دوراً مكملاً لدور المدارس الحكومية في دفع الطلبة إلى التسرب من المدارس إلى الشوارع وسوق العمل الإسرائيلي أو الانحراف وتعاطي المخدرات والضياع،عندما ترفض قبول الطلبة أصحاب المعدلات المتدنية.

ولكن هذه المدارس لها الحرية في التميز في جوانب أخرى مثل تدريس لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية او التركيز على اللغة الانجليزية بزيادة حصصها وفعاليتها،وكذلك تمتاز بالنشاطات التربوية الأخرى مثل تعليم الموسيقى والفنون والفلكلور والتراث والنشاطات الهادفة الأخرى.

هذه المظلة التعليمية يجب النضال بشكل جدي وبتعاون الجميع من أجل عدم وقوعها تحت سيطرة إدارة المعارف الإسرائيلية وبلدية"القدس"،فالمحافظة عليها وعلى منهاج التعليم الفلسطيني فيها جزء من الصراع الهام على السيادة في القدس،والسلطة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تتحملان المسؤولية كاملة هنا واولاً عن أي تراخ أو مهادنة في التعاطي مع ما تصدره بلدية الاحتلال ودائرة معارفها من قرارات بهدف وضع يدها على المنهاج والإشراف على تلك المدارس.



يتبع

CONVERSATION

0 comments: