مصر تمر بعد الخامس والعشرين من شهر يناير 2011 بما عرف بالثورة .. ثورة الشباب .. بظروف غير مستقرة ولا أحد يستطيع أن يتكهن بأي تكهنات إيجابية أو سلبية عما يمكن أن تسير عليه البلاد ومن سيتولى إدارتها . وهذا شيء طبيعي في معظم الثورات الشعبية لأنها تقوم دون تخطيط مسبق وإنما مع الصمود والعزيمة وتضامن جموع الشعب في طول البلاد وعرضها وتحديهم للنظام الحاكم وعدم تدخل الجيش أعطى لثورة الشباب المصري الحق في إعتبار ما قاموا به ثورة بكل المعاير والمقايس .. ولكن !
الجيش المصري بقياداته العسكرية فضل عدم التدخل العسكري لفض الثوار المعتصمين بميدان التحريروظل تواجده فاعلا في الحفاظ على سلامة جموع الشعب على الرغم من حدوث ما سمي بمعركة الجمل ومقتل عدد كبير من الشباب وإصابة أعداد أخرى بعضها خطير إلى أن تم للشباب تحقيق ما كانت تصبو إليه ثورتهم بتخلي الرئيس السابق عن الحكم وترك إدارة شئون البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير حسين طنطاوي الذي هو في نفس الوقت وزير الحربية.
لا أحد ينكر أن في بداية تجمع شباب مصر للمطالبة برحيل الرئيس قد واجه معارضة من فئات كثيرة من الشعب إن كانت فئات دينية أو مدنية . ومع ذلك إستمر الشباب في وقفتهم صامدين مؤمنين بعدالة مطلبهم مصممين على التخلص من الحكم الفاسد والحاكم غير العادل ودفعوا الثمن لنوال ما تصبوا إليه مطالبهم دم الكثير من شبابهم وشباتهم وأيضا من رجال ونساء تضامنوا معهم ووقفوا إلى جوارهم ودفع بعضهم نفس الثمن الغالي بدمائهم .
حدث كل هذا ومازالت الفئات المعارضة وغير مقتنعة بإمكانية الشباب على تحقيق مطالبهم إلى أن ظهرت بوادر التحقيق بتعين نائب للرئيس والذي لم يثنيهم عن مطلبهم الأساسي برحيل الرئيس فوثبوا داخل صفوفهم وسرقوا الكاميرا بلغة أهل الفن وأخذ صوتهم يعلو بعد أن تخلى الرئيس السابق عن إدارة شئون البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وكانت أعلى الأصوات صوت الأخوان والوسطين منهم مثل الدكتور صفوت حجازي الداعية الإسلامي المعروف .
تخطت الجماعة كل الخطوط وتجاهلت تجاهلا ملحوظا شباب الثورة وقاموا بكل مهارة إعلامية بإظهار قدراتهم على السيطرة على الشارع المصري الذي تركه مبارك لهم ليريح نفسه من تحمل أي مسئولية كما نعلم . وبدأ المجلس الأعلى برعاية الأخوان رعاية الراغب في تعويضهم عما لاقوه منذ تكوينهم في بداية القرن الماضي وحتى الحادي عشر من فبراير عام 2011 وهو تاريخ هام جدا في أجندتهم بعد تخلي الرئيس السابق عن الحكم في ذلك اليوم .
ظهر جليا نشاط الأخوان فأخذت بقية الجماعات الإسلامية في الظهور " هذا لا يعني أنه لم يكن لهم ظهورا أو وجودا ،" ومع الأسف بدأ ظهورهم وإثبات وجودهم في شكل إعتداءات على مسيحي مصر وطبعا نعرف من هم أشهر تلك الجماعات .. وهم السلفيون .
أشياء غريبة بدأت تطفو على سطح الأحداث لم يكن يتوقعها الشارع المصري وبدون شك لم تكن في حسبان شباب الثورة .
تم الأعتراف بالإخوان بعد أن كانت جماعة محظورة . ولا إعتراض على هذا لأنها كانت موجودة وفاعلة ومتفاعلة في ومع الشارع المصري سواء كان ذلك سلبا أو إيجابا .
وفجأة وبدون سابق إنذار وجدنا المجلس الأعلى يشكل مجموعة لتعديل بعضا من مواد الدستور.
عرض الأمر على الشعب ليبدي برأيه في التعديلات بما عرف بالإستفتاء والذي قدم فيه المجلس الأعلى مصر والشعب المصري على طبق من ذهب هدية للأخوان كتعويض عما حدث لهم منذ تكوينهم وحقق لهم الحلم الكبير بحكم مصر .
وهذا ما هو ظاهر وواضح حتى هذه اللحظة في عدم قبول المجلس الأعلى للقوات المسلحة رأي غالبية الأحزاب الأخرى وكثير من أبناء مصر بضرورة وضع الدستور أولا قبل الأنتخابات البرلمانية ، ومن طالب بذلك لهم الحق كل الحق في مطلبهم العادل . على الأقل من وجهة نظرهم ومن قوة منطقهم القائم على مثل بسيط " الحصان الأول أم العربة " .وكانت ومازالت حجة المجلس أن الشعب وافق على ذلك في الإستفتاء الذي أجري على التعديلات . كذلك رغبة المجلس في العودة إلى مهامه الأساسية وهي حماية البلاد لا إدارة شئونها المدنية دون الأخذ بالإعتبار ما قد يضر بمستقبل مصر والشعب المصري بحكم ديني .
إلتف الأخوان حول الحكم الديني بتكوين حزب الحرية والعدالة حتى يقتنع المعارضون بأن النية هي الحكم الديمقراطي المدني بعد إضافة جملة صغيرة وبسيطة في مظهرها بمرجعية دينية ، وحاول عزيزي القاريء أن تفهم معنى بمرجعية دينية . وقد دار جدل حول تلك الجملة ومازال ولم يصل أحد إلى معنى مقنع فكيف تكون الدولة ديمقراطية مدنية بمرجعية دينية علما بأن الديمقراطية يطلقون عليها صناعة غربية يروجها الكفار . أما المدنية فكان الحكم الأسلامي دائما وأبدا مدنيا ، أي لم يكن عسكريا . وأصبح من المؤكد أن الغالبية في البرلمان القادم من الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية مما حدى بالأحزاب الإنتهازية الإسراع والإنضمام إلى الإخوان في تآلف للخوض في المعركة الإنتخابية البرلمانية والتي ستكلف من سيتولى بكتابة الدستور المصري الجديد ولنا أن نتصور نوعية الدستور ومن سيتولى رئاسة الجمهورية بعد ذلك .
قد يسأل قاريء ما دخل كل هذا الرغي الذي تكرر معظمه منذ فترة وعنوان المقال " زيارة المرشد لقداسة البابا بين الرفض والقبول " ؟!
أقول له علينا كل من يمسك بالقلم ليكتب أن لا ينسى أو يتجاهل أو يتخطى ما حدث في مصر منذ الخامس والعشرين من يناير هذا العام 2011 إلى أن يستقر الأمر ونعرف مصر إلى أين المصير .
وبناء عليه فإن زيارة المرشد لقداسة البابا إن تمت فلا أرى فيها ضررا مع كامل إحترامي لكل من رفض وعارض اللقاء وأخص بالذكر ما كتبه الدكتور خالد منتصر وخاصة مقاله الرائع " واقعة هاني شنودة " والتي أوضح فيها صورة الإخوان وتحكمهم وهم جماعة محظورة فما بالنا وهم أبطال الساحة الأن !!. وأيضا مع كل إحترام للدكتور ميشيل فهمي ومعارضته لقبول الزيارة المرتقبة والتي سعى إليها المرشد .
نحن في مفترق الطريق كمسيحيين إما أن نكون أو لا نكون . بمعنى أنه يجب علينا المشاركة والتواجد في كل ما يدور على الساحة المصرية من أحداث دون إنتظار أخذ السماح من أحد ونترك الكنيسة للأمور الدينية ، أما الأمور الدنيوية فيجب أن تكون للشعب المصري المسيحي الذي له حق التواجد وتكوين أحزاب أو الإنضمام لأحزاب يكون فيه المصري المسيحي والمصرية المسيحية مقتنعا تمام الإقتناع بإنضمامه لهذا الحزب أز ذاك سيعود بالفائدة على كل المصريين الذين منهم المسلم والمسيحي والبهائي والنوبي والبدوي ، المؤمن والملحد على السواء . لقد تقوقعنا سنين طويلة ويجب علينا أن نخرج من قوقعة السلبية إلى نور الإيجابية والمشاركة وقبول الأخر الذي ننادي به فنكون القدوة في مد يد الأخوة لأشقاء لنا في الوطن مصر.
أعرف جيدا أن الصعاب كثيرة وسط كل هذه التيارات الإسلامية المتشددة . لكن هناك من المسلمين الرافض وبشدة تلك التيارات وهم مثلنا يبحثون عن من يشجعهم على الخروج من قوقعة الصمت إلى نور الحرية والمجاهرة .
لا أحد بيده العصى السحرية التي بها يستطيع الوصول إلى ما يصبو إليه . لكن فلتكن ثورة الشباب الدافع لنا جميعا إلى السعي والعمل بالتضامن من أجل تحقيق ما تصبو إليه أحلامنا في العيش في وطن واحد لكل المصريين ويكون الدين لله وحده . فهل هذا شيء مستحيل ؟؟ إن كانت الإجابة بنعم فلا تخشى من المستحيل فكم من مستحيل أصبح غير مستحيل . وإن كانت إجابتك بلا .. لا شيء مستحيل فعليك بالعمل الإيجابي لتحقيق حلم مصر الذي طال تحقيقه .
أما عن الزيارة المرتقبة عن نفسي واثق من حكمة قداسة البابا وقد لمست هذا وإختبرته من خلال زياراته لنا في أستراليا .
0 comments:
إرسال تعليق