"وليكن.... لا بدّ لي أن أرفض الموت". إنٌها العاصفة يا أخي...
ألكيل بمكيالين خطيئة تخلّف ضحايا، بيد أنّها تصبح جريمة عندما تمارسها الضحية ذاتها. أن يطلق نظام الرصاص على صدور مواطنيه العزَّل لهي جريمة نكراء، سيّان إن دوى الأزيز في أكتوبر أو أيار!
أن أناضل وأقاتل من أجل حقي في العيش بكرامة وعزة ولقمة عيش هو فريضة تكون منقوصة وزائفة إن لم أمارسها في حق إخوة لي يعيشون بذل وجوع.
حرية الإنسان نسبية، الإنسان فيها ثابت ومطلق.
حقي وواجبي أن أقاوم ظالمي. أن أتفهّم موقف ظالم يستبد بشعبه خيانة، تعظُم كلّما تستّر التبرير بعلم وطن أو بكلمة سماء!
كل شيء قابل "للتفلسف" إلّا حكمة أهملها إنسان وقدّمها ثور أحمر على باب كهفه حيث ما زال يربض أسد جائع.
كل صوت يحتمل التأويل إلٌا رجفة دم طفل وصرخته، تفرك عين الصباح وأنت تفرك عينك وتصر: إنّه صدى الملائكة لأن البعث قريب وآتٍ.
أحيانًا يسعف التبرير ويُحمَد إلٌا عندما يجيء غنج عاهرة على باب هيكل!
لا حجة ولا مبرر يشفع لكل من ما زال يتلكأ متأتئًا إزاء مشاهد الدم المسفوك في سوريا.
أسوأ المواقف هو ذاك الذي يجاهر دالقًا تعابير التأييد والتضامن مع نضالات الجموع السورية المسالمة من جهة ومردفًا خشيةًً من سقوط نظام الأسد وبعثه "الصامد" في وجه الإمبريالية والاستعمار والمرابط فيما يسمى حلف المقاومة والممانعة مع نظام القمع الإيراني.
تعويل هؤلاء على النظام الحاكم بإيفائه وتنفيذه لعملية إصلاح شاملة، تنصف الشعب وتداوي جراحه، فيها من التنكُّر لعبر التاريخ قسطٌ، ومن قصورٍ في فهم ما يجري أقساط.
القضية، بنظري، تتعدى أهمية هذه المواقف العاجزة ومدى تأثيرها المحتمل على مجريات الأحداث في سوريا أو أي قطر عربي آخر، فهي، لأسفي، تعكس واقع هذه الأحزاب وواقع أصحاب هذه المواقف المتأرجحة والمتجمّلة بمساحيق تواريخ صلاحيتها قد نفدت.
القضية أن ما بدأ في تونس، وتتالى في دول عربية أخرى كان كالزلزال. زلزال آدميّ تذبذب وما طفقت دوائره تتسع وتهدم ما كان قائمًا على كبت وقمع ونهب وفساد. شعوب أتخمت من سياط حكّامها، مستعمريها المباشرين المتنفذين والعابثين بكل قوانين الحياة الإنسانية. شعوب عافت تلك السياط التي جدلت من جلود أبنائها المقشوطة في دهاليز الأسر والتحقيق والتعذيب، صُمّغت ودُمغت بأختام حماية الأوطان وصمودها في وجه أعدائها الخارجيين وأعوان أعدائها من الداخل.
أين موطن التردد؟ وما الذي يستدعي الحيرة؟ القضية أبعد من عقيد قائد ثورة قضت على ملكية "سوسية" وأحلٌته نجمًا متألّقًا، في حلم ليل أمّة، بدأت بثوراتها الجارية اليوم، تصحو منه لتعيش واقعًا يضمن لها الحرية الحقيقية والكرامة.
القضية أبعد من نظام ادّعى أنه يحكم باسم الشعب، ومن أجله، ومارس موبقاته باسم "اشتراكية" ضمنت شراكة الفاسدين ونعيم فراشهم وأبقت الشوك ووخزه لجموع البؤساء والمعوزين. لماذا التردد؟ وماذا يرتجى من نظام تجنٌد سدنته في ذات صبح مظلم واغتصبوا دستورَ بلاد فورّثوا "فارسًا" كرابيج أب راحل وأشعلوا ليل أحلامهم ليطفئوا الجمر على هامات شعب أمسى يعيش الخوف والذل والمهانة.
أين الإعضال؟ وصوت الشعب أجرد إلٌا من بحة الألم وصهيل اليأس، يواجه بنادق وفوهات دبابات صدئت، استجلبت لتحرير جولان محتل وإذ بها تحاصر قرى ومدن الوطن المفتدى لتخليد وارث العرش المفدٌى!
يقول القائل: على رسلك! فماذا بعد سقوط النظام؟ وبعضهم يلوّح بأن عملاء أمريكا والغرب سيستولون على سورية وستحل الكارثة ويسقط حزام الأمن الممانع والمقاوم في الجبهة الشرقية. وآخرون يخيفوننا بأن الحركات الإسلامية الأصولية ستزحف على دار الحكم وتقيم إمارة الإسلام لتعيدنا دهورًا إلى تالد التاريخ وظلامه. تكثر الذرائع وبعضها يأسر أحرارًا يؤمنون بالدولة العصرية المدنية التي تكفل لأبنائها العيش بحرية وعدل ومساواة وبدون فساد. كل الاحتمالات واردة. قلنا أن الرياح عاتية وأنه الزلزال يدك ما هو قائم ومشيّد ويفتح أبواب السماء والأرض على جهات الريح والأمل.
إنٌه الزلزال لن يرحم من سيحني هامته للعاصفة. إنها ساعة الحق والموقف والعمل فإمّا أن تكون في طليعة البنّائين يشيّدون صروح المستقبل وإما أن تصبح ضحية تدوسها جنازير دبابات "الفاتحين" أو جنازير بولدوزرات الغاصبين المتربصين.
مواقف المترددين تشي بما يعانونه من قصور والكيل بمكيالين.
إنٌه زمن القلائد الكريمة الجديدة. زمن الإنسان العربي الحر الأبي، وما كان معقودًا خلاخيلَ على أكعاب دهاقنة أنظمة تغنّت بحريَّات شعوبها واستهانت الدوس عليها، أصبح جواهر هذا الزمن وجنى العواصف المنثور.
العاجز فقط سيضيع فرصة حصاد أكاليل اللؤلؤ ولن "يغني للفرح/ خلف أجفان العيون الخائفة/ منذ أن هبت، في بلادي، العاصفة/ وعدتني بنبيذ وبأقواس قزح".
إنّها العاصفة يا أخي، تعدنا بالنبيذ وبأقواس قزح، فانفض غبارَ الزمن وافتح صدرَك للفرح.
0 comments:
إرسال تعليق