شهوة الحكم/ نرمين كحيلة

نعم إن للحكم بريقا وإغراءً لا يستطيع أن يقاومه إلا من رحم ربى ، هكذا يثبت التاريخ وهكذا يقول علماء النفس .. فكم من جرائم ارتكبت للحفاظ على العرش والملك !! فالامبراطورة إيرين مثلا فقأت عيني ابنها ولي العهد لتنفرد بالحكم ! عاصرت هارون الرشيد
وكانت الوصية علي عرش روما الي أن يبلغ ابنها قسطنطين السادس السن القانونية لتولي العرش ولكن 'ايرين' ذات الشخصية الطموحة لا تريد أن تتنازل عن السلطة بهذه البساطة ، فقد حاكت مؤامرة أطاحت بابنها قسطنطين ، ولم تتركه لحال سبيله ، ولم تراعِ أنه ولدها، فقد أعماها حب السلطة عن كونها أمًا، وقررت أن تسمل عيني ابنها!
وحكمت البلاد تحت اسم الامبراطورة أوجستا!
والغريب أنها لم تستمر طويلا في السلطة فقد قاد أحد النبلاء واسمه 'نقفور' ثورة ضدها واستولي علي الحكم ، ونحاها عن السلطة.

أما السلطان محمد الثالث (1567 – 1603) الذي تولى العرش بعد موت أبيه

مراد الثالث سنة 1595 أمر بقتل إخوته التسعة عشر عند تسلمه السلطة حتى لا ينافسوه على الحكم
ولكن ذلك لم يفِده طويلاً فحكم ثماني سنوات ولاقى بعد ذلك نفس المصير الذي ألحقه بإخوته.. وكانت هذه عادة فى الدولة العثمانية أن يقتلوا أولادهم الذكور خوفاً من إثارة الفتن وفساد الملك واختلاف الكلمة وشق العصا بين المسلمين. وأفتى فقهاؤهم بجواز القتل إذا صار الغلام مراهقا مع القرائن الدالة على الفتنة ، فالسلطان سليمان القانوني قتل أفضل ولديه مصطفى (1553م) وبيزيد (1561م( ليفسح المجال لذلك أمام ابنه الآخر سليم من زوجته السلافية روكسلانة .. وكذلك قتل بيبرس قطز ليستولى على الحكم.

وقد وضع ميكافيلى- صاحب مبدأ الغاية تبرر الوسيلة - كتابا أسماه الأمير عام 1513م لينصح الحكام بالتنازل عن أخلاقهم فى سبيل الاحتفاظ بالحكم فقال:

علي الحاكم أن يتخلص من الأخلاق والقيم ، فإن من الأفضل (للحاكم) أن يخافوك (الناس) على أن يحبوك.

وقد عُني « ميكافيلي » بأن يكشف من التاريخ القديم ، ومن الأحداث المعاصرة له: كيف تُنال الإمارات ، وكيف يُحتفظ بها، وكيف تُفقد؟ .
وانتهى إلى رأي في السياسة يتلخص كما سبق بالعبارة التالية
« الغاية تبرر الوسيلة » مهما كانت هذه الوسيلة منافية للدين والأخلاق .

رأى أن أكثر الحكام لم يكونوا شرعيين ، ولم يكونوا ملتزمين المبادئ الأخلاقية الفاضلة ، وبذلك استطاعوا أن يصلوا إلى الحكم، وأن يضمنوا استقرار الحكم في أيديهم إلى حين.
بخلاف الحكام الشرعيين، والذين كانوا يلتزمون المبادئ الأخلاقية الفاضلة المستندة إلى الحق والعدل والخير، فإنهم لم يحققوا لأنفسهم النجاح المطلوب ، ولا المحافظة على الحكم ، كمحافظة الساسة الخائنين الغدارين المرائين المنافقين الكذابين. وهذا المبدأ هو ما يعمل به الآن أغلب الحكام.

ويقول علم النفس أن الحاكم و نحن هنا لا نقصد فردأ فقط وإنما فئة حاكمة أيضاً قد يدمن على مظاهر الخضوع والتبجيل التي يتلقاها من الشعب بعد حوالي ثلاثين أو أربعين سنة فالحاكم في هذه الحالة يصبح كالمدمن على المخدرات أوالمصاب بالذهان حيث يفقد القدرة على إدراك أنه مريض مرضاُ خطيراً لا بد من معالجته. ومن هنا عدم اعتراف الحاكم وحاشيته بالأوضاع المتردية التي أوصلوا إليها البلاد والعباد نتيجة التدمير الشامل لأنشطة المجتمع المدني وتفاقم أحادية التفكير وشيوع الفساد إلى أبعد الحدود. بل إن النخبة المتسلطة حين تتحدث عن إصلاح ما فإنها تقدم حلولاً تجميلية أو مسكنات مؤقتة قد تنجح في بعض الأحيان في تأخير الإنفجار الكبير الذي لا مفر منه والذي له ميعاد محتوم وفق سنن وقوانين الاجتماع والتاريخ.

أما حالة الشعب الذي تعرض لحالة استبدادية عنيفة وطويلة زمنياً فهي أشبه بعقدة ستوكهولم أو متلازمة ستوكهولم و"هو مصطلح يستعمله علماء النفس لتوصيف الحالة النفسية التي تعبر عن تعاطف وتعاون ضحايا الاختطاف والعنف مع مختطفيهم وجلاديهم السابقين وبصفة عامة تعكس عقدة ستوكهولم ميل الضحية إلى الدفاع عن المتسبب بالضرر أو العنف بشكل يتناقض مع سلوك الإنسان السوي.
أطلق على هذه الحالة اسم "متلازمة ستوكهولم" نسبة إلى حادثة حدثت في ستوكهولم في السويد حيث سطا مجموعة من اللصوص على بنك كريديتبانكين Kreditbanken هناك في عام 1973، و اتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، و قاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم.

يفسر علماء النفس هذه الوضعية بقيام الضحية ، التي تكون تحت وقع ضغوط كبيرة ،لاشعوريا بخلق آلية نفسية خادعة للتمسك بالحياة وخلق وسيلة للدفاع عن النفس ، وذلك بخلق نوع من الألفة مع الجلاد أو المُختَطِف ويقوم بتأويل مبالغ فيه لكل إشارة إيجابية قد تصدر عن الجاني كمده ببعض الماء أو الطعام أو اتصال هاتفي مع أحد الأقارب أو مده بسيجارة ، بل قد يتحول إلى المشاركة مع الجناة في مقاومة تحريره خوفا من الفشل والتسبب في معاناة إضافية حيث تبدي الضحية تعلقا كبيرا بالجاني."وهو ما يفسر لنا دفاع البعض عن النظام السابق رغم كل مساوئه.

CONVERSATION

0 comments: