........ أن النظام الرسمي العربي في حالة غير مسبوقة من الانهيار والانحطاط،ومسألة الأمن القومي العربي لا تعني له شيئاً،بل جزء من أجهزة وأدوات النظام المخابراتية في أكثر من دولة تمد وتوفر أجهزة المخابرات الغربية وحتى الإسرائيلية بمعلومات عن الأوضاع في دول عربية أخرى،ولعل ما نشره موقع ويكليكس بأن هناك من الموظفين والمسؤولين العربية من يتصل طواعية بالسفارات والقنصليات الأمريكية في بلدانهم، لكي يزودها بمعلومات عن الأوضاع في بلدانهم والبلدان العربية الأخرى،مؤشر خطير على ما وصل إليه النظام الرسمي العربي من انحطاط وانهيار،بحيث أصبحت الخيانة على رأي الشهيد صلاح خلف "أبو اياد " ليس وجهة نظر،بل وعلى المكشوف حيث يصول ويجول الخونة وأصبحوا جزءاً ورقماً مهماً من منظومة القرار في بلدانهم،ففي أكثر من عملية اغتيال نفذها جهاز الموساد الإسرائيلي والذي يحاول أن يضفي على نفسه هالة من الأسطورة والقوة الخارقة،وجدنا أن هناك أيدي عربية تقف خلف تلك العمليات والاغتيالات والتي طالت العديد من قادة الفصائل الفلسطينية في أكثر من دولة عربية وتحديداً في لبنان،وكذلك الشهيد عماد مغنية في دمشق والمبحوح في الإمارات العربية ....الخ.
والمسألة ليست وقفاً على اغتيال الموساد لقيادات فقط في قوى المقاومة الفلسطينية والعربية،بل الموساد يستهدف الأمن العربي ككل،وإسرائيل لا تقيم وزناً للدول العربية التي تقيم معها علاقات دبلوماسية وتجارية واقتصادية،فالاستهداف هنا شمولي،فالموساد على سبيل المثال لا الحصر حاول اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل على الأراضي الأردنية،وأيضاً اغتال المبحوح أحد قيادات حماس على أراضي دولة الإمارات،وجند أكثر من شبكة عملاء للتجسس على مصر وأمنها القومي،والتي كان آخرها اعتقال الجاسوس طارق عبد الرازق والذي كشف عن الكثير من المعلومات الخطيرة،وعن مجموعة من شبكات التجسس الإسرائيلية والتي تعمل في أكثر من دولة عربية،ولا تهدد أمن مصر فقط،بل وتهدد أمن أكثر من دولة عربية،وتهدف لتدمير وقطع العلاقات العربية - العربية،وبلغت الاستباحة للأمن المصري حداً غير مسبوق من الوقاحة بقيام الأمن الإسرائيلي باستجواب الصحفية الفلسطينية صابرين علي على أرض مطار القاهرة الدولي،ناهيك عن قيام المخابرات الإسرائيلية باختطاف مواطنين من سيناء بهدف زعزعة الاستقرار هناك وخلق فتنة فلسطينية- مصرية،وأكثر من ذلك فالجميع يعرف الدور الإسرائيلي في محاولة تحريض عدد من الدول الأفريقية وفي المقدمة منها أثيوبيا من أجل قطع شريان المياه الرئيسي لمصر- نهر النيل- وكل هذا التآمر والتجسس على مصر يجري في ظل معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية،وبما يثبت أن السفارة الإسرائيلية في مصر متورطة في الكثير من الأعمال التجسسية تلك.
هذه الاستباحة التجسسية والموسادية للوطن العربية،نجد تجلياتها على امتداد جغرافيا الوطن العربي،ففي لبنان حيث حزب الله والمقاومة سجلوا نجاحات وانتصارات في كشف الكثير من شبكات التجسس الإسرائيلية على أرض لبنان،والتي كانت تستهدف ليس حزب الله والمقاومة،بل أمن لبنان ككل ودفع الساحة اللبنانية إلى الاحتراب والاقتتال الداخلي،فأغلب عمليات الاغتيال التي طالت رموز وقيادات لبنانية وفلسطينية هناك كانت عليها بصمات إسرائيلية،وكذلك التقرير الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية بشأن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق عليه بصمات إسرائيلية أيضاً،وما يجري في السودان وقضية تجزئته وتقسيمه ليست بعيدة عن بصمات المخابرات الإسرائيلية،كما أن أرتيريا وجيبوتي أصبحت من القواعد المتقدمة للموساد في القرن الأفريقي،وكذلك مطاردة واغتيال الكثير من العلماء العراقيين تمت بأيدي الموساد الإسرائيلي،والذي أصبح بعد سقوط النظام العراقي يسرح ويمرح في الأراضي العراقية،ويقيم له العديد من القواعد في شمالها،ومن خلالها يتجسس على سوريا وإيران وتركيا وغيرها من الدول الأخرى،ناهيك عن القيام بأعمال التخريب والقتل والفتن داخل الأراضي العراقية.
إن الموساد ليس بالأسطورة أو الجهاز الذي لا يقهر،بل ما يجعله قوياً هو ضعف الحالة العربية وانهيارها،وغياب وتغييب الأمن القومي العربي الشمولي،وغياب إجراءات الردع والمحاسبة،ففي الوقت الذي يجند النظام الرسمي العربي كل عيونه وأجهزة مخابراته للتجسس على أمن مواطنيه،فإن هذه الأجهزة لا تقم بأي دور تجاه حماية الأمن الوطني والقومي،بل العديد من تلك الأجهزة تتجند وتنسق مع الأجهزة الإستخباراتية الغربية والإسرائيلية ضد مواطنيها ومعارضيها وضد دول عربية أخرى،فهذا الجهاز صاحب الصيت والشهرة،هزمته دولة صغيرة كدولة الإمارات العربية،والتي استطاعت أجهزة مخابراتها في زمن قياسي كشف قتلة الشهيد المبحوح من جهاز الموساد الإسرائيلي،والذي جند عشرات أعضاءه من أجل اغتيال رجل واحد،وكذلك ما جري ويجري على الأرض اللبنانية حيث تتساقط شبكات جواسيسهم كأوراق الشجر في الخريف .
إن إسرائيل تعتبر نفسها في حالة حرب وعداء مع العالم العربي،وبغض النظر عن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية التي تقيمها مع العديد من الدول العربية،فهي تستغل ممثلياتها في تلك الدول من أجل القيام بأنشطة تجسسية،ولعل تورط السفارة الإسرائيلية في قضية الجاسوس المصري طارق عبد الرازق ومن قبلها تورط السفارة الإسرائيلية في عمان في قضية محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل،وبعدها تورط البعثة الإسرائيلية في الإمارات العربية باغتيال الشهيد المبحوح وغيرها تثبت أن إسرائيل تستغل تلك السفارات والممثليات والعلاقات الاقتصادية والتجارية من أجل التغطية والتستر على ما تمارسه تلك السفارات والممثليات والبعثات من أنشطة تجسسية،واختراق الأوضاع الداخلية في الأقطار العربية،من أجل إحداث حالة من البلبلة والقلاقل والفتن داخل القطر الواحد وأكثر من قطر عربي.
وهذا بالضرورة يطرح مسألة الأمن القومي العربي،والتي بالضرورة يجب أن تتجاوز الخلافات القائمة بين الحكومات العربية،فهذه المسألة تهم أمن المواطن والإنسان العربي الآن ومستقبلاً،وهي تتطلب تفعيل المعاهدات الأمنية العربية المشتركة وفي الجوهر منها معاهدة الدفاع العربي المشترك.
فالجغرافيا العربية والأمن العربي مستهدفتان بشكل مباشر من القوى المعادية وبالذات إسرائيل وأمريكا،الجغرافيا مستهدفة تفكيكاً وتركيباً ،تقسيماً وتجزئة وتذريراً،والأمن العربي اختراقاً وعمليات تخريب واغتيالات وخلق فتن وقلاقل وحالة من عدم الاستقرار في الأوضاع الداخلية العربية، ومحاولة حرف وجهة النضال والمقاومة والأمن العربي نحو أعداء مفتعلين للأمة العربية،كما هو الحال في تصوير إيران على أنها العدو الإستراتيجي للعرب،وليس أمريكا وإسرائيل،أو أن قوى المقاومة الفلسطينية والعربية تخدم أهداف وأجندات غير عربية،كما الحال في الاتهامات الموجهة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية.
فالعدو المركزي لشعبنا وأمتنا العربية هي إسرائيل التي ترفض التسوية والسلام وتقديم أية تنازلات تلامس حتى الحد الأدنى من حقوق شعبنا الفلسطيني،وتستمر في استباحة الأمن القومي العربي،وبغض النظر عن العلاقات والاتفاقيات التي تربطها بهذه الدولة العربية أو تلك.
0 comments:
إرسال تعليق