الحرائق الناشبة في أحراش الكرمل المشرفة على مدينة حيفا الساحلية ليست فضيحة من العيار الثقيل لدولة "اسرائيل" وحدها فقط، دون ان تصيب أبناء المجتمع العربي من أصحاب البلاد الاصليين بفضيحتين مدويتين تتطاير من جنباتيهما شرر العار.
***
لقد كشف المحللون والمراقبون ماهيّة الفضيحة الاولى والمباشرة والتي باتت تتمثل في عجز اسرائيل وتقهقرها أمام إمتحان القوة وامتلاك امكانيات المواجهة والتحدي.. فالدولة التي تعمل بشكل دائم وبلا كلل أو ملل على إشعال حرائق الحروب والفتن والمؤامرات، ها هي تستغيث وتنادي دول العالم لنجدتها في إطفاء حرائق منحتها إياها السماء لإمتحان جبروتها، ولتذوق قليلا مما أذاقته ترسانتها العسكرية للآخرين.
ان هذه الدولة التي ارتكبت بالفلسطينيين أفظع جرائم الحرب لم تترك لهم مجالا لأن يشملوا حرائقها بعين العطف الانسانية...فهي قد أعطبت انسانيتهم منذ ان اغتصبت وطنهم التاريخي لتقيم عليه هذه الدولة التي راحت نارها تطارد الوجود الفلسطيني اينما أولى وجهه في الشتات والمنافي.
الحريق هو حريق لدولة وحشية... فمن أين سنأتي بالعطف على وحش روّعنا وأغتصبنا وهو يحترق...
ولكن لدينا من مشاعر العطف ما يفوق عطف العالم كله على إحتراق طبيعة وبيئة وطننا.
***
كنا سمعنا وقرأنا كثيرا عن عرب من أصحاب البلاد الاصليين يعملون في مؤسسات الدولة الصهيونية منذ قيامها من دون ان ندخل في تفاصيل عملهم .. وجاءت الحرائق لتكشف جانب من هذه التفاصيل لتتفجر الفضيحة الثانية.
أتت النار على باص محمّل بما يربو على خمسين فردا من البشر... كان يمكن أن نتأثر على احتراق هؤلاء الناس، لكن وسائل الاعلام تقول: انهم سجّانون.
أرذل مهنة في التاريخ... أن تسجن الآخرين وتقيّد حريتهم وتشارك في تعذيبهم والتنكيل بهم..كان هؤلاء المحترقون يسجنون المناضلين الفلسطينيين في سجن الدامون وسجن آخر يقع في منطقة الحرائق.
ثم جاء في الاخبار ان بين ضحايا الحريق عربا...كيف نتهجّى هذا...كانوا يقفون حراسا على أبواب السجون الصهيونية ويزجّون بها أبناء جلدتهم.
أهلهم رفضوا ان تخرج لهم جنازات عسكرية..بل جنازات دينية.
هل كان الدين أصلا يجيز عملهم في بوليس وجيش فاشي؟
لا يوجد تبريرالبتة لعملهم... فنحن نتحدث عن دولة فاشية وجيشها عصابة من القتلة.
نتحدث بصراحة وبصوت غاضب: لا نريد لشعار "بدنا نعيش" ان يجرّنا الى هاوية الخيانة.
***
الفضيحة الثالثة هي ما أقدمت عليه وسائل الاعلام، خاصة بعض المواقع الاليكترونية في المجتمع العربي، عندما شاطرت الصحافة الصهيونية ووصفت الحرائق بالكارثة القومية.
لا أتحدث عن صحافة التعري المنتشرة في الجليل، بل تلك المواقع القريبة من الاحزاب العربية التي يجب ان تكون صوت المواطنين الذين كتب لهم ان لا يقتلعوا من البلاد...صوتهم وهم يقارعون الاحتلال ويواجهون السياسات العنصرية الصهيونية التي تتهدد وجودهم على أرض اجدادهم.
نتساءل كيف سمحت بهذا الخلط المتوافق مع المصطلحات الصهيونية في تسمية الاشياء؟ كيف سمحت بتسريب هذا العهر؟
هل كانت النكبة الفلسطينية التي سببّتها العصابات الصهيونية عام 1948 والمستمرة الى يومنا هذا كارثة للشعب اليهودي؟ أم انه يحتفل في هذا اليوم كتعبير عن فرح بتأسيس وقيام دولته.
سنوات وسنوات وهم يتحدثون عن معاناتهم في الهولوكوست، بينما الشعب الفلسطيني يذبح بسكاكينهم بلا رحمة وبدماء باردة.
الكارثة اذا ما وجدت في هذه الحرائق فهي كارثة للدولة الصهيونية فقط التي تبدو كوحش من الخارج اما من الداخل فهي محشوة بالهشاشة.
ولا ينبغي للفلسطيني التوجع عندما يتوجع نتنياهو وليبرمان والجنرالات والحاخامات الممتلئون بالكراهية.. وكل الحكومة. بل ينبغي ان يضع وجهه في السماء ويدعو لاحتراق المستوطنات!..ولتقريب موعدنا للقاء الكرمل حرا لنعيد اليه اخضراره ونضارته.
* كاتب وشاعر فلسطيني
0 comments:
إرسال تعليق