في خطوة جديدة أخرى في عراق اليوم ( عراق إيران ) إستطاعت أحزاب السلطة الدينية في بغداد من إحراز نجاحاً أخر لها يضاف إلى سلسلة النجاحات التي حققتها ! في إستهداف كل ما يوحي لرمزية وتراث وحضارة وتأريخ هذا البلد العريق وإزالته من الوجود ، فالفن بكافة أوجهه من التمثيل والمسرح والموسيقى والغناء والرسم والنحت ، يعتبر المكمل الأساس لثقافة البلد وعضوا حيوي ورئيسي في الجسد الحضاري والموروث التأريخي ويمثل العمق الحقيقي لعراقة وأصالة الشعوب .
ففي كل أنظمة وحكومات العالم يعتبر الفن من أبرز المقومات والأوجه الحضارية والثقافية التي تعمل على تعزيزها وتنشيطها محلياً ودولياً وتفخر بها كونها لسان حال شعوبها وتأريخها وتفخر في التباهي في فنونها الشعبية والتراثية ، ألا في العراق فمنذ قدوم الأحزاب الدينية اليه بعد عام 2003 وهو يمر في دوامة من التحولات والتغيرات الجذرية الهائلة والتي غيرت من ملامحه ومعالمه تماما وعادت به إلى العصور الوسطى والحجرية ، والمثير للسخرية ( وشر البلية ما يضحك ) أن حضارة بلاد الرافدين على مدى العصور كانت منبع أساسي للثقافة والفن اللذان شكلا واجهتها الحضارية التي اشتهرت بها وأصبحت منارة للعلم والثقافة والفن والأبداع ، ويبدوا أن المرحلة التي نعيشها اليوم في العراق تعد من أكثر مراحل تأريخ البلد إنتكاساً وظلاميه بسبب إستهداف رجال الدين المتشددين والمتطرفين لكل معالم وملامح هذا البلد العريق وإزالته وقتل الحياة فيه والتجني على إبداعات شعبه .
ففي قرار جائر وظلامي أصدرت وزارة التربية ( العراقية ذات الوجه والمحتوى الإيراني ) قراراً بمنع تدريس مادتي المسرح والموسيقى وإغلاق قسميهما في معهد الفنون الجميلة في بغداد وإزالة التماثيل من مدخل المعهد والتي تعبر عن حالة إبداعية من إبداعات طلاب المعهد على مدى عمره الطويل ، حيث خرج معهد الفنون الجميلة في بغداد أبرز الإبداعات والطاقات العراقية في مجال الفن من التمثيل والغناء والموسيقى والرسم والأدب ورفعوا أسم بلدهم عاليا في المحافل الإقليمية والدولية .
وسبق هذا القرار الجائر قرار أغلاق النوادي الترفيهية والإجتماعية في بغداد مما حمل كوكبة من المثقفين والسياسيين والناشطين المدنيين على تنظيم مظاهرة في وسط العاصمة بغداد إحتجاجاً على القرار الجائر بإغلاق تلك النوادي التي تعد الملجأ الوحيد لهذه الكوكبة من المثقفين والمبدعين العراقيين لتبادل الآراء والنقاش والأبداع .
ومن الجدير بالذكر أن نتطرق إلى الغاية من وراء تلك الإجراءات وإنعكاساتها المستقبلية على المجتمع العراقي ، حيث أنها تعد جزء من مخطط غزو فكري للأحزاب الدينية الموالية لطهران ، بدأت إنطلاقاً من تغيير المناهج التعليمية والعلمية بحذف وإضافة مناهج أخرى تخدم أفكار تلك القوى والأحزاب المتشددة فكرياً وعقائدياً وتتناسب مع التزمت لأفكارها الباليه التي عفى عنها الزمن وأغرقها في متاهاته ، مروراً بسلسلة طويلة من العادات والتقاليد الدينية والفكرية الغريبة التي غزت مجتمعنا العراقي السليم والمعافى من خزعبلاتها الهدامة وفرضت بالقوة المطلقة عليه .
فمن يقوم بأي زيارة سريعة لأي دائرة أو مؤسسة حكومية وجامعة أو مدرسة عراقية يلاحظ الفرق الهائل بين اليوم وما كانت عليه في السابق فعكس أن تكون تلك الأماكن مثال للعلم والثقافة والتحضر أصبحت مثال للتخلف والجهل والتطرف الفكري والديني والعنصري نتيجة هيمنة الأحزاب الدينية عليها بشكل كامل ، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تدني مستوى التعليم والثقافة إلى أدنى حالاتها التي لم تصل اليها من قبل .
فأين الديمقراطية واسسها وقواعدها السامية من كل ما يحدث اليوم في العراق ؟!!، ولاشك بأن ما يحدث اليوم مكمل لمسلسل إغتيال العلماء والمفكرين والمثقفين العراقيين على مدى السنوات السبع الماضية فإفراغ الساحة العراقية من الطاقات العراقية المبدعة والتي كانت تعج بهم في كافة المجالات يخدم مصلحة تلك الأحزاب الدينية وأفكارها الباليه وعقيدتها المريضة المشوه في الترويج والتأسيس لمجتمع متخلف وجاهل لتسيره كيفما تشاء وتمرر من خلاله مشاريعها التقسيمية الخطيرة .
فالصورة اليوم أصبحت واضحة تماماً في مخططات وأهداف تلك الأحزاب الدينية من خلال طبيعة سلوكياتها لتحقيق مشاريعها ومخططاتها الظلامية ، حتى إستهداف المتحف الوطني العراقي في بدايات العام 2003 وسرقة وتهريب أثار العراق التي تعد الوجه الحضاري والعمق التأريخي له يعتبر أحد أوجه تلك المشاريع الهدامة للأحزاب الدينية لإفراغ العراق من حضارته ورموزه التأريخية وإفقاره من الطاقات والعقول الإبداعية لتحقيق المشاريع التقسيمية .
وفي مجمل تلك الأمور التي تحدثنا بها نلاحظ غاية جوهرية للأحزاب الدينية في التأسيس لمجتمع فاقد للحضارة والتأريخ ويفتقر للعقول النيرة والأبداع لغاية فرض سيطرتها عليه بترسيخ عقيدتها المريضة والهيمنة على المجتمع والجيل الصاعد من الشباب لإستقطابه لأفكارها الضيقة لتغذية وترسيخ وجودها في الحياة الإجتماعية العراقية والحراك السياسي القائم.
ولاشك بأننا سنشهد الكثير من تلك القرارات الجائرة في مختلف الحياة العراقية في التضييق على الحريات العامة والأعلام والصحافة المستقلة و الإجهاز على منابر الفكر والثقافة والأبداع ، ولكن في المقابل إيماننا مطلق بأبناء شعبنا ومفكرينا ومثقفينا ومبدعينا العراقيين بأنهم لن يستسلموا ولن نستسلم لتلك الأفعال المشينة المخزية التي تريد النيل من عظمة تأريخنا وحضارتنا العريقة الممتدة لأكثر من 7000 سنة .
فالضغط يولد الإنفجار ، وشعبنا لم يعتاد على تلك الآراء والأفكار المريضة الضيقة ضمن أطر مزيفة ومهترئة ولن يتأقلم معها . فأن استطاعوا اليوم من فرض إرادتهم من خلال وجودهم في السلطة على شكل وطبيعة حياتنا بالتغير وفق رؤيتهم المريضة فلن ينجحوا بالوصول إلى داخل الإنسان المبدع والمثقف العراقي الحر ويغيرونها كيفما يشاؤون .
فأقنعة الديمقراطية التي اقتنوها رجال الدين المزيفين من دول الغرب قد سقطت عنهم وتعرت وجوههم القبيحة وأظهرت عن فحوى أفكارهم المتطرفة المريضة من خلال سلوكياتهم وأدائهم وقراراتهم فوجوههم وفحواهم إيرانية لا غبار عليها ، ويبدوا أننا نشهد العصر الظلامي الأسود من تأريخ العراق في ظل تسلط تلك الأحزاب الدينية وهيمنتها على السلطة ، وكما يبدوا أن عراقنا بهم يسير نحو جمهورية إسلامية على غرار جمهورية إيران الإسلامية!.
0 comments:
إرسال تعليق