.......الجميع يجمع على أننا كفلسطينيين لم ننجح بنقل الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية إلى الإمكانية الواقعية،ولعل الاستثمار السياسي المتسرع لتلك الانتفاضة قاد إلى ما وصلنا إليه من اتفاق أوسلو وقيام سلطة فلسطينية محدودة على ما لا يزيد عن 18% من أراضي الضفة الغربية وبصلاحيات محدودة ومقيدة وبدون أي سيادة فعلية،وبما أن أوسلو الذي قسم الشعب والأرض والقضية والذي اعتبره فريق فلسطيني ممر اجباري لم يقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة،رداً على ذلك اندلعت الانتفاضة الثانية في أيلول 2000،تلك الانتفاضة التي استباح فيها شارون كل الأرض الفلسطينية وداست دباباته اتفاق أوسلو وأزالت المسافات والفروق بين مناطق ( الف وباء وجيم) وحوصر الرئيس الشهيد ابو عمار في المقاطعة برام الله حتى تمت تصفيته بالسم،وهو القائد الذي حرض عليه شارون والمحافظين الجدد في واشنطن بأنه لا يريد السلام وداعم "للإرهاب" أي المقاومة،وحاولوا تسطيح الأمور وتشويها بأنه بمغادرة الرئيس الشهيد ابو عمار وما يمثل في الساحة الفلسطينية سينال الشعب الفلسطيني حقوقه وستصبح دولته ارضاً للبن والعسل،ولكن إسرائيل والتي كل قياداتها بمختلف ألوان طيفها السياسي من يمين ويسار والعازفة على نفس الوتر واللحن ولا تريد السلام وتجيد المماطلة والتسويف،كما صورت الشهيد أبو عمار بأنه داعم"للإرهاب" صورت الرئيس أبو مازن بأنه ضعيف وبالتالي لا وجود لشريك فلسطيني للسلام،واستمر الرئيس ابو مازن في انتهاج سياسة التفاوض كخيار استراتيجي على أمل أن يقود ذلك إلى دولة فلسطينية مستقلة معانداً بذلك الواقع والحقائق حيث أن إسرائيل حكومة وشعباً غير راغبة بالسلام وغير مستعدة لدفع ثمن السلام،بل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بكل قياداتها من رئيس الوزراء وحتى آخر عضو كنيست تقول أنه لا وقف للاستيطان ولا عودة لحدود الرابع من حزيران والقدس عاصمة أبدية "لإسرائيل" ولا عودة لللاجئين،أما الجمهور الإسرائيلي فيتجه نحو اليمين بشكل كبير،وباختصار هناك توافق وتنسيق وتكامل رسمي وشعبي إسرائيلي برفض تقديم أية تنازلات جدية من اجل السلام،تنازلات تلامس ولو الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
ومن انتفاضة الحجر ومروراً بالانتفاضة الثانية والانقسام الفلسطيني والحرب العدوانية على القطاع وحتى اللحظة الراهنة،جرت في النهر مياه كثيرة،فإسرائيليا الحكومة الإسرائيلية تزداد توغلاً وتوحشاً،وتشن حرباً شاملة على الشعب الفلسطيني على امتداد جغرافيا فلسطين التاريخية،لم يسلم منها لا شعبنا في الداخل ولا في الضفة الغربية ولا في القدس ولا في قطاع غزة،ففي الداخل الفلسطيني سلسلة طويلة من الإجراءات والممارسات التعسفية والقمعية بحق شعبنا هناك،وقوانين عنصرية تسن بالجملة الهدف منها منع تبلور شعبنا هناك كأقلية قومية وبهوية ثقافية عربية.
اما في القدس فسياسة الأسرلة والتهويد والتطهير تجري على قدم وساق ،حيث الاستيطان يتمدد ويتوسع ويطال قلب الأحياء العربية وكذلك الاستيلاء على المنازل والعقارات وهدمها انتقل من الحالة الفردية للحالة الجماعية، كما هو الحال في حيي البستان في سلوان وحي الشيخ جراح،ناهيك عن سياسة إبعاد المواطنين عن قدسهم وأقصاهم كما هو الحال مع نواب القدس المعتصمين في الصليب الأحمر منذ ما يزيد عن 160 يوما والذين طالتهم تلك السياسة،والتي تهدد وجودهم في قدسهم ومسقط رأسهم.
وواقع الحال في الضفة الغربية ليس بالأحسن والأفضل على صعيد الاستيطان،بل يضاف لذلك إطلاق يد المستوطنين لكي يعيثوا فساداً وخراباً ،نهبا ومصادرة لأراضي المواطنين العرب وتدمير ممتلكاتهم وحرق وقطع أشجارهم وسرقة محاصيلهم وحتى إطلاق الرصاص عليهم وقطع الطرق ومحاصرة القرى والتجمعات العربية،بل وحتى قتل المواطنين بدم بارد وبدون مساءلة أو محاسبة.
أما في القطاع فتتواصل عليه الاعتداءات بشكل يومي ويشدد عليه الحصار ويحرم من مقومات الحياة الأساسية من غذاء ودواء وهواء،حتى الحالات الإنسانية تحرم من العلاج وتخضع للابتزاز .
أما على الصعيد الفلسطيني الداخلي،فعدا عن سياسة الانقسام المدمرة،وحالة الضياع والتوهان وتعدد الاستراتيجيات والمرجعيات والعناوين،فالحالة الفلسطينية تزداد ضعفاً،ولم ننجز لا في مقاومة ولا في مفاوضات،وأكبر الانجازات حققناها في الشعارات والمزايدات ونشر المزيد من حالة فقدان الثقة والإحباط واليأس في صفوف الجماهير،فالحالة الوطنية والإسلامية تتراجع وتخلي مكانها للقبلية والجهوية والعشائرية والمجتمع يزداد تشظية وتتفككاً وسلطة المليشيات على مختلف مسمياتها تتقدم وتعزز من سلطاتها ودورها وحضورها على حساب المبنى والمؤسسات الوطنية.
حالة فلسطينية غير مسبوقة ،الحقوق والثوابت الوطنية ،تضيع على مذبح الفئوية والأجندات الخاصة والمصالح والتشبث بسلطة وهمية مجردة ومنزوعة السيادة،أو كما قال الرئيس نفسه،سلطة غير موجودة،وحالة الانقسام تتعمق وتتكرس،رغم كل الضجيج والصخب الإعلامي عن المصالحة وإنهاء الانقسام،وكما يقول المثل الشعب " نسمع طحناً ولا نرى طحيناً".
أما الحالة العربية،فتبدو على نحو أسوء بكثير من الحالة الفلسطينية،وهي خارج إطار التوصيفات فهي أكثر من الذل والاستجداء وأبعد من الانهيار والانحطاط،فلربما هي مرحلة ما بعد الانحطاط،حيث لم يعرف العرب مثل هذه الحالة من الذل والهوان منذ هزيمة عام 1967،دول عربية لا تكتفي بالتحلل من التزاماتها القومية والوطنية،بل تنسج علاقات وتحالفات واتفاقيات أمنية مع أعداء الأمة،تجاهر وتفاخر بذلك علناً وجهراً،وتدعو الى طلاق خيار المقاومة،بل وتشن حرباً شعواء على كل من يقول بهذا الخيار.
أن هذه اللوحة والصورة التي يبدو عليها المشهدان العربي والفلسطيني،تؤشر وتدلل على عمق أزماتنا والتي تأخذ في التعمق والتسييد،كما إن الجغرافيا العربية لا يجري استباحتها فقط ،بل يجري فكفتها وتجزئتها وتقسيمها وتذريرها ،ومن ثم إعادة تركيبها خدمة لمصالح وأهداف أعداء الأمة،وما نشهده في العراق والسودان والصومال واليمن وغيرها يندرج في هذا الإطار والسياق.
وعلى صعيدنا الفلسطيني،من اندلاع الانتفاضة الثانية وحتى اللحظة الراهنة تشهد الحالة الفلسطينية حالة من التراجع والضعف،لم يمر بها الشعب الفلسطيني في أي من مراحله ومحطاته،ولعل العامل والمتغير الأساس هنا،هو ما تشهده الساحة الفلسطينية من انقسام وانفصال وازدواجية سلطة،وما ترتب على ذلك من ازدواجية مرجعيات وعناوين وبرامج ورؤى واستراتيجيات،والتي بدون حل حسم وحل تلك التعارضات والازدواجية،ستشهد الحالة الفلسطينية مزيداً من الانهيار والضعف الداخلي،مع علامات استفهام كبيرة حول مشروعنا الوطني وحقوقنا وثوابتنا.
0 comments:
إرسال تعليق