"كان زماني بشم كُله أنا وعبدالحليم"، بتلقائية أجابني عمنا أحمد فؤاد نجم.
عام 2007 كنت أمر معه بجوار مجموعة ممن نسميهم "أولاد الشوارع"، رآهم عمنا "ضحايا مجتمع ودولة"، وحين سألته: لو اتولدت في الثمانينات أنت وعبدالحليم، ماذا كان سيحدث لكما؟ فكانت إجابته التلقائية.
عشان تطمئن على مستقبل ولادك.
شعار هو نموذج لـ"الاستهبال"، لا يوجد توصيف آخر. استهبال، يُدرك من يردده من "اللاحزب" الحاكم أنه يكذب.. وأن من يسمعونه يعرفون أنه يكذب، وبأن سياساته هي أخطر ما يهدد مستقبل أولادهم.
لم يعرف تاريخنا الحديث ظاهرة "أولاد" الشوارع إلا مع اللانظام الحاكم، ومن يريد أن "يوجع" قلبه أكثر.. يقرأ تقرير هيومان رايتس عما يتعرضون له من انتهاكات تفوق الوصف، تصل أحياناً للتواطؤ ضدهم بين الشرطة ومعتادي الإجرام. غابة أولاد الشوارع تتراوح تقديرات أرقام من يحيون فيها حول المليوني ضحية، أي أكثر من "مواطني" دول خليجية، خرجوا تماماً من حسبة اللانظام.. والمجتمع. تورد روز اليوسف في20 نوفمبر 2009 إحصاءات للأمم المتحدة عن المسارب الجنائية التي ينشطون فيها.. ٦٥٪ منهم سرقة و٦١٪ تشرد و٣١٪ تسول.
(نجم وعبدالحليم حافظ) قمتان عربيتان. حين مثلا عبئاً على أسرتيهما.. وجدا مؤسسات ترعاهما ثماني وعشر سنوات على التوالي، هما وآلاف غيرهما، من ذات "الملجأ"، وحده، خرج 5 ضباط شرطة وحربية اثنان منهم حملا رتبة لواء و10 أطباء بشريين وبيطريين. وحتى حين "حاد" نجم عن الطريق وعرف السجن الجنائي، كان فعلا "تهذيب وإصلاح". وجد من يرعى موهبته، وتصدر مصلحة السجون أول دواوينه (صور من الحياة والسجن) عام 1962بمقدمة سهير القلماوي، حصد به جائزة ثقافية، وأمسية شعرية أسبوعية له.. وهو سجين.
هكذا، قبل الثورة وبعدها كانت الدولة تحمي أولاد الأسر "محدودة الدخل". مع نهاية الثمانينات بدأت تتفجر ظاهرة أولاد الشوارع كاحدى فيروسات "السداح مداح"، وتتفاقم لدرجة التفريخ الذاتي.. خارج الإطار الآدمي.
عشان تطمئن على طفولة ولادك.
أحمد رمضان، 13 عاماً، يعمل 11 ساعة في اليوم في مخبز بعزبة خير الله الفقيرة في القاهرة. يتعرض لآلات خطرة ولحرارة الفرن الشديدة ولمعاملة رب العمل السيئة. في يونيه الماضي روى لرويترز ضمن تقرير لها عن انفلات عمالة أطفالنا: "استيقظ السادسة صباحاً وأسرع إلى المخبز، لأن صاحبه يتعامل مع أربعة مثلي، يختار منهم أول الواصلين". إذا وصل أحمد أولاً، ينال 15 جنيهاً يومياً، يُساعد بها أسرته.
تكاد تتفق أرقام المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية والمجلس القومي للطفولة والأمومة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء على أن "خُمس" أولادنا من 6 ـ 14 سنة دخلوا نفق عمالة الأطفال. وتتضاعف الجريمة في الريف وفق إحصائيات القومي للبحوث الاجتماعية لعام 2009 التي نشرتها روزا.. لتصل نسبتهم من سن ٩ إلي ١١ عاما ٢٣٪، وتتفاقم بعد سن 12 عاماً لـ ٨٥٪، غالبيتهم تجمع بين العمل والدراسة.
عشان تطمئن على صحة ولادك.
داخل نفق عمالة الأطفال تتفاقم الآثار السلبية، تقول دراسة للقومى للبحوث الاجتماعية بالتعاون مع الأمم المتحدة أن "٢١.٨% منهم مصابون بالبلهارسيا، و٢٢.٨% بإسهال مزمن، و٢١.٩% بإمساك مزمن، و٢.٨% بنزلة شعبية حادة، و١% بأمراض القلب".
صحة "مستقبلنا" الناجي من نفق العمالة ليست أفضل كثيراً، فأمام المجلس الاستشارى لإعداد سياسات الأمن الغذائي 19 أكتوبر 2010، كشفت د. عزة جوهر مدير المعهد القومى للتغذية بوزارة الصحة، عن تعرض أكثر من 25% من أولادنا للتقزم و48% للأنيميا.. حادة أو متوسطة، و20% للسمنة. ويشكو 20% من تلاميذ ابتدائي القاهرة من ضعف الإبصار.. وفقاً لأرقام الصحة العالمية، فكيف هو حال "بصر" أولادنا خارج العاصمة.
ح ندمر مستقبل ولادك
لم نقترب من أرقام التعليم ولا من غرق معظم أولادنا تحت خط الفقر.. أو في العشوائيات، ولا من الانحراف الإجرامي أو العنف الأسري. لكن حتى في غيابها تبدو الأرقام "الرسمية" عالية.. إفرازاً مرعباً لسياسات الجيل أول للانظام الحاكم، ومعه يحذرنا الجيل الثاني منه بما هو أسوأ. نهاية المؤتمر الأخير للاحزب الحاكم، يطالب جمال مبارك حكومة رجال أعماله بـ"قرارات اقتصادية صعبة". قرارات عادة ما "ينظر كثير من المصريين بريبة كبيرة لأي إصلاحات اقتصادية".. لأنها "لمصلحة قلة على حساب الفقراء"، وفق رويترز. وحين سئل "جيمي" عن اضطرابات شعبية قد تثيرها إصلاحاته الجديدة، أجاب بثقة: "على مصر أن تنال نصيبها من الاحتجاجات شأن أي دولة أوروبية".
أوروبية (!!).. راجع "التوصيف" المذكور عاليه.
0 comments:
إرسال تعليق