تأبى الجزائر العظيمة بشعبها وقيادتها، وصدق أبناءها، وتاريخها وعطاءاتها، وثورتها وجهادها، وعظيم تضحياتها، التي تستضيف على أرضها الملتقى العربي الدولي لنصرة الأسرى العرب في سجون الاحتلال، إلا أن تجدد عهدها المقدس مع فلسطين، عهد الأخوة والتعاون، عهد الصدق والوفاء، عهد الإسناد والمناصرة، وتقسم بلسان أبناءها ألا تترك فلسطين وأهلها وحدهم، وألا تتخلى عنهم حتى تستعيد فلسطين حريتها، ويعود إليها أهلها وسكانها، ويتحرر أبناؤها من السجون والمعتقلات، ويتطهر المسجد الأقصى المبارك من دنس المحتلين الغاصبين، ويعود آل مدين الجزائريين من جديد إلى حائط البراق الذي يملكون حجته الشرعية، ويعود الجزائريون المغاربة إلى أحباسهم في القدس، التي هي حبوس وأوقاف سكانها في مدينة القدس، ويعود الجزائريون براياتهم الخضراء لزيارة المسجد الأقصى المبارك والصلاة فيه.
عهد الجزائريين لفلسطين عهدٌ قديم، وقسمٌ بالله عظيم، ألا يتخلوا عن فلسطين، مهما كانت العواقب والصعاب، وأن يكونوا معها ظالمةً ومظلومة، وأن ينصروها في معاركها مع مغتصبيها، فجزائرهم التي خلصوها من الاستعمار الفرنسي بعد ملايين من الشهداء، وبعد سيلٍ جارفٍ مؤلمٍ من الدم، لا يكتمل إستقلالها إلا بتحرير فلسطين، وتحرير آخر أسيرٍ فلسطيني، فهذا شعارٌ يرفعه كل الجزائريين، الذين يرون استقلالهم ناقصاً غير مكتملٍ ما بقيت فلسطين محتلة، والأقصى أسير، والمعتقلون خلف القضبان، وهم يرون أن فلسطين أرضهم، والفلسطينيين شعبهم، والقضية الفلسطينية قضيتهم، لا يتخلون عنها مهما كلفهم هذا الواجب من ثمن، ففلسطين عروسهم، ومهرها مهما علا وغلا فهم سعداء بدفعه وأداءه، والجزائر بينها وبين الأسرى الفلسطينيين عهدٌ ووعد، فقد استضافت في ستينيات القرن الماضي مفاوضاتٍ لتبادل الأسرى مع العدو الإسرائيلي، وعلى أرضها حط المحررون الفلسطينيون في عمليتي التبادل مع العدو الإسرائيلي النورس 1979، وعملية الجليل 1985، وهي تتطلع إلى عملياتٍ جديدة، يفخر بها العرب والفلسطينيون، ليستعيدوا فيها أسراهم ومعتقليهم.
ولكن الجزائر تبكي حرقةً وألماً على الفلسطينيين عندما يتناحرون فيما بينهم، ويتنازعون أمرهم، وعندما تطغى خلافاتهم، وتسود بين أطرافهم الخصومة والقطيعة، ويعجزون عن جمع شتاتهم، وتوحيد قرارهم، ورص صفوفهم، ولهذا يعلو صوتهم منادين القيادة الفلسطينية، أن الثورة الجزائرية، ما كانت لتنجح في تحرير أرضها، ونيل استقلالها، لولا وحدة الجزائريين جميعاً تحت إطار جبهة التحرير الجزائرية، حيث وحد المجاهدون جهدهم، ونظموا صفوفهم، وعزموا أمرهم، ونسقوا عملهم، فَمنَّ الله عليهم بالنصر والتمكين، واستطاعوا رغم اختلال موازين القوى بينهم بين المستعمر الجزائري، أن يحرروا بوحدتهم أرضهم وبلادهم، وأن ينجحوا في طرد المستعمر الفرنسي عن آخر شبرٍ من الجزائر، ولهذا فإنهم يدعون الفلسطينيين جميعاً لأن يكونوا صفاً واحداً، ويداً واحدة في مواجهة العدو الإسرائيلي، إذ لا سبيل لمواجهته بغير القوة، ولا قدرة على دحره بغير الوحدة، كما لا سبيل إلى تحرير الأسرى من سجون الاحتلال بغير قهرٍ لإرادته، ولويٍ لعنقه، عبر أسر المزيد من جنوده، لفرضِ مبادلةٍ عليه تجبره على إطلاق سراح جميع الأسرى من سجونه.
الجزائريون استضافوا قبل عقودٍ قادة الفصائل الفلسطينية، وتوسطوا فيما بينهم لحل مشاكلهم، وتوحيد صفوفهم، واستطاعوا في نهاية المطاف أن يحققوا وحدةً فلسطينية، وأن يهيأوا لقمةٍ عربية تبارك الوفاق الفلسطيني، وتعلن تضامنها مع الشعب الفلسطيني وقضيته، وهم يتطلعون اليوم إلى لقاءٍ جاد بين قادة الفصائل الفلسطينية، يلتقون فيه على ثوابتهم، ويجتمعون على حقوقهم، ويغيظون العدو باتفاقهم، ويفرحون شعبهم بتجاوز مشاكلهم، فالشعب الفلسطيني يتطلع إلى الإتفاق، ويرنوا إلى المصالحة، لأنه يدرك قبل غيره أن وحدته قوة، واتفاق أبناءه نصرٌ وعزة، ويبدي الجزائريون استعدادهم لبذل كل جهدٍ ممكن لتذليل المصالحة، وتحقيق الوحدة الشعبية الفلسطينية، وقد عبر كبار قدامى المجاهدين الجزائريين عن استغرابهم للخلاف الفلسطيني، وعن تأخر وفاقهم، وتعرقل مصالحتهم، قائلين إن الأرض توحد، والحق يجمع، كما أن العدو يوحد ولا يفرق بين ضحاياه، فكيف لا نتفق.
الوحدة الفلسطينية هم الجزائريين جميعاً، قيادةً وشعباً، فما إن يلقى الفلسطينيون جزائرياً في الجامعة أو المسجد، في السوق أو في الشارع، حتى يبادر الجزائري بالسؤال، هل هناك مصالحة بين فتح وحماس، ومتى يتفقون، وهم يعرفون عن تفاصيل الخلافات الفلسطينية أكثر مما يعرف الفلسطينيون أنفسهم، ويطرحون أفكاراً ورؤى يرون فيها مخرجاً للفلسطينيين من أزمتهم، وتجاوزاً لخلافاتهم، وهم يرون كل يوم على صفحات جرائدهم صور الأسرى والأسيرات الفلسطينيين المحررين، وصورة الطفل الفلسطيني الذي ولد في السجن ليكون أصغر أسيرٍ في العالم، بينما كانت أمه الأسيرة تلده وهي مقيدة اليدين، ويرون صور مطران القدس المبعد، وخطيب المسجد الأقصى، وصوراً عديدة عن فلسطين وأهلها ترتفع شاهقةً في الشوارع والطرقات، تذكر بالواجب تجاه فلسطين.
في الجزائر تتعاظم فلسطين وتتشامخ، وتكبر تضحياتها وتتسامى، ويرتفع فيها صوت الحق الفلسطيني في أرضه موحدة، وفي قدسه محررة، وفي أقصاه مطهراً، ويتقدم الجزائريون بعهدهم القديم ليجددوه بلا خوف، ويكرروه بكل الثقة واليقين والأمل، معتقدين أن موقفهم واجب، وتضامنهم حق، ومشاركتهم في المعركة دفاعاً ونصرة فرضٌ لا يسقط، يتوارثونه جيلاً بعد آخر، ويتواصون عليه دوماً، وأنه واجب على كل العرب والمسلمين ألا يتخلوا عن فلسطين وأهلها، وألا يتركوها وحدها نهباً للعدو وأعوانه، وأن يكونوا لها نصرةً وأهلاً، وسنداً وعونا، فهذا عهدٌ لله وقسمٌ به، أن نكون مع فلسطين ظالمةً ومظلومة، وأن ننصرها بالقوة، حتى يتحقق وعد الله لنا بالنصر والعزة والتمكين.
0 comments:
إرسال تعليق