الكروان والكرمل في سَفر الحروف!/ آمال عوّاد رضوان



المعهد الموسيقيّ الكروانيّ في عبلين استضافَ المنتدى الثقافيّ البادية/ عسفيا، بتاريخ 28-2-2013، وسط حضور من المثقّفين والأدباء والشعراء والنقّاد وذوّاقي الكلمة، حول ديوان "سفر الحرف بين النهد والسيف"، للشاعر نسيم عاطف الأسدي، وقد تولّى عرافة الأمسية الشاعر زهير دعيم، وألقى الشاعر رشدي الماضي كلمة ترحيبيّة باسم المنتدى الثقافيّ العسفاويّ، وقدّم د. فهد أبو خضرة مداخلة نوعيّة عن أدب الشباب، ثم ألقت الجميلة بديعة سليم قصيدة من قصائد الديوان، ومن ثم قُدّمت كسراتٌ من ضوء على هذا الديوان، وكانت على التوالي:
د. منير توما، د. بطرس دلّة، د. محمّد خليل، ومحمّد علي سعيد، وقدّمت الفنانة عبير عثمان وصلة غنائيّة تفاعل معها الحضور، ثمّ كانت كلمة المحتفى به شكر بها الحضور، وفي نهاية اللقاء قدّم الأستاذ نبيه عوّاد باسم المعهد الموسيقيّ الكروانيّ درعَ تكريم للشاعر نسيم عاطف أسدي، وتمّ التقاط الصور التذكاريّة.
جاء في كلمة الشاعر رشدي الماضي: تحيّاتٌ إيقاعيّةٌ بَليلة مِن أنامل أوتارٍ حريريّة، يَعزفُها نغمُ كروان صباحِ الفنِّ/ طربًا يوقظُ رأد الضّحى أغنيةٌ مُؤرّجةٌ بحبّاتِ ندى ألحانٍ، تقترحُ "أورفيوسَ" عازفًا وقائدًا وتبوح راضية، عطشنا إلى لقائك اشتدّ/ ونحن لا نريدُ لفراقِكَ أن يكبرَ ويتّسع ابتعادًا/ فسارعنا إلى ساقية الأيّام ونهلنا لنا موعدًا/ موعدًا يلمُّنا في دفيئة حضنه أسرة يتهاطلُ عليها مطرُ الكلام/ فائدةً ومتعة ومحبّة ووفاء!
وُلد وفي فمِهِ ملعقة من الشعر، أجلسُ على كرسي الاعتراف، شفتايَ تبوحان لعتبةِ كوّةٍ، خلفها كبيرُ كهنةِ الشعرِ، في معبدِهِ عبقر، حيث يتمّ إنتاجُ الجنون الذي يزفّ الكلمة شعرًا مِن رحم قيثارة أوريفيوس إلى دار الإبداع! أجلسُ لأكشفَ سرّي جهارًا، كلماتُهُ أيقظت فيّ شهوة الاختلاسِ رقراق، فتنكّرتُ في زيّ عاشقٍ للشعر، لينسابَ إليّ مِن قفيرِ المعاني جدولٌ رقراقٌ، ظلَّ يَطرقُ أبوابَ قلبي على مهل، يَطرقُها مُلِحًّا أن أرفعَ حريرَهُ أشرعة، كي لا يضحكَ البحرُ مني إذا أمرتُهُ أن يَفكَّ أزرارَهُ، ويَسبحَ معي في بحيرةِ حبرٍ، فاضت به دواةُ نهدٍ عانقَ السيفَ حرفًا يُحمحمُ شبقًا.
أستميحُكَ عذرًا أيّها النسيم نسيم، وقد أضأتَ ما نسيتُ في داخلي فأظلَم. أنتَ وقعتَ في حبِّ القريض، فأحبّتْكَ القوافي شاعرًا قنّاصًا يعرفُ كلّ أسرار طريدتِهِ في مرتع الكلام، كي يبقى كلامُكَ حُبًّا مسموعًا، ولأنّكَ أحببتَ طريدتَكَ ظبية تمضي بكَ سراعًا إلى مُدنِ العشق وخيام العامريّة. نعم أحببتها حدّ الجنونن فلا غرابة أن تخافَ عليها حتّى من الريح والمطر، والويلُ كلّ الويل إذا أتاكَ حديثُ "قيس" أنّه قرّرَ العودة، ولو كان ذلك في فُلك نوح، فيُغادرُ حسامُكَ سريرَهُ غمدًا. حقّا يا شاعري نسيم، أبقيتَ مناليّة النجاح غيرَعصيّة حين تعجنُ اللغة، لأنّكَ دائمًا متهيّءٌ لها، ولكي تبقى سُحبُ الكلمات تحومُ حولَ رأسِك وتُحلّقَ فوقهُ باذخة، امتلكتَ الوعيَ بمكرِ اللغة، وسيطرتَ على أدواتِكَ التعبيريّة حتّى لا يأتي إبداعُكَ أحرفًا من طباشير تسقط فريسة سهلة في كمينٍ نصَبَتْهُ له الممحاة، فأنتَ بعيدٌ عن المفرداتِ الكماليّة المُدجّجةِ بإغرائِها المزيّف، واصِلِ ارتداءَ قماشِ الشعر معطفًا من جنائن الإبداع، يَقيكَ شرَّ كلِّ الفصول المُلحِدة واللغةِ الخائنة، واصِلْ صعودَ السلّم، نعم، واصِلْهُ حتّى تبقى صوتًا يُغنّي بالكلمات، ليَمنعَ سرقة الفرح، ويَجعلَ كلَّ حرفٍ تفّاحة، حين نقطفُها تصيرُ لحنًا يتقافزُ وتصيرُ أغنية.
وفي كلمة د. فهد أبو خضرة حول الأدب العربيّ المَحلّيّ جاء: الشعرُ العربيُّ عندنا في البلاد بدأ عام 1948 أو بعدَها بقليل، وبدأ في هذه السنة ما نُسمّيه الجيل الأوّل والاتّجاه الاوّل مع هذا الجيل، واستمرّ بحدودِ عشر سنواتٍ هذا الجيل، كان كلاسيكيًّا في تعبيرِهِ وفي مضمونِهِ وفي الأشكال الشعريّةِ التي استعملها، وكان في مضمونِهِ يتحدّثُ غالبًا عن المواضيعِ الذاتيّةِ أو الإجتماعيّةِ أو الإنسانيّة بصورةٍ عامّة، وطبعًا هنا وهناك كان يخرج على هذا الاتّجاه العامّ بعض الشعراء الذين يتحدّثون عن أمور أخرى وبطرق مختلفة، والشعراء الكلاسيكيّون عبّروا تعبيرًا واضحًا عمّا كان يجري من وقائع، وكان شعرهم قريبًا جدًّا من الجمهور، حيث كانت تُقام مهرجانات شعبيّة يحضرها كثيرون، والكلّ كان يتجاوب مع هذا الشعر، لأنه كان شعرًا يُفهم حين يُلقى، وكان قريبًا جدًّا من ناحية المضمون والشكل واللغة من الجمهور المستمع، وهذه الناحية تُسجّل لهذا الشعر كنقطة إيجابيّة، لأنه كان يوصل الرسالة إلى الجمهور من خلال هذه المهرجانات، والشعر كان يُفهم دون أيّة صعوبة. كان الشعر كلاسيكيًّا، ولكنّه تأثّر إلى حدّ ما بالاتّجاه الرومانسيّ العاطفيّ الذي كان قد سبق ظهوره في العالم العربيّ من سنة 1932، فتأثّروا به لأنّهم عايشوا تلك الفترة، فانعكس في كتاباتهم إلى جانب الاتّجاه الكلاسيكيّ، ومع هذا الشعر كانت هناك اتّجاهاتٌ نحو ما نسمّيه الشعر المنثور، ولم يكن ظاهرة طبيعيّة، ولم يكن موجودًا بكثرة في تلك الفترة، وكان يكتبه من الناصرة الشاعر ميشيل حدّاد، ولكن حتى الشعراء الكلاسيكيّون بما فيهم الشاعر جورج نجيب خليل، كتبوا بعض المقطوعات والقصائد من الشعر المنثور حتى في تلك الفترة، وكانت كتاباتهم امتدادًا لِما كان يُكتب في البلاد العربيّة، خاصّة في لبنان، مثل الشعراء ألبير خليل، وهذه الكتابة كانت تطويرًا لِما بدأه أمين الريحاني، وجبران خليل جبران من بداية القرن العشرين، ولم تكن كتابة تتّصل بما نسمّيه "شعر الحداثة"، لأنّ الحداثة لم تكن قد ظهرت وانتشرت بعد، وهذه الفترة هي كانت الأساس الذي بنينا عليه الشعر المحلّي فيما بعد، وقسم من هؤلاء الشعراء أنا أعتبرهم أساتذة لنا ولمن جاء بعدنا، كثيرون منهم لا زالوا أحياء حتى اليوم، نتمنّى لهم عمرًا مديدًا، وما زال بعضهم يكتب والمزيد من العطاء لهم.
الاتّجاه الثاني بدأ عام 1958، وتسألون لماذا يُشكّل عام 1958 مرحلة جديدة؟ فما الذي حدث؟ عادة المراحل الجديدة والاتّجاهات الجديدة تبدأ مع وقائع هامّة وأساسية تُغيّر في الاتّجاه الفكريّ والكتابيّ والتعبيريّ، وعام 1958 هي المرحلة التي جاءت في أعقاب حرب 1956، وفتحت الأنظار على الناحية العربيّة والوطنيّة والقوميّة والعالم العربيّ، فكان لها تأثيرًا شديدًا وغيّرت تغييرًا جذريًّا، وهنا ظهر الجيل الثاني الذي كان امتدادًا للجيل الأوّل مع إضافاتٍ جديدة، فالكلاسيكيّة قلّت كثيرًا، والرومنسيّة زادت أكثر، ولكن ظهر التيّار الواقعيّ الاشتراكيّ بتأثير الواقع الاشتراكيّ الذي وصل إلينا من الاتّحاد السوفييتيّ في تلك الفترة، وطبعًا بانتشارها أثّرت تأثيرًا كبيرًا على أدبنا وعلى أدب العالم العربيّ لفترة ليست قصيرة، وهذا الشعر كان يتناول النواحي القوميّة والوطنيّة، وطبعًا إلى جانب النواحي الذاتيّة والإنسانيّة بشكل عام، ولكنّه أيضًا كان شعرًا يُقرأ ويُسمع ويُفهم، وكانت التعابير متأثرة بالرومنسيّة وبقليل من الكلاسيكيّة، ومن الناحية الشكليّة بدأ ما نسمّيه اليوم "شعر التفعيلة"، وأصبح هو الشعر الذي يحتلّ المساحة الأكبر، وبدأ قليل جدًّا ما نسمّيه الشعر المنثور، إضافة إلى ما كان يُكتب في سنوات الخمسين وهو قليل. هذه المرحلة نعتبرها من المراحل التي كان لها تأثير كبير، وما زال تأثيرها واضحًا جدًّا، وكان تطوُّرٌ في الأساليب والكتابة عن الجيل السابق، وحين نذكر الجيل الثاني لا ننسى أنّ الجيل الأوّل استمرّ في كتابته، وتطوّر في تأثير الأحداث والوقائع وبتأثير الخبرة في الكتابة، وهذه المرحلة استمرّت حتّى سنة 1973 – 1974، بعد مرحلتيْن هامّتيْن جدًّا من المراحل السياسيّة ذات التأثير الكبير، الأولى هي حرب 1967، والثانية هي حرب 1973، فالأدب مُؤرِّخ حتّى بالسياسة، لأنّ كلّ حادثة من هذه الأحداث كان لها تأثير شديد جدّا على الأدب وعلى الشعراء، وكانوا يكتبون حالًا ما يلائم تلك المرحلة. 
وطبعًا بعد هذه المرحلة بدأ أدب ما نسمّيه في هذه البلاد "النقد الذاتيّ"، حيث انصبّت الكتابة على نقد الأنظمة العربيّة ونقد النظام الاجتماعيّ الذي لم يكن مُرضيًا، واستمرّ هذا الاتّجاه سائدًا سياسيًّا اجتماعيًّا وطنيًّا وقوميًّا معًا، والكتابة حتى تلك الفترة كانت تُقرأ وتُكتب وتُفهم، وبعد عام 1973 فصاعدًا حتى سنة 1985-1986، بدأت الأمور تتغيّر تغيُّرًا جذريًّا، وبدات مرحلة نسمّيها "مرحلة الحداثة"، ومرحلة الحداثة ظهرت في لبنان عام 1956 متأثرة بالأدب الغربيّ كثيرًا، وهذه الحداثة نطلق عليها "الحداثة الرؤيويّة"، أي حداثة الرؤيا والأحلام، وكان اتّجاه هذه الحداثة يسير نحو الكتابة الغامضة التي تُقرأ ولا تُفهم بسهولة، ولا أقول هذا بشكل سلبيّ، فهناك من يذكر هذه الأمور بشكل سلبيّ، وهناك من يذكرها بشكل إيجابيّ جدًّا، فإن يقول الشاعر قصيدة ولا تُفهم تحتمل احتماليْن، إنّما الدفاع عن هذا الاتّجاه أنّه يجعل القارئ يُفكّر، ويحاول أن يفهم ويصبح مشاركًا في خلق القصيدة وهكذا، ويقولون إنّنا قد سئمنا هذا الشعر الذي يجترّ ما قيل من قبل، وآخرون ما زالوا يُهاجمون هذا الشعر، وحتى اليوم ما زال النقاش مستمرًّا. وأذكر أنّ شكري عيّاد أحد النقاد المصريّين المشهورين جدّا، كتب مقالًا شديد اللهجة ذكر فيه أدونيس الذي يُعتبر من كبار شعراء الحداثة، ليس فقط على الصعيد العربيّ، وإنّما على الصعيد العالميّ، وقد رُشّح أكثر من مرّة لينال جائزة نوبل ولكنّه لم ينلها، فالناقد شكري عيّاد يقول: أدونيس مُهرّجٌ ومُشعوذ وليس شاعرًا أصلًا، وهذه الدعايات بأنّه رُشّح لجائزة نوبل هو نوع من الخداع والدفاع عن شعر الحداثة. ويهاجم هجومًا شديدًا هذا النوع من الشعر، وحتى البياتي الذي تأثّر بالحداثة قليلا، وكان يكتب على الطريقة الرومنسيّة الاجتماعيّة ما نسميه "الاشتراكيّة"، يقول إنّ شعره متوسّط، فلِمَ كلّ هذه الدعاية لشعر الحداثة وما يدور حوله؟
وطبعًا هناك كثيرون يقولون إنّ الحداثة هي التي نقلت شعرنا العربيّ نقلة نوعيّة إلى الأمام خطواتٍ كبيرة، وأريد أن أشير باختصار إلى ما نسمّيه "ببُعد الحداثة"، الذي ظهر في الأساس بعد سنوات السبعين، فبَعد انتهاء الحداثة الرؤيويّة في أواسط سنوات الثمانين وبعد الانتفاضة أيضا، ظهر اتّجاه يُطلق عليه "اتّجاه فوضويّ"، وله مسارات كثيرة، وقد جذب الكثير من الشباب، وقسم كبير من هذا الجيل اتّجه إلى ما بعد الحداثة، وأيضًا لم يُدرس جيّدًا هذا الاتّجاه حتى الآن، ولكن ما يُميّزه أنّه صعبٌ جدّا يصل إلى حالات الإبهام، وفي كثير من الحالات يتباعد عن اللغة بأشكال جديدة وعديدة جدًّا، إنّما هذا الكلام لا يُظهر نواحٍ سيّئة فيه، وإنّما يَحثّ على دراسته دراسة جادّة، لتكشف لنا عن الوجوه الجماليّة في هذا الشعر.
سنة 1986 بدأ اتّجاهٌ آخر في الحداثة نسمّيه "الحداثة الاجتماعيّة"، وذلك بتأثير الانتفاضة، فبدأ الحداثيّون أنفسهم يتحدّثون عن الانتفاضة، وعن الاتّجاهات الاجتماعيّة والسياسيّة في العالم العربيّ، بلغةٍ ليست سهلة ولكنّهم يقولون ما يريدون قوله، دون أن يتحدّثوا عن الأحلام والأشياء العامّة البعيدة عن الحياة العمليّة. هذا الاتّجاه هو مِن الاتّجاهات الجيّدة جدًّا في تاريخنا الشعريّ في هذه البلاد، وأنا أعتقد أنّه يستحقّ دراسات متأنّية، لتكشف عن جودة وقيمة هذا الإنتاج، وحتّى الآن لم يُدرس بشكل جيّد، ونحن الآن في الاتّجاه الخامس، وقد ظهر مع ظهور الربيع العربيّ، ويتميّز بأنّه يقول الأشياء بشكل واضح، وكأنّه يعود إلى الوراء ليبتعد عمّا حدث في وقت الحداثة.
إلى أين يتّجه شعرنا اليوم؟ أظنّ أنّ الاتّجاه الأساسيّ الأخير هو اتّجاه الحداثة الرؤيويّة في السنوات القادمة، وهي تلتقي مع ما يُسمّونه في العالم "الواقعيّة الجديدة"، وأعتقد أنّه اتّجاه ممتاز جدّا، وسيُبنى في كثير من كتاباته على الربيع العربيّ، برغم ما يحدث اليوم من انتكاسات، وبتفاؤلٍ أقول إنّ الزمن لا يعود إلى الوراء أبدًا، وسيكون ربيع فعلًا.    
وجاء في مداخلة د. منير توما: أتحفنا الشاعر الشاب الأستاذ نسيم عاطف الأسدي مؤخّرًا بمجموعة شعريّة جديدة، يطغى عليها الطابع الغزليّ الرشيق المتميّز بالشفافيّة والتحرّر الفكريّ والانطلاق العاطفيّ الدافئ، حيث يوحي بكلّ هذه المعاني عنوان المجموعة الفريد: "سَفرُ الحرف بين النهد والسيف"، بكلّ ما يحمله هذا العنوان من رمزيّة غراميّة تتأرجح بين الأنوثة والذكورة، من حيث كونهما قطبَي الغرام بين الرجل والمرأة، فالنهد برمزيّته الجسديّة يتماهى مع الأنثى، والسيف هو رمز قضيبيّ  (phallic symbol) في عالم الأدب يتضمن بمعناه ما يعود إلى الذكر، وبالتالي فإنّ عنوان المجموعة لا يدع لنا مجالًا للشكّ في أنّ مضمونها غزليّ بالمقام الأوّل، من حيث أنّ مشاعر الحبّ والهُيام تستحوذ على مخيلة وكيان وواقع شاعرنا الشاب، الذي يتألق في العديد من قصائدهِ بروحٍ من الرقّة والعذوبة والأناقة.
يبدأ شاعرنا مجموعته بقصيدة "الحبّ في الوقت العصيب" (ص9)، حيث تتجلّى أمامنا ثورة الشباب الغراميّة للشاعر العاشق الذي يذوب حُبًّا ملتهبًا في محبوبته، من خلال إظهاره للصور الفنّيّة الحسّيّة النابعة من مفاتن الجسد حيث يقول:
يهبُّ الشوقُ في عينيكِ بَرْقًا/ وفي عينيّ محصورٌ جنوني/ ويسطعُ جسمُكِ الحرّاقُ نارًا/ ويكوي حين ألمسَهُ شجوني
ولا يقتصر غرام شاعرنا وهيامه على ثورته الحسّيّة تجاه المحبوبة، بل يتعدّى ذلك إلى امتزاج دنيويّ بتجلّياتٍ صوفيّة، يربط بينهما العشق المتمثّل بالرغبة والإحساس الروحيّ الموحي بنفحات صوفيّة تنبثق من النصّ التالي في قصيدة "بين عامين" (ص 12):
كم تعلّقتُ بكِ/ ما بينَ عامين/ عشقتُكِ.. رغِبتُكِ/ صَلّيْتُ في الليلِ لعَينيكِ اللتينِ/ يطلُّ الله منهما/ في كلّ يومٍ مرّتين.
يُلاحظ أنّ عند هذا المقطع من القصيدة يتبلور استحضار تصويريّ للمُحبّ العاشق في شتّى مظاهره وشتّى آياتِ فتنتهِ، يعرض لهُ في تأنِّ وتأمُّل واستمتاع فنيّ في الرسم والإخراج الجماليّ لفظًا ومعنى. ويبلغ الشاعر الذروة في تصوير مشاعرهِ الحسيّة واستغراقه في هوى معشوقته، من خلال كلمات موحية برموز جنسيّة يكتشفها بكلّ سهولةٍ المتلقّي ذو الحسّ المرهف والذائقة الأدبيّة الأصيلة، حيث يبدو ذلك واضحًا في قصيدة "عتابُ نهد" (ص 13) حين يقول:
أمطرتُ عشقيَ فوقَ أرضكِ عاصفًا/ وعصرتُ نفسي من ضلوع سحابي/ وغمستُ عمري في جحيمكِ ينتشي/ فلهيبُ نارِكِ فرحتي وعذابي/ ولقد جعلتُ ضِفافَ نهدِكِ مرفئي/ وجعلتُ رمشكِ في الهوى محرابي/ أهديتُ نخلكِ في المساءِ وسادتي/ والنخلُ يعرفُ أرضَهُ وترابي/ إنّي المليكُ أمامَ عرشيَ تنتهي/ كلُّ النّساءِ وتنحني لشبابي/ ولكم زعمتُ بأنّ عشقيَ طاهرٌ/ وزرعتُ أرضَكِ أسهمي وحرابي.
وممّا يؤكد الإيحاءات والتداعيات الرمزيّة الجنسيّة في هذه القصيدة، إيراد شاعرنا لكلماتٍ حبلى بالرمز الجنسيّ الكامن الذي يُفهم من السياق بهذه المعاني مثل كلمات وعبارات: " أمطرتُ عشقي"، "عصرتُ نفسي"، "ضِفاف نهدكِ"، "النخلُ يعرفُ أرضَهُ"، "زرعتُ أرضَكِ أسهمي وحرابي". وكلّ هذا يعكس اعتداد الشاعر بشبابهِ، وثقته المتوهّجة بطاقاتهِ الشبابيّة التي تجعله يشعر بسحرٍ خاصٍ لديه تجاه العنصر النسائيّ، وذلك حين سبق ورأيناه يقول: إنّي المليكُ أمامَ عرشيَ تنتهي/ كلُّ النّساءِ وتنحني لشبابي.
ويجود شاعرنا على قرّائهِ وسامعيهِ بقصيدة "ليلة أخرى" (ص 15)، حيث يكون فيها الشاعر في قمّة رومانسيّته، من خلال استغراقهِ وارتباط كيانهِ بالمحبوبة، فهي تشكّل عناصر حياتهِ ووجوده بالإضافة إلى كونها ملاذَه الوحيد:
سأنامُ تحتَ رمشِكِ ليلة ً أخرى/ فما عندي مكانٌ آخرُ لأبيتَ فيهِ/ وأسقيهْ/ دمي وريقي وكحولي/ سأنامُ هنا وما عندي/ مكانٌ آخرُ لأبيتَ فيهِ/ وما عندي إلا أنتِ/ خبز اليوم القادمِ../ وماء اليوم القادمِ../ وهواء اليوم القادم/ وما عندي/ شيء آخرُ إلا أنتِ/ أعرضُهُ أمامَ الله/ ليغفرَ لي.
وللتأكيد على كلّ هذه المعاني الرومانسيّة يختم قصيدته "للحبّ.. ربّنا سوّاكِ" (ص 21) بالقول: ماذا سأصنعُ دونَ حبّكِ في غدي/ لا شيءَ ينفعُ في الهوى إلاكِ.
وفي قصيدة "إنّني أنثى" (ص 37) يصوّر شاعرنا على لسان أنثى الحرمان الجنسيّ الذي تعاني منه لإهمال حبيبها لها بحبّه العذري، وهي تناشده أن يمارس معها الغرام والحبّ جنسيًّا، ويشملها بمداعباتهِ ليثير أنوثتها المتمثلة بمفاتنها المغرية حيث يقول: إنّي أذوبُ وأنتَ تهملني/ أتظنّني جسمًا من الصخرِ؟/ أشتاقُ تعصرني وتقلعني/ من عالمِ الإهمالِ والقهرِ/ تفاحِيَ المجنونُ يخنقني/ فاقطفه.. خلّصني من الأسرِ/ أتلومني إذ أشتكي ألمًا/ وأراك تنهي في الهوى قدري؟/ أرجِعْ إليَّ أنوثتي وأنا/ ما زالَ يُسكِر شاربي خمري.
إنّ في هذه القصيدة تصوير لنفسيّة المرأة التي تحتاج إلى الرجل حبيبها، لإرواء ظمَئِها إلى الجنس وتوفير المتعة الجنسيّة لها، وذلك كي يُشعرها الحبيب بأنوثتها التي لا تُثار بحبّهِ العذريّ لها. وتظهر في شعر نسيم الأسدي قوّة الحياة متدفقة العاطفة، الحافلة بثورة استعادة الكرامة الجريحة، عن طريق تفعيل كلّ قواه وقدراته وأساليبه الجنسيّة المبتكرة، في عمليّة ممارستِهِ للغرام مستقبلاً مع معشوقته الكاذبة، وذلك كما يتّضح من قصيدة "إلى متمرّدة" (ص 65): بأصابعي سأمزّقُ جسمَكِ كلّهُ/ حتّى أحَرّرَ قلعتي وعناني/ يا غابة ً فيها التّطرفُ شاغلي/ إنّي مهذبُّها بدوسِ حصاني/ وسأصلبُ النهدَ الفخورَ بحسنهِ/ لأريهِ من ذا سيّد الأزمانِ/ وأحاصرُ الأزهارَ في نيسانها/ وأمزّقُ النيسانَ في نيسانِ/ وسأقلعُ النجمات من أوكارها/ وأدوسُ روضَ الفُلِّ والريحانِ/ وأطاردُ الأمواجَ في شطآنِها/ لتعودَ أمواجي إلى الشطآنِ/ إنّ انتقامي حين أغرسُ رايتي/ ما فوق نهدِكِ ضائعِ العنوانِ.
وهنا نلمس في أبيات هذهِ القصيدة براعة الشاعر في استخدامه كلمات الاستعارات والرموز الجنسيّة ديناميكيًّا، بحيث يرسم صورة للوصال مع المعشوقة الكاذبة، تتّسم بكلمات وأفعال عنيفة حادّة تُعبّر عن مدى ثورته واندفاعه العاطفيّ، وذلك بإيرادهِ أفعالًا وعباراتٍ مثل: "سأمزّقُ جسمَكِ"، "مهذبُّها بدوسِ حصاني"، "سأصلبُ النهدَ"، "أحاصرُ الأزهارَ"، "أمزّقُ النيسانَ"، "سأقلعُ النجمات"، "أدوسُ روضَ الفُلِّ والريحانِ"، "أطاردُ الأمواجَ"، "إنّ انتقامي".
وحين نقترب من القصائد الأخيرة في المجموعة، نلتقي بقصيدة "ماذا يقول من بعدكِ القدرُ" (ص 89)، وفيها نلمح عند نسيم الأسدي الغزل الأنيق والبعيد عن التبذّل، ذلك الغزل الذي يتّشح بالجمال فكرًا وعاطفةً ومرمى، كما عهدناه في الغالب، فنحن نلمس في هذا الغزل الشفافيّة الفوّاحة، والإشراقة الصدّاحة التي تسطع بجماليّة المبنى والمعنى:
ماذا أقولُ وبي نارٌ تحاصرني/ والعشقُ تغمرُهُ في اللهفةِ الصورُ/ ماذا أقولُ وأنتِ العمرُ يسألكِ/ باللهِ عودي كفى بالحبِّ يُعْتَصَرُ/ كم تاه شعري عن العينينِ منشغلاً/ واليومَ عادَ إلى عينيكِ يعتذرُ/ الحبُّ بعدَكِ في الميدانِ مُنهزمٌ/ عودي عساه بلحظِ العينِ ينتصرُ/ إنّي عشقتكِ.. صار البحرُ يعرفها/ والنجمُ يعرفُ والتفاحُ والشّجرُ/ إنّي عشقتُ.. بهذا ينتهي قدري/ ماذا يقولُ تُرى من بعدِكِ القدرُ؟
وهكذا نكون قد تناولنا بالدراسة مجموعة "سَفرُ الحرف بين النهد والسيف"، في جانبها الغزليّ الطاغي على قصائد المجموعة، فلمسنا فيها تلك الروح والطاقة الشبابيّة الغزليّة عند الشاعر الشاب الأستاذ نسيم الأسدي، الذي يمتاز بغزل البوح الشّفاف المتّسم بحرّيّة الفكر، والتوهّج الدافق الحافل بالرّقة واللين والانسيابيّة، تذوب فيه المشاعر روحًا وحياةً حينًا، وثورة العواطف الهائجة حينًا آخرَ، ليصوّر بالاستعارات والرموز السهلة الواضحة ما يعتلج في نفوس العاشقين، من أحاسيس وخلجات أجاد شاعرنا في رسمها وتصويرها، من خلال غنائيّة رقيقة لافتة، تغلب عليها الطلاوة والسلاسة والعذوبة. فللأستاذ الشاعر نسيم عاطف الأسدي أجمل التهاني بصدور مجموعته الشعريّة هذه، مع أطيب التمنيات بدوام التوفيق والمزيد من الإبداع والعطاء.
وفي مداخلة دكتور بطرس دلّة جاء: التقينا  بالشاعر الأستاذ نسيم عاطف أسدي في الصالونات الأدبيّة، خاصّة في المنتدى الثقافيّ لصاحبه أمين قاسم  في عسفيا، وسمعنا  منه  بعض  القصائد، واليوم وقد أهدانا هذا الديوان في اللقاء  الماضي وعنوانه "سفر الحرف بين النهد والسيف"، فإنّنا نريد الحديث عمّا جاء فيه من شعر قريب من القلوب، ولو كان صاحبنا استشارنا في اختيار عنوان الديوان، لأشرنا عليه أن يكون العنوان "سفر الحروف بين النهود والسيوف"، لأنّه يُكثر من استعمال الكلمتيْن من خلال قصائده. يتّضح من عنوان الديوان أنّ شاعرنا يُحبّ شعر الغزل، وأنّه عاشق للمرأة فيُوجّه قصائده إلى فتاة أحلامه أو إلى معشوقته، كلّما رأى الجمال بعيون شفافة، فيعيش مع هذا الجمال إلى أن يتماهى مع الحبيبة، ولا غرو في ذلك، لأنّه كما قال أحمد شوقي أمير الشعراء: بنيّ ليس بالفتى إذا أحبّ من عجب/ من لم يحب لم يؤدّ للشباب ما وجب.
وقال جبران خليل جبران: الحبُّ في الأرض  بعض من توهّمنا/ لو لم نجده عليها لاخترعناه/ والحبّ بعض من توهّمنا    كالعطر في بال البساتين.
فهل هناك كلام أجمل وأرقّ من هذا الكلام؟ الشاعر الشاعر هو ذلك الذي يتأثّر بكلّ منظر خلّاب يُحقّق لديه انطباعًا، عمّا يَخزنه من طاقات شعريّة تتفجّر لديه، كالينبوع الصافي في صحراء شديدة الحرارة واللهب، فتأتي كلماته بردًا وسلامًا على القلوب الظمآنة، وبلسمًا لجراح العاشقين، وتعبيرًا صادقًا عمّا يجيش في الصدور، فيُحلّق عاليًا في سماء الفنّ، ليترك أثرا بعيد المدى في النفوس، وترسخ الكلمات في الذهن، فنحفظها ونردّدها في كلّ مناسبة.
تدور مادّة هذا الديوان حول موضوعيْن هما: الغزل وقصائد العشق من جهة، والوطنيّة والقصائد الملتهبة بالوطنيّة الحقّة، لدرجة التطرّف والدعوة إلى الثورة من الجهة الأخرى! ولكن  يبدو أنّ شعر الغزل والحُبّ يطغيان على هذا الديوان، ولا  غرو في ذلك، لأنّ شاعرنا ما زال في جيل الشباب، وللحبّ والغزل ضريبة يؤدّيها كلّ شاب، حتّى ولو تقدّمت به السنّ!  وإذا شاب شعر الرأس فإنّ القلوب لا تشيخ!
قرأت هذا الديوان مرّتيْن: قراءة أولى سريعة وقراءة ثانية متمعّنة. وقد وجدت أنّ الشاعر يمزج بين جمال التعبير ودقّة المعنى مع رهافة الكلمة، ليبدع في قصائده المبعثرة على طول الديوان، وهو كدارس يتعلّم في الجامعة للقب الثاني، فإنّه يعي أنّ للكلمة صوتًا ذا لون خاصّ، يُضيء عادة أو يترنّم في سيمفونية الألفاظ التي تكوّن القصيدة، فيخلق بذلك شيئًا من لا شيء، والشعر الصافي كما يعرف الجميع لا يوجد إلّا في قرارة النفس، يَخرج متفجّرًا ليصدح كما العنادل في الحديقة الغنّاء. ولأنّ الحرف هو جوهر الكلمة، لذلك فقد اتّخذه شاعرنا زورقًا يُقلّ الفكرة في بحرَي الزمان والمكان، وفي رحلته بين النهود والسيوف، فلا يبقى ثمّة لفظ ومعنى، بل إنّ معنى اللفظ هو اللفظ نفسه، ذلك لأنّ اللفظة هي وديعة الشاعر، فيها أسرار لا يستطيع اكتشافها إلّا شاعر موهوب، وذلك بحكم العلاقة العضويّة القائمة بين الشاعر والحرف، فبكلمات الألفاظ تتكوّن القصائد وليس بشيء آخر!
شعر الحَيْرة: تنتاب شاعرنا ساعات من التردّد بين الثقة المُبالغ بها في النفس وبين الوهن والضعف، حيث يتذلّل للحبيب راجيًا إيّاه ألّا يَهجره أو ينفصل عنه، وهذه الحيرة تبدو في بعض القصائد الغزليّة، ولنضرب لذلك مثلا : في قصيدته   "عتاب  نهد"  صفحة  13 يقول: أهديت نخلك في المساء وسادتي/ والنخل يعرف أرضه وترابي/ إنّي المليك أمام عرشي تنحني/ كلّ النساء وتنحني لشبابي!
فأيّة عنجهيّة هذه؟! أعتقد أنّ هذه المبالغة أفقدت المضمون شيئًا من الجمال! وفي الصفحة المقابلة نجده يبكي للسماء ويسير وحيدًا، يُصلّي في الليل للعينيْن اللتيْن يُطلّ منهما الله في كلّ يوم مرّتيْن، وذلك في قصيدته "ما بين عاميْن" صفحة 11-12 حيث يقول: كم تعلّقت بك/ ما بين عاميْن/ بكيت للسماء / سرت وحيدًا / في ليالي الشوق ..."
فأين كلّ النساء اللواتي انحنين لشبابه في البيتيْن السابقيْن؟ ولماذا يبكي؟ تحضرني هنا  قصّة الأعرابيّ الذي مرّ به قائد  إنجليزيّ وكان يبكي. سأل القائد: لماذا يبكي؟ أجابوه: أخذوا حبيبته منه، وهو يبكي علّ أحدًا يُعيدها له! تعجّب القائد الإنجليزيّ وقال: والله لو أخذوا حبيبتي لجرّدت سيفي وخرجت مُقاتلًا لاستردادها، فماذا يُفيدُه البكاء؟ إذن أيّها العزيز نسيم: لماذا البكاء ولديك كلّ النساء؟ وفي قصيدته "عتاب نهد" نفسها، يُعيد نفس  الفكرة. فهو هنا يترك حبيبته مع أنّها تحاول منعه وتتعلّق به بقوله: صفحة 14: الآن أخرجُ من مَدارِكِ راحلًا/ ويَداك حولي لا تريد ذهابي/ الآن أخرجُ والكلام ممزّق/ والنهد منتصرٌ أذلّ عتابي!
هكذا إذن يقول الشيء وضدّه أو عكسه في بيتيْن متتالييْن! فهو يهجرها من جهة، ونهدها يُذلّ شبابه وينتصر عليه بالمقابل! فكيف يكون ذلك؟ هل يعيش شاعرنا غربة عن نفسه أحيانًا، ليقع في مثل هذا التناقض؟ إنّ غربة الشاعر عن نفسه حتى  ضياعها ولا يجدها، تجعل المتعة في قراءة القصيدة أقلّ وأوهى! نحن  نحفظ الشعر بسهولة لسببيْن: الأوّل  لجمال اللفظ، والثاني لقوّة المعنى! أمّا إذا ما اختلّت الكلمات وفقدنا الجرْس الموسيقيّ، فيبدو الشعر هزيلًا وضعيفًا، وقبل أن ننتقل للحديث عن الجرْس الموسيقيّ، نجد في قصيدته "الفارس الأقرع" عتابا للحبيبة التي هجرته، وتزوّجت رجلًا  يُلقّبه بالأقرع فيعاتبها بقوله صفحة 33: أتركتِ بحرًا موجُه لا ينتهي/ مِن أجل نهر كاذب مُتقطّع/ أتركتِني مِن أجل ذاك الأقرع/ إنّي أحذر يا جميلة فاسمعي/ إنّ النساء بكيْن فوق دفاتري/ حتّى تُكفكفَ دمعهنّ أصابعي/ ورأيت كلّ نساء  قصري تنحني/ حبًّا لأجل هواي ذاك  الألمعي.
ولكنّه يعود في القصيدة التالية ينتظرها كي تعود إليه بقوله ص 36: إنّي أنتظرُ بأن ألقى/ بعضًا مِن أخضر عينيك/ ليُزقزق في جسدي فرح/ لأعيش ربيع التكوين .../ بعضًا من عزلة تشرين !
فكيف يُقاسي من العزلة من تنحني أمامه نساء قصره هوى؟!
البحرُ والجرْس الموسيقيّ: في قصيدته "إنّني أنثى" ص-37، بحثت عن البحر العروضيّ، فوجدت خليطًا من الكامل  بمجزوئِه وخروجًا عنه، جعل القصيدة مهتزّة ومُكسّرة، فلنستمع إلى ما كتبه: النار تأكل من غدي عمري/ وتظلّ تقتلني  بحبّك العذريّ. متفاعلن متفاعلن فاعل/ متفاعلن متفاعلن مفاعيلن، فأيّ بحر هذا، الذي قِسمٌ منه على الكامل بجوازاته، والقسم الآخر لا بحر له؟
وفي بيت آخر نجد نفس الخطأ: فأسأل شحوب الليل ما خبري/ والليل  يعلم دقّة الأمر. فعل متفاعي فاعلن فعلن/ متفالعن متفاعلن فاعل! أيّ بحرهذا؟ وكيف ضاع البحر الكامل في الشطر الأوّل، ليعود مُشوّهًا في الشطر الثاني؟! ولوانتقلنا إلى قصيدته "العام الجديد"، وبحثنا عن الجرْس الموسيقيّ والإيقاع الجميل في صفحة 56، لوجدنا هذا الجرْس مهزوزًا لا جَمال فيه. فلنقرأ معًا مطلع القصيدة: من خلفنا/ حاملا بعض البذور/ وابتسامة/ البعض يحضر معوله/ البعض  يحضر  عصيّه/ وسلاحه/ والبعض كما في كلّ عام / ينام".
أين الشعريّة في هذا الكلام؟! حتى ولو كان شعرًا منثورًا، فيجب أن يتوفّر فيه الجرْس الموسيقيّ الإيقاعيّ! وفي صفحة 65 في  قصيدة "الى متمرّدة" يقول في البيت الأوّل: بأصابعي سأمزّق جسمك كلّه/ حتّى أحرّر قلعتي وعناني .../ وسأعجن الآهات منك بأضلعي/ لأطارد فوق ظلالها ألحاني ! متفاعلن متفاعلن متفاعلن/ فعلن فعلن فعلن مفاعيلن، فما هو هذا البحر؟!
 الشعر الوطنيّ: قلنا إنّ شاعرنا  كرّس قسمًا من الجزء الثاني من هذا الديوان للشعر الوطنيّ. هكذا نراه ثائرًا متمرّدًا في بعض القصائد، ونجده وطنيًّا متمسّكًا بأرض الوطن في بعضها الآخر. نحن يجب أن نُميّز بين الوطنيّة والقوميّة: فمحبّة الوطن الأرض هي الوطنيّة. أمّا التماثل مع الأهل والأرض، ومع التاريخ واللغة والتراث والمصالح المشتركة، فهذا ما  نسمّيه الشعور بالقوميّة. هنا نجد شاعرنا وطنيًّا صادقا، لأنّه يتغنّى بحُبّ الوطن، ويُمجّد الشهيد ويعطف عليه، ويدعو إلى الثورة ضدّ الظلم وضدّ الاحتلال، وحتّى ضدّ الأهل الذين لا يتعاملون مع أبنائهم ونسائهم بالاحترام والتقدير، ولكنّه لا  ينسى أنّ المرأة الخائنة يجبُ إبعادها عن المجتمع، وبلغته يجب إزالتها، لأنّه لا مكان لها في الحياة العاديّة، ولأنّها تبيع  ضميرها وتبيع زوجَها من أجل شهواتها الجسديّة، مقابل محبّة زوجها وإخلاصه لها!
لنقرأ شيئًا من وطنيّاتِه: في قصيدته "يا شاعري" ص 67، حيث يدعو إلى الثورة وطرد المحتلّ بقوله: يا شاعري أطلق حروفك للفضا/ واجمع جيوشك كي تثور ورائي/ هذا النداء إلى الصغير أبثّه/ وإلى الرجال أبثّه ونساء/ هذا النداء أعيده     وأعيده/ يا عرب قوموا وانهضوا لندائي/ قوموا وثوروا كي تزول قيودكم/ ثوروا كمصر وتونس الخضراء/ أطلق   رماحك واقتلع بنيانهم/ وازرع بصدر القهر سهم ضياء/ أطلق صهيلك يا حصان عروبتي/ وأعد بلاد العرب للشرفاء!
إنّها دعوة صريحة لإعلان الثورة على الغاصب المُحتلّ لا هوادة فيها، وفي قصيدته "ما بعد الانتصار" ص- 72،  يعود ويدعو للثورة من جديد بقوله: يا أيّها العرب/ سماؤنا تقول/ ثوروا على الأقدار/ كي يعلم الصغار/ بأنّنا بأرضنا شعب من الأحرار/ يكسّر القيود عن أعناقه/ مع مطلع النهار!
ويلتفت إلى المعلّم في قصيدته "اُقعد للمعلّم" على غرار أحمد شوقي فيقول ص 86: لكن أبي قال الأمير بشعره/ قم للمعلّم وفّه التبجيلا/ لولا المعلّم يا أبي لوجدتنا/ شعبًا وضيعًا خانعًا مذلولا/ عارٌ علينا أن يقول لساننا/عمّن يُعلّم مثلما  قد قيلا/ مَن للفتى بعد المعلّم مرشدًا/ ومُربّيًا ومُهذّبًا ودليلا/ مَن للأماني بعده متفانيًا/ يرعى الأمانة مُخلصًا ونبيلا. 
أخيرًا: بعد مراجعة الديوان للمرة الثالثة، وجدت أنّ الشاعر ملتزم بالوطنيّة والغزل وبعض القيم، ولكن كلّ ذلك بأسلوب  المباشرة وليس بالرمزيّة، فالشعر الحقيقيّ هو ذلك الشعر الذي يُلمّح ولا يوضح ولا يُفصح، هو ذلك الذي يتطلّب منّا  ذهنًا منفتحًا نفكّر فيه بكلّ كلمة، إذا كانت الكلمات حُبلى بالمعاني، وليس الكلمات المبسّطة والمباشرة.
يقول الشاعرالإنجليزيّ كولوردج: "إنّ الشعر والفلسفة توأمان، وبما أنّ الشعر يتجاوز المنطق أحيانًا إلى أعماق التصوّر والتهيّؤ وحتّى اللامعقول، فإنّ بعض الغموض الذي يكتنف بعض التعابير يضفي عليها جاذبيّة رومانسيّة خاصّة، تنقلنا مع الشاعر إلى معاناته الشخصيّة أثناء عمليّة ولادته لكلّ قصيدة يكتبها، لا بل كلّ لفظة ذات قيمة وفائدة، حينما تكون دالّة  وموحِية في إطار الفكرة، أمّا إذا ما أُعِدّت لتوضع في نافذة العرض، فلسوف تكون أقلّ أهمّيّة!
صحيح أنّ الشعر الوطنيّ وشعر المقاومة هو شعر تحريضيّ، والشاعر لا يسعى لإيجاد المتعة في الأدنى بقدر اهتمامه  بكشف الحقيقة، والمهمّ عند جميع الشعراء الوطنيّين والاستاذ نسيم واحد منهم أن نبقى! فبقاؤنا هو انتصار لنا! من حق  الشاعر أن يغضب وأن يحزن وأن يتألم، ويصرخ في وجه  ظالمه وجمهوره قارئه من أبناء شعبه وبأعلى صوته، وأن يدعوهم لمقاومة الظلم ورفض الاستعباد، فهو أحد قادة شعبه، ولكلّ قصيدة أثر كبير في نفوس أبناء شعبه، وشاعرنا الأستاذ نسيم قام بنفس المهمّة وبشكل ممتاز، وتجاوزها داعيًا إلى الثورة فله نقول:  حقّق الله الأماني أيّها الشاعر  الناشىء، وإلى اللقاء في دواوين أخرى! لك الحياة!
وفي مداخلة الأديب محمّد علي سعيد حول العلاقة السيميائيّة بين اسم الديوان واسم الشاعر جاء:                                                          بداية، شكرًا صادقا لكلّ مَن بادر وساهم في إنجاز هذا النشاط الحضاريّ، وخاصّة جوقة الكروان المضيفة، وتحيّة دافئة للحضور الكريم. قل لي بماذا تحتفل أقُلْ لك مَن أنت، نحتفي ونحتفل بتكريم شاعر موهوب وطموح من شباب شعبنا الصابر والصامد، في هذا المساء نلتقي على حبّ الأدب ما استطعنا إليه سبيلا، نلتقي لأنّنا نحبّ الحياة ما استطعنا إليها سبيلًا، نلتقي في أمسية أدبيّة فيها ما يستحق الحضور، ونلتقي  لنستحق الحياة كمًّا وكيفًا. يهتمّ النقد الحديث وللدقة الحداثيّ بالنصوص المرافقة للنصّ الأصليّ، ويعتبر العنوان بشطرَيْه الخطّيّ والشكليّ أبرز هذه النصوص المرافقة، وذلك لأنّ الكاتب لا يضع عنوان منجزه اعتباطًا أو بالمصادفة، ناهيك عن مكانه في أعلى فضاء الغلاف عادة، ممّا يدلّ على أهمّيّته، فالعنوان هو أوّل نقد يمارسه المؤلف نفسه للكتاب بمُجمله، وهو آخر لقاء له معه قبل تحريره من ملكيّته الخاصّة، وفي الوقت نفسه هو أوّل لقاء مع القارئ يثير انطباعًا عامًّا ويستفزّ قدرات القارئ، فالعنوان هو عتبة النصّ الأولى ومفتاحه الدلاليّ، وكأنّه بمضمونه ومكانه عبارة عن لامبة خافتة أو قويّة الضوء، ولكنّها تشير تلميحًا إلى الحقل الدلاليّ للمضمون العامّ للكتاب وليس الى التفاصيل.
عنوان الديوان هو: (سفر الحرف بين النهد والسيف)، فالكلمات أو القصائد تتحرّك كبندول الساعة بين النهد وهو الدال ومدلوله الأنثى، والسيف وهو الدال ودلالته المذكر بتشبيه مادّيّ واضح. وبدون جهد فالعنوان يوحي بمضمون الديوان وهو الغزل اللاعذريّ والحبّ الحسّيّ الشبقيّ، وبالإمكان ملاحظة التأثّر المباشر بشعر نزار قبّاني. هذا بالنسبة للعنوان الخطّيّ، وأمّا الشطر الثاني من العنوان وهو العنوان الشكليّ الفنّيّ، فكان عبارة عن لوحة فنّيّة من نصف وجه للفتاة المعشوقة بخلفيّة حالمة، وفيها تتوحّد عناصر غير البشريّة لتحلّ محلّ عناصر الوجه البشريّ في فنية رائعة، ولها دلالات يضيق الوقت عن تحليلها حاليًّا،  فالأنف فراشة والفم وردة والعين ورقة وردة حالمة غامضة، ويؤطّرها غصن ورد.  هذه الدلالات تهمس لنا بأنّ قصائد الديوان ناهيك عن مضمونها الغزليّ العامّ، ستتميّز بالغنائيّة والدفء العاطفيّ والحلم الشفّاف. ولفت انتباهي اسم الشاعر: نسيم عاطف أسدي، ويا لروعة هذا التوجّه السيميائيّ الحديث بتفاصيله المتجدّدة:                                                                         فالاسم نسيم دلالة الشعر المنعش والندي والدافئ والجمال والخيال. والاسم: عاطف دلالة الشعر الطافح محبّة وعطفًا وحنُوًّا. والاسم أسدي: دلالة القوّة في بناء القصيدة نتيجة التمكّن اللغويّ والبلاغيّ والعروضيّ وباقي العناصر الجماليّة. وقراءة متبصّرة أكثر لسيميائيّة العنوان تقول لي: من الممكن أن يكون لمفردة السيف دلالتان، الأولى كما أشرنا للحبّ الحسّيّ، والثانية للقوّة والشجاعة، والسيف كان وسيبقى من صفات شجاعة العربيّ، وعليه فإنّي أتوقّع أن أقرأ قصائد وطنيّة في الديوان.
بالاعتماد على المقارنة بين اسم الديوان واسم المؤلف، وقفتُ على بعض المميّزات التي أتوقّع أن أجدها في الديوان، وبمزيد من التبصّر انتبهت إلى عنصر التثليث في الاسمين، فاسم الشاعر من ثلاث كلمات، واسم الديوان من ثلاثة وحدات قرائيّة. والتثليث من عناصر الفكر لدى الديانات الأرضيّة والسماويّة، فالديانة الاسلامية ( الدال وهو الله، والدليل وهو القرآن الكريم والمستدلّ به وهو النبيّ وأتباعه من المسلمين المؤمنين). وفي الديانة المسيحيّة (بسم الآب والابن والروح القدس، آمين). وفي الأدب الحديث يُعتبر من عناصر التشويق واستفزاز ثقافة القارئ، وعليه أتوقّع أن أجد عنصر التثليث في بناء أشعار الديوان. بعد قراءتي لنصوص قصائد الديوان،  من الممكن أن أقول وبكلّ ثقة، لقد قرأت ديوان أكثره شعر غزليّ غنائيّ مادّيّ حسّيّ الصور، يعكس كذلك بعض القصائد الوطنيّة القويّة والحادّة كالسيف، وكذلك بعض القصائد التي تعالج قضايا اجتماعيّة: كالخيانة الزوجيّة، والزواج بالإكراه وغير المتكافئ. كما وأنّي وجدت عنصر التثليت موجودًا بوضوح. سأقدم ملاحظاتي بالأسلوب البرقِيّ:
المدرسة النزاريّة: شاعرنا ما زال متأثّرًا ببعض صور نزار قبّاني، والتقليد للنماذج الكبيرة حقّا ليس مأخذا، وهكذا بدأ جميع الكبار، وعلى الشاعر أن يبدأ بالتحرّر من سجن القصيدة القبّانيّة نحو الاستقلاليّة.
- موقف الشاعر نرجسيّ وذكوريّ، وليس حضاريًّا يرى بالمرأة عنصرَ مُشارَكةٍ وبناءٍ وله استقلاليّته. (كلّ النساء وتنحني لشبابي ص13... أتركتِ بحرًا موجُه لا ينتهي ص34... هذه تناديني وتلك تودّني، ولصدرها أخرى تشدّ وثاقي ص58... لو أدفعُ العمر لهم ثمنا وأشتريكِ ص11.و... ) 
جمال في التعبير وروعة في الصورة، كثيرة هي التراكيب اللغويّة والصور الشعريّة التي أعجبتني، ومنها: (أسرق الشمس من السما وأطويها كتابا من حرير ص11... أجمع في سلال الورد أشلاء حلمي ص23... أرسلت سهم هواك ورديّ الشذى ص28... وأنا الزهور ملأت عمرك بالشذى ص58.. فوقي تنفتح الأحلام ويسافر لحن البرقوق ص60.. و... ).                                                    
- التفاؤل صفة أساسيّة في قصائده وخاصّة الوطنيّة: (يا شاعري ص67. ما بعد الانتصار ص72. الله أكبر يا مصر ص75).                                                                                                                 
التناص فالظاهرة قديمة ولكن التقعيد والقوننة حديثة، وهي تعكس ثقافة كل من الشاعر والقارئ، نجد الكثير من التناص مع شعر نزار قبّاني، ومع الأساطير عشتار ص 10.. وتناصّ مع قصّة النبيّة الكذابة سجاح ومسيلمة الكذاب، وكيفيّة إيمانها به ودخولها في الإئتلاف معه، طلبت الوصل في وقت عصيب  فكوني للذي تبغين كوني. ص10).
التثليث: وهو من عناصر التشويق والاستفزاز الثقافيّ والفكريّ، استفاد منه الشاعر كثيرًا: (الآن أخرج ويداك والكلام والنهد ص14.. دمي وريقي وكحولي ص15... خبز وماء وهواء ص15... يا حيرتي وتألمي وتوجّعي ص20... فيه الخيبة والحسرة والسهام ص23... وتألمي وتشققي وتكسري ص34... الماء والهواء والتراب ص50.. أن نجتمع ونشرب ونأكل ص50... بالكحل والبخور والحناء ص67 و... ).                                 
تراسل الحواسّ، وهي من عناصر الجمال في القصيدة الحديثة، لم يستفِد منها الشاعر كثيرًا، ومن أمثلتها ( يهبُّ الشوق  من عينيك برقا.. ويسطع  جسمك الحرّاق نارا.. وأسمع ثورة الشيطان تحيا. ص9. تراسلت الحواسّ في الصورة من حاسّة البصر إلى الذوق واللمس وانتهت بالسمع).
حبذا لو كان العنوان كالآتي: سفر الحروف بين النهود والسيوف، وفي نصوص القصائد ومضامينها ما يدعم هذا التحبيذ.
من المفضل أن لا يشرح الشاعر موقفه من كتابته الشعر، فالأمر فيه مزالق أكثر من إشكال،  فكفى المبدع أن يبدع وينام ملء جفونه، ويترك وجع الرأس للقارئ العاديّ أو الناقد.
بقصد لم أتطرق للأوزان لعدّة أسباب منها تنوّع أوزان القصائد، من البحر الى التفعيلة الى النثريّة، وكذلك لعدم معرفتي الجيّدة في علم العروض.                          
وأخيرًا وليس آخرًا.. لقد نجحت يا صديقي وابن صديقي في ديوانك هذا لسبب بسيط، أنّك تجاوزت فيه ديوانيْكَ السابقيْن بنسبة مقبولة، وهذا يكفيني. كما وأنّي أستشرف لك وبثقة كما استشرفت لآخرين، وما خيّبني استشرافي أبدا.. أستشرف لك مستقبلا سيكون لشعرك فيه المكان والمكانة، ولا أقول هذا من باب المجاملة أبدا، ولكن لأنّي أرى وأجد فيك ثالوث الإبداع الأدبيّ وهو: الموهبة والثقافة والتمكّن اللغويّ الجماليّ. أتمنى لك العمر العريض والمديد والعيش السعيد والمجيد، ودوام العطاء المفيد وهذا أكيد أكيد.. أمثالك يعتزّ شعبنا ويفتخر، لأنه بأمثالك تستمرّ راية الشعر الحقيقيّ خفّاقة.                                                                            
وجاء في مداخلة د. محمّد خليل: بعد الفراغ من الاستماع للفقرة الموسيقيّة الرائعة، لا يسعني إلّا أن أقول:  ينسب لبيتهوفن القول: الموسيقى تعلو حكمة الحكيم وفلسفة الفيلسوف! وبعد: يمكننا، من خلال مثل هذه اللقاءات الأدبيّة والمنتديات الثقافيّة، أن نتعرّف على أدبائنا ونطّلع على أعمالهم،  سواء أكانت شعريّة أم نثريّة. إنّ ظاهرة الشعراء الشباب تستحقّ كلّ الدعم والتشجيع، وفي الوقت نفسه القراءة المتأنّية والتوجيه، بغية تطوير موهبتهم وصقل تجربتهم مستقلاً. ليس من السهل في أيّامنا هذه أن يُقبل كلّ شعر، لا لسبب، إلّا لكثرة ما تعجّ به الساحة المحلّيّة من الإصدارات الأدبيّة ولاسيّما الشعريّة منها، فقد بلغ السيل الزبى، الأمر الذي يُذكّرنا بمطلع معلّقة عنترة بن شداد: هل غادر الشعراء من متردم إلخ.. البيت. شعر الشباب كما يفترض يطلب منه أن يُثري مجتمعه الذي أنتجه بأفكار جديدة، غير تلك المتداولة أو النمطيّة أو المنتشرة. بمعنى آخر، أن يكون مجدّدًا لا مقلّدًا. صحيح أنّ للشاعر الحقّ كلّ الحقّ بأن يرى في فنّه ما يشاء، أو يقول ما يريد ، لكن الشعر ليس مجرّد رغبة جامحة أو بوح ، الشعر كما يقول أدونيس: كشف. الشعراء الشباب يطعمون أشعارهم بأفكار ورؤى وحمولات دلاليّة رمزيّة وأسطوريّة عميقة، تعكس هموم الإنسان العصريّ ووجوده في مواجهة واقع الحياة، بعيدًا عن التسطيح والتقريريّة والمباشرة، حتّى يتلقّى القارئ أدبًا حقيقيًّا فيه متعة حقيقيّة. صفوة القول: شعر الشباب شعر رؤيا شعر إبداع ،يرفض محاكاة النماذج الشعريّة السابقة، لأنّ الإبداع يقع خارج الأفكار المتداولة والمألوفة.

CONVERSATION

0 comments: