العمال والتدمير الذاتي/ عباس علي مراد

كان الاسبوع الماضي في استراليا اسبوعاً تاريخياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ففي بداية الاسبوع أعلن النائب ريتشرد طربيه رئيس مجلس النواب السابق في نيو سوث ويلز عن استقالته من الحياة السياسية والعامة، فقد استقال من مجلس النواب في الولاية حيث يمثل مقعد شمال تايبل لاند، واستقال من منصبه كعميد جامعة نيو انكلند، وفي نفس الوقت اجبر الحزب الوطني طربية التخلي عن ترشيح نفسه عن المقعد الفيدرالي في نيو انكلند الذي يشغله النائب المستقل طوني ويندزر ولم يعلن طربيه الاسباب التي دفعته لذلك ولكن الصحافة تعتقد ان الاستقالة عائدة لارتباطات له مع السنتور العمالي السابق ادوارد عبيد الذي يخضع وزميله الوزير السابق ايان ماكدونلد لتحقيقات المفوضية المستقلة لمكافحة الفساد.
الحدث الثاني البارز في الاسبوع الماضي كان الاعتذار التاريخي الذي قدمته استراليا لأطفال التبني القسري والذي يبلغ عددهم نحو 150 الفاً وهذه الممارسة كانت تمت في خمسينات حتى اواخر سبعينات القرن الماضي وكانت العملية تتم بالتنسيق بين الحكومات والكنيسة الكاثوليكية وقد قدم الاعتذار كل من رئيسة الوزراء جوليا غيلارد وزعيم المعارضة طوني ابوت.
الحدث الثالث هو سحب الحكومة المشروع قانون الاعلام المثير للجدل من البرلمان وطلب عدم التصويت عليه لإخفاقها بالحصول على تأييد البرلمان له وخصوصاً من النواب المستقلين الذين كان اثنين منهما على الأقل اعلنا رفضهما كلياً للمشروع وهما روب اكشوط وغريغ طومسون ،بينما طالب بوب خطار تعديل بعض البنود للتصويت مع الحكومة وهو ما رفضته الحكومة.
المفاجأة الكبرى كانت قبيل ظهيرة يوم الخميس 21/03/2013 عندما دعى الوزير سايمون كرين الى تحدي زعامة رئيسة الوزراء لحسم امر زعامة الحزب بشكل نهائي، واعلن عن تأييده لكيفن راد.
بعد ذلك طردت رئيسة الوزراء كرين من منصبه الوزاري وحددت الساعة الرابعة والنصف موعد للتوصيت على الزعامة داخل مجلس الحزب ( الكوكس) المؤلف من 102 مندوب وكما صار معلوماً فقد خيّب كيفن راد المجموعة الداعمة له وأعلن انه لن يتحدى وقد تم اعادة انتخاب غيلارد ونائبها وزير الخزينة واين سوان بدون منافس.
السؤال الذي يتوجب طرحه الآن ،هل حُسمت فعلاً مسألة الزعامة في حزب العمال من هنا حتى الانتخابات الفيدرالية المقررة في 14 ايلول القادم؟!
رئيس الوزراء السابق كيفن راد اعلن وبشكل قطعي انه لن يتحدى جوليا غيلارد ،لكن رئيسة الوزراء سوف تواجه عدة تحديات منها المعجل خصوصاً التعديل الحكومي المتوقع هذا الاسبوع  بسبب استقالة خمسة من الوزراء ذوو الخبرة وتراجعهم الى المقاعد الخلفية وهم سايمون كرين، كريس بوين، كيم كار، مارتن فيرغسون والسكرتير البرلماني ريتشرد مارلز، وقد لا تكون المشكلة في اختيار الاشخاص انما هل سيكون الاختيار على ارضية انتقامية من الذين عارضو زعامة غيلارد مما قد يؤدي الى استمرار الأزمة الداخلية في حزب العمال علما ان ابرز مؤيدي راد وزير البنى التحتية انطوني البنيزي واحد زملائه قررا عدم الاستقالة رغم توجيه الانتقادات له من النائب لوري فيركسون احد ابرز مؤيدي غيلارد،  نشير هنا الى ان غيلارد كانت قد اجرت اخر تعديل حكومي قبل 7 اسابيع.
هذا وقد اظهر اول استطلاع رأي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة على جوليا غيلارد ونشرته (ذي صانداي تلغراف 24/03/2013) ان 47% تفضل تحالف الاحرار الوطني 32% للعمال 12% للخضر 9% للمستقلين وغيرهم وبعد فرز الاصوات التفضيلية حصل العمال على 45% والاحرار 55 % من الأصوات وقد فضل 33% جوليا غيلارد كرئيسة للوزراء و37% طوني ابوت وقد حصل راد على 53% من اصوات المستطلعين كزعيم مفضل لحزب العمال وغيلارد حصلت على 32% وقد شمل الاستطلاع عينة من 1005 اشخاص واجري يومي الجمعة والسبت الماضيين.
المهمة الثانية التي تواجه العمال وخصوصاً رئيسة الوزراء هي الميزانية العامة التي ستقدمها للبرلمان في اوائل ايار القادم وما هي الارقام والمشاريع التي تحملها وكيفية تقديمها للرأي العام وهي سيستغل الحزب عطلة الخريف البرلمانية والتي تستمر 7 اسابيع لتسوية الامور الداخلية حتى يستطيع المواطن والناخب ان يقول ان الامر قد حسم بشكل جذري ومن المفيد ان نشير الى انه رغم الدراما السياسية التي عصفت بحكومة غيلارد منذ 2010 فإن الحكومة استطاعت اقرار 485 مشروع قانون في البرلمان (صن هيرالد 24/03/2013ص 28).والاسبوع الماضي وحسب (س م ه السبت 23 /3 /2013 ص 4)فقد اقر البرلمان عدة مشاريع قوانين مهمة لكنها تراجعت في التغطية الاعلامية لصالح الازمة السياسية داخل حزب العمال منها :مشروع التأمين للمعاقين،4،5 مليون استرالي حصلوا على زيادة في معاشات الضمان والتقاعد بقيمة17،6 دولار اسبوعياً،مشروع قرار يعطي للعمال والموظفين الحق في طلب ساعات العمل التي تناسب اوضاعهم الاجتماعية،مشروع تعديل قانون التمييز ليشمل المثليين،مشروع قانون يسمح لمفوضية الانتخابات لأستخدام قاعدة المعلومات الخاصة بمكتب الضريبة لضم المواطنين الغير مسجلين الى لوائحها وغيرها.
من جهته زعيم المعارضة طوني ابوت ما زال يصعد من اسلوبه الهجومي على الحكومة وقال: "كنت اعتقد ان حكومة غولف ويتلم اسوأ حكومة ولكن هذا غير عادل بحق ويتلم هذه الحكومة هي الأسوأ (صن هيرالد 24/03/2013 ص 28) والجدير ذكره ان ابوت ينوي ان يتقدم من البرلمان بطلب حجب الثقة عن الحكومة بعد عودة البرلمان من عطلته.
اخيراً لقد احتفظت غيلارد بمنصبها واثبتت انها شديدة المراس وصلبة لكن يبقى السؤال يطرح نفسه. هل سيوقف العمال سلسلة التدمير الذاتي التي بدأت بالانقلاب على كيفن راد في حزيران عام 2010. ام انهم سيستمرون في تقديم الحكومة لطوني ابوت على طبق من فضة؟!
الجواب ستحمله الأيام والأسابيع القادمة التي وبدون شك ستكون حبلى بالكثير من الحراك السياسي واستطلاعات الرأي والتي اذا ما استمرت على نفس الايقاع فأن طوني ابوت سيبق يصحك في سره  وعلانية.
سدني
E-mail:abbasmorad@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments: