عوائق الفهم في عوالق الهدم/ خليل الوافي

يصعب فهم ما يجري من حولك ، تكابد جاهدا تقصي كنه الأشياء التي تنفلث منك ، دون جدوى ؛ تظل عوالق الفهم مستعصية لركوب السهل الممتنع ؛ لا تستسلم بسهولة الجبناء ، كن قويا بما يكفي عند حدود إستعابك للأشياء ثمة خيط رفيع لا تراه العيون المشبعة بالنوم الطويل ، و الشخير المتصاعد من فتحة المدخنة ، قد يبدو الأمر مستحيلا فك رموزه التي صنعها غيرك ؛ لا ترفع رايتك البيضاء كلما شعرت بالعجز، قاوم نفسك الضعيفة المستكانة لواقع مستهلك حد التخمة دون أن يفكر ، و لو مرة ؛ كيف لي أن أكون فاعلا في مجتمع آيل للزوال بفعل السلوك العديمي و النفعي الذي يغطي حلقة التواصل الإجتماعي بين بني البشر ٠
إسأل نفسك مرة واحدة في عمرك الذي ينقضي كل لحظة ، ماذا صنعت في هذه الدنيا و ماذا تركت ؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى جواب واحد ، هل لك بصمة في الحياة ؛ هل تعتقد كما يعتقد الآخرون أن رحلة الحياة سوى أكل و شرب و نوم و إشباع رغبات ؟ غريبة ؛ هي أطوارنا و تصرفاتنا التي لا تنسجم مع الرسالة الربانية التي أودعها في خلقه منذ النشأة الأولى ، أمة إقرأ، بكل ما تحمله الكلمة من معنى ؛ هل نحن فعلا أمٌة إقرأ ؟أم شيء آخر بعيد عن جوهر المعرفة و طلب العلم ؟٠
إشارات سريعة توحي أن الأمر يستحق أكثر من وقفة ، و أكثر من عمل مادام الوضع يزيد صعوبة و تدهورا ، و ينذر بالأسوء ، الذي بدأت بشائره بالزحف يواكب حالة التصحر التي أتت على الأخضر و اليابس ، ولم يعد الوضع يحتمل في ظل التهاون المحلي و الإقليمي ، ولائحة الخذلان تتسع و تطول ، و التآمر الدولي على الثقافة القطرية بكل مكوناتها التراثية و التقليدية و متنها الشعبي ؛ إنها حرب شرسة ضد رموز الحضارة العربية بكل مقوماتها التي تختزل إرث الشعوب ٠
الأمر يحتاج إلى إرادة قومية ، تخرج من رفات المقارب و تعلن معجزة الحياة التي تخرج من ظلمات الموت ، لا يسعنا المجال للخوض في التفاصيل المتشعبة التي تكرس حالة الجمود الفكري ، و السبات الثقافي الذي يطبع أغلبية الحراك التنويري في أكثر من قُطر ٠
ماذا نحن فاعلون ؟ لاشيء ؛ في ظل هذا التهاون المعلن و الصريح الذي تمارسه سياسة المؤسسات الحاضنة للفعل الثقافي في بلدانها ؛ ثمة خيبة أمل بادية على وجوه من يهتم بهذا الحقل الحساس و الوازن في بنية الفكرالعربي الآيل للسقوط ٠
ويظل الوضع الثقافي يعاني الأمرين ، سياسة التهميش ، و غياب المثقف الحقيقي من دائرة السؤال المنطقي في خلق فضاء توافقي بين أشكال الوعي ، التي تتعارض مع نهج الإدارة ، و خططها الرامية إلى تقزيم حجم التداول الثقافي قدر الإمكان ، و إرساء طابع الإرتجال ، وملأ الفراغات الممكنة بحالة الفرجة الصاخبة في مهرجانات مبرمجة سلفا على النوع الذي تقدمه ٠
مرغمون على خوض غمار تجربة الحياة بنكهة خاصة و راقية ، لكن الأمية لم تدع بيتا و استقرت فيه ، و أصابت الطلاب بوباء الجهل و قصر النظر ؛ هي كارثة بحجم الطوفان القادم في أقسام التعليم ، و المناهج المتبعة و الميزانات المخصصة لقطاع التعليم و التربية ، و القائمة تطول و تتدهور حالة الوعي الجماعي بما نحن فيه ، و على أي مقياس نتطلع إلى المستقبل ٠
العقل العربي يعيش منذ فترة زمن الإغتراب و الإقصاء ، و أضحى مغتربا في وطنه و بين أهله ، ولم يعد قادرا على إستيعاب ما يجري من حوله ؛ سالبا و مستهلكا بدرجة أوسع و أكثر عمقا مما كان عليه في بداية الخمسينيات و منتصف الستينيات ، وبروز الوعي العربي في أشكال الخطاب العقلي و منتجات الفكر الفلسفي التي تتناول جوهر إشتغالات أهل الفكر و الأدب على خصوصية التميز التي كان العقل العربي ينهل منها أسس النهضة ٠
لا ربيع الثورة تفتقت تماره ، و لا ربيع الشعر تناثرت أوراقه على من يستحق نظم أبياته ، و تداعت في أسواق عكاظ صرخة شاعر ، و تبخر حلم القدس في العودة ، و دخلت فلسطين في جلباب ثورة الرماد في تجليات غضب الشارع العربي ، ماذا تبقى إذن ، من كل هذا الذي نحن فيه ؟ ٠

 كاتب و شاعر من المغرب
كتب في طنجة بتاريخ : 12/03/2013

CONVERSATION

0 comments: