استضاف البرنامج الإخباري في القناة التلفزيونية الإسرائيلية العاشرة، مساء الأحد (05-06-2011) المعروف باسم مقدما البرنامج "لندن وكيرشنباوم" رئيس بلدية الناصرة العليا، المدعو شمعون جابسو ، المعروف سلفا بمواقفه العنصرية المتطرفة ضد المواطنين العرب الذين يشكلون اليوم أكثر من 16% من سكان الناصرة العليا،عدا نسبة أخرى كبيرة غير مسجلة رسميا ، والتقدير ان العرب في الناصرة العليا لا تقل نسبتهم عن %20 على الأقل.وأقيمت الناصرة العليا كمدينة يهودية على جبال الناصرة والقرى المحيطة بها، أشبة بالمراقب على المنطقة. وكان جابسو قد منع نصب شجرة عيد الميلاد في ساحات الناصرة العليا، رغم أن عدد المسيحيين في الناصرة العليا ، كبير جدا، وليسوا من المواطنين العرب فقط ، بل هناك أكثرية مسيحية روسية من الهجرة الجديدة ، الذين وصلوا بأشكال مختلفة، بسبب علاقة يهودية واهية ، ولكنهم لم يتخلوا عن ديانتهم المسيحية، بل هناك ظاهرة تدين مسيحية شديدة بين الروس من القادمين الجدد ، ويقدر عددهم اليوم في إسرائيل بنصف مليون مسيحي على الأقل، وهم ينظمون صلواتهم في البيوت ، مع كاهن عربي اورتوذكسي من الناصرة درس اللاهوت في مدارس الكنيسة الروسية الأورتوذكسية البيضاء في نيويورك ويتقن اللغة الروسية تماما ، وقبل فترة قصيرة رُسم كاهن اورتوذكسي جديد من المهاجرين الروس .والكاهنان العربي والروسي، يقدمان خدمات دينية هامة ، ليس في الناصرة العليا فقط ، إنما في العديد من المدن الإسرائيلية من الجنوب إلى الشمال مما يثير ضدهما تحريضا واسعا ، بل واعتداءات عدة.
إن منع نصب شجرة عيد الميلاد هو تفكير عنصري ضيق ومريض ، الناصرة العليا تمتلئ محلاتها بزينة أشجار الميلاد وأشجار ميلاد اصطناعية ، وأضحت تجارة مربحة جدا وموسمية. إلى جانب ذلك أكثر المحلات بيعا وأرباحا هي المحلات التي تبيع لحم الخنزير وجميع مشتقاته، والمأكولات المحظور تناولها حسب الدين اليهودي، وهناك عدة شبكات تجارية كبيرة ( سوبر ماركتات ضخمة) في الناصرة العليا والعربية وغيرها، أكاد أجزم أن كل المهاجرين الجدد من يهود روس وغير روس، أي من الكثير من يهود علمانيين أو مسيحيين روس يتعاملون معها . وربما يكون عدد المسيحيين في الناصرة العليا، من العرب واليهود ، ما يقارب ( تقديرا) 30%-35%.ألا يستحقون أن تحتفل بلديتهم بأعيادهم وتزين شوارعها بشكل مناسب؟
لو منعت طائفة يهودية من مظاهر احتفال ديني في أي قرية أوروبية نائية لقام الصراخ ضد اللاسامية.
في المقابلة أكد جابسو انه لن يسمح ببناء جامع للعرب المسلمين في الناصرة العليا، متحججا بما يجري في أوروبا. القانون الاسرائيلي يحدد عدد معين من المواطنين من طائفة ما ، لبناء معبد لهم، وهذا يخص المسيحيين والمسلمين واليهود.
لست من دعاة الدين، أنا علماني، ولا يعني ذلك أن أقف ضد حقوق المتدينين في بناء دور عبادة. ومن حق كل إنسان أن يحصل على الحقوق الدينية المتساوية. وهذا لا يعني الحق بالتحريض وقمع حقوق تابعي الديانات الأخرى كما يتصرف السيد العنصري غابسو.
السؤال المركزي في البرنامج كان حول تزايد السكان العرب، وازدياد عدد العائلات العربية التي تشتري منازل لها في الناصرة العليا، بأي حق يفعلون ذلك؟ وهل سيجيء يوما ما تصبح فيه الناصرة العليا التي أقيمت لليهود، ضمن خطة تهويد الجليل، مدينة ذات أكثرية عربية أو يكون عدد العرب فيها مؤثرا ؟
بالطبع لم يعط جابسو جوابا واضحا، إنما تهرب حول احترام بلديته لكل مواطن، وحول تعميق المشروع العنصري للسلطة منذ طرح بن غوريون في أواسط الستينات إقامة مدينة الناصرة العليا، لتشرف على المدينة العربية التاريخية ، ناصرة المسيح. ضمن مشارع اسرائيل العنصرية لتخليص الأرض من يد العرب، ومع ذلك ما زال معظم سكان الجليل من العرب، رغم حصتهم الصغيرة جدا في الأرض، الأمر الذي يقض مضاجع العنصريين.
ولكن ما أقلقني أكثر ، ليس عنصري مكشوف ومفضوح، انما لفت نظري في نفس اليوم، برنامجا في راديو إسرائيل- ب، مع باحث عربي اكاديمي، لا أريد ذكر اسمه ، الموضوع هو المهم، تحدث حول المدن المختلطة وانتقال العرب للسكن في مدن يهودية، وسؤل هل يقبل العرب مثلا أن يأتي يهود ليسكنوا في مدنهم، مثلا في مدينة الناصرة؟
جواب الباحث العربي كان ساذجا جدا: اجل لا نعترض.
غابت عن الباحث ، نقاط أساسية هامة. الموضوع ليس أن يسكن اليهود في البلدات العربية. إنما حل مشكلة الإسكان للجماهير العربية، بعد أن صادرت الدولة 90% من الأراضي العربية ، وحرمت مدننا وقرانا من اراضيها ومن امكانيات التطور الطبيعي ، وفقدان البلدات العربية لمشاريع اسكان تعطي الحلول للجيال الشابة، ولمناطق صناعية يمكن ان تقوم فيها صناعات مختلفة، وخاصة صناعات تكنلوجية مثل الهايتك، الذي تعتبر اسرائيل احدى الدول الأكثر تقدما في مجالة ويشكل معظم صادراتها، ونسبة العرب في هذه الصناعة لا يتجاوز 3%، أي فتح المجال للتطور الاقتصادي امام الناصرة خاصة والوسط العربي عامة، اسوة بما هو قائم في البلدات اليهودية، وبالتالي خلق فرص عمل لآلاف العمال والخريجين الجامعيين، بدل نسبة البطالة المرتفعة، والخروج للعمل في المدن اليهودية ومنها مدينة الناصرة العليا التي تشغل الاف العمال العرب من منطقة الناصرة.. بينما الناصرة تعتمد اساسا على التجارة والسياحة وبعض المشاغل الصغيرة، وهناك حركة نزوح تجار وصناعيين عرب، من الناصرة وقراها الى الناصرة العليا بسبب ضيق المساحات والاكتظاظ بالشوارع، والبنى التحتية المتخلفة، وغير ذلك من مشاكل بسبب فقدان مناطق صناعية توفر الشروط الموضوعية للمؤسسات الاقتصادية او التجارية.
اليوم بيد العرب 3.5% فقط من الأراضي.هذا الواقع لا يترك خيارات كثيرة للشباب العرب إلا التوجه لمدن مثل الناصرة العليا اليهودية وكرمئيل اليهودية في الشاغور لشراء منازل والسكن فيها. وهي مدن أقيمت على الأراضي العربية المصادرة.أرادوا بلداتهم يهودية نظيفة من العرب ..ولكن حقنا بالسكن في ارض وطننا هو حق إنساني قبل أن يكون حق قانوني ، خاصة في ظل التمييز القومي الذي يحرم البلدات العربية من إمكانية التطور والاتساع لاستيعاب الأجيال الجديدة..
إسرائيل هدمت 520 بلدة عربية على الأقل عام 1948 ، قسم كبير من سكان هذه البلدات هم لاجئون في وطنهم. وبنيت على خرائب البلدات العربية وعلى الأراضي المصادرة أكثر من 700 بلدة يهودية ،ولم تبنى أي بلدة عربية إلا بلدة بدوية في النقب بهدف تركيز السكان البدو ومصادرة أراضيهم وتجهيز الأراضي لمصلحة الاستيطان اليهودي والصناعات المختلفة. وهناك مشروع جديد مطروح اليوم لبناء مركز سكاني بدوي آخر في النقب لمصادرة أو وضع اليد على مليون دونم من الأراضي التي يقيم عليها البدو حتى قبل قيام إسرائيل. ومشكلة البدو أن أراضيهم مسجلة باسم المندوب السامي البريطاني، ولا يملكون أوراق طابو رسمية ، رغم أنها أرضهم أبا عن جد ، ولكن القانون الإسرائيلي يعتبرها أراضي دولة( بصفتهم ورثاء المندوب السامي) وأصحابها مقيمين غير شرعيين على الأرض. وهناك قرى كاملة غير معترف بها ومهددة بالهدم، بل وتهدم أحياء كاملة فيها ، رغم أنها قائمة قبل دولة إسرائيل.
الباحث العربي غاب عنه أن خيار السكن أمام المواطن اليهودي مفتوح وواسع،امامه 700 بلدة متطورة من حيث الشوارع، البنى التحتية، الخدمات،المناطق الصناعية وفرص العمل الواسعة ،المدارس الممتازة ، والبيئة الجميلة والنظيفة، بينما ذلك ما دون المتوسط تماما في البلدات العربية، أو سيئ وضيق جدا في البلدات العربية. والسؤال ليس ان يأتي يهودي للسكن في بلدة عربية، اصلا هل يقبل ان يسكن في بلدة تدريجها الإجتماعي الاقتصادي حسب سلم من عشر درجات هو في الدرجات الأربعة الأولى ، بينما أي بلدة يهودية مدرجة في المستويات الأربعة الأخيرة من السلم؟ هذا احتمال غير وارد اطلاقا .ليأتي إلى الناصرة ، أهلا وسهلا، نحن لسنا عنصريين ، ولكن من يختار مدينة مكتظة بالسكان، 85 ألف مواطن على مساحة – 14الف دونم أو أقل، ثلثها أراضي أديرة وكنائس خارج سلطة البلدية ( صودرت أراضي الناصرة والقرى المحيطة بها لبناء الناصرة العليا)، بينما الناصرة العليا مثلا ، 50 ألف مواطن على مساحة 65 ألف دونم على الأقل وتتسع باستمرار على حساب البلدات العربية، مع خدمات ارقي وإمكانيات عمل أوسع ، وشوارع نظيفة وواسعة، ومدينة متطورة وليست مجرد قرية كبيرة، اسمها مدينة بلا بني تحتية مناسبة لمدينة عصرية.. واكتظاظ سكاني كبير واكتظاظ في حركة السير وغياب مناطق صناعية متطورة، وفقر في الخدمات المختلفة، وفرص عمل شحيحة جدا، وغياب مناطق خضراء بعد أن اضطر السكان لاستعمال كل متر فراغ للبناء عليه. تماما كما يبحث الإنسان اليهودي عن مكان مريح لسكناه، وليس داخل صناديق تسمى بيوتا، بلا ساحات وبلا بساتين وبلا ملاعب للأطفال، كذلك المواطن العربي، والناصرة العليا مريحة جدا لنا وأرضها تحب وقع أقدامنا وتسكرها انفاسنا، ولا نسكنها لطرد أحد ..بل لنعيش مع الجميع بجوار طيب!!
حتى تجار الناصرة وصناعييها انتقل بعضهم لمناطق تجارية وصناعية في الناصرة العليا بسبب الاكتظاظ وفقدان المواقف المناسبة، وضيق إمكانيات التطور في الناصرة العربية. كذلك كل مؤسسات الدولة الهامة جرى نقلها للناصرة العليا، من محاكم ومكاتب وزارات ، وكل الخدمات للسكان العرب من منطقة الناصرة، تجري في مكاتب الوزارات في الناصرة العليا. عمليا الكثير من بلداتنا تحولت إلى فنادق للمبيت ليلا بعد العمل في المدن اليهودية .
النقطة الأخرى التي غابت عن الباحث العربي أن المدن اليهودية أقيمت على أراضينا المصادرة وحقنا بالسكن في كل مكان نختاره. نحن لسنا غرباء ، من يريد أن يجاورنا أهلا وسهلا ومن لا تعجبه جيرتنا ، في الناصرة العليا مثلا، أمامه 699 بلدة أخرى في كل أنحاء الدولة ، ولن نتهمه بالعنصرية لاختياره بلدة بلا عرب ، هذا حقه كمواطن!!
ونقطة أخرى، هناك تمييز قومي في مخصصات الأراضي للتطور يحرم البلدات العربية من مخصصات مشابهة لما يقدم للبلدات اليهودية، حتى للتوسع الطبيعي، واقع السكن في الناصرة لم يعد محمولا بدون حلول لمشاكل مستعصية مثل المواقف والمواصلات وزحمة السير والمناطق الصناعية ومشاريع تطوير للبنى التحتية والإسكان. وحتى لو خصصت مساحات جديدة لبناء مساكن جديدة، ازمة السير في الناصرة أضحت قاتلة وتزداد سوءا، ليس بسبب قصور من السلطة المحلية، إنما من واقع محاصرة الناصرة وحرمانها من أراضيها. وهذه حال مدينة سخنين وغيرها من البلدات العربية.
دعوت مرة قيادات الجماهير العربية إلى رؤية الناصرة العليا والمدن والبلدات اليهودية المقامة على أراضينا كامتداد طبيعي لمدننا وقرانا المجاورة لها، وضرورة حث الشباب على السكن فيها، وان تقوم لجان تساعد الشباب على شراء المنازل . وهناك سابقة قانونية يجب استغلالها، يبدو أنها منسية من زعماء ( لا يشغل بالهم إلا الوصول لعضوية الكنيست -البرلمان) أو مناصب في السلطات المحلية، والقضية التي أعنيها شغلت إسرائيل وإعلامها في وقته، حين حاول مواطن عربي اسمه عادل قعدان الحصول على قطعة أرض في بلدة اسمها كتسير ليبني بيته هناك أسوة بمواطنين يهود.. طلبه رفض بحجج واهية، شغلت المحاكم وقتا طويلا حتى وصلت لمحكمة العدل العليا ، وكان قرار المحكمة صفة مدوية للجهاز العنصري للدولة، وللعنصريين جميعهم، جاء في قرار المحكمة الذي يعتبر سابقة قانونية :"إن المساواة في الحقوق بين جميع بني البشر في إسرائيل، مهما كانت ديانتهم وبغض النظر عن قوميتهم ، نابعة من قيم دولة إسرائيل". ولكن بدون تحرك سياسي وقانوني وشعبي سيظل القرار حبرا على ورق!!
اليوم هناك محاولات لإقرار قانون عنصري التفافي على هذا القرار يعرف باسم "قانون لجان القبول" ، أي يخول لجان قبول في البلدات اليهودية ( من يشكلها؟)أن تقرر قبول شخص أو رفضه، وواضح إن الرفض سيكون من نصيب العرب فقط ، وقد لا يمر القانون أمام المحكمة العليا، ولكني لا ارى فعلا نضاليا لمواجهة مثل هذه القوانين !!
إن الإجحاف بحق المواطنين العرب من المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، ليست وليد الصدفة، ولن تنتهي ببعض الهبات والكرم الطارئ. المطلوب تغيير جوهري بصورة عميقة وشاملة، تشمل إعادة النظر في الغايات العليا التي توجه سياسة الدولة بما يتعلق بالمواطنين العرب. المؤسسة تتعامل مع المواطنين العرب من منطلق الهيمنة والسيطرة ، بحرمان الجماهير العربية من حقوق مواطنة أساسية، على رأسها الأراضي والتخطيط، وميزانيات السلطات المحلية والرفاه الاجتماعي ،والتربية التعليم، والتطوير وفرص العمل وغير ذلك من الحقوق الأساسية لأي إنسان في مجتمع بشري متطور، كما هو في المجتمع الإسرائيلي عامة. هذه حقوق اساسية وليست هبات سلطوية، بالطبع لا أتجاهل وجود قضية قومية، ولكني كمواطن لي الحق الكامل بالمساواة، وارى أن معركتنا للمساواة لا تقل أهمية عن معركتنا لإقرار حقوق شعبنا بدولة مستقلة، وحل عادل لمشكلة اللاجئين. إن الوضع مع هذه الحكومة الأشد عنصرية في تاريخ إسرائيل يسير من سيئ إلى اشد سوءا.
ولا بد من تحرك منظمات ومؤسسات وتنظيمات الجماهير العربية بشكل مدروس ومنسق!!
nabiloudeh@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق