مصالحة سكر زيادة/ د. إبراهيم حمّامي

رفع زعيم حركة فتح السابق ياسر عرفات شعار "ديمقراطية سكر زيادة" في وصفه للحالة الفلسطينية وأسلوب قيادتها طوال عقود من الزمن، التي ما كانت تعرف في حينها إلا التفرد المطلق وزعامة الفرد، والتحكم بكل الامكانات والموارد، ولتبرير التغير في المواقف والانتقال من مربع لآخر، ولتبرير الكوارث التي حلت بشعبنا من الأردن إلى لبنان وصولاً إلى فاسطين ومروراً بتونس.

هذه "الديمقراطية سكر زيادة" كانت وما زالت على ما يبدو المدرسة التي يتبعها تلاميذ عرفات، خطوة بخطوة، في محاولاتهم التسويف والمماطلة واستغباء عقول البشر، ولطالما لعبوا على وتر أنهم هم وليسوا هم، أي نسب الايجابيات – ان وجدت – لهم على اعتبار أنهم حركة فتح، والتبرؤ من السلبيات – وما أكثرها – لتصبح مسؤولية م.ت.ف أو السلطة، وعلى سبيل المثال: السلطة الوطنية هي مشروع وانجاز وتنفيذ حركة فتح، لكن ممارسات السلطة التي تقودها فتح بأكملها لا علاقة لفتح بها، مثال آخر: فتح ورئيسها ونوابها في المجلس الوطني اعترفوا وبصموا بشرعية "اسرائيل" على أرض فلسطين، وباعوا وتنازلوا عن 78% منها دون مقابل، لكنهم يرددون أن فتح لم تعترف بل م.ت.ف، وهكذا دواليك.

اليوم نشهد "مصالحة سكر زيادة"، يعطيك من طرف اللسان حلاوة، ثم يلعق لسانه وكلامه وكأنه لك يكن، والحجة هي ذاتها إبان مرحلة عرفات، لا علاقة لفتح بما يجري، حتى ولو كانت كل الجرائم يرتكبها أعضاء وضباط فتح!

ما نقصده هنا تحديداً هو ملف المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية المحتلة، والتسويق المقيت والقميء من قبل قيادات فتح وتبريراتهم التي لا تنطلي على طفل صغير، يحاولون اقناع الجميع أنه لا علاقة لفتح بالاختطاف والاعتقال، يعدون ساعة ويتراجعون بعد ساعات، يصرح كبير لهم فيناقضهم صغير منهم، وهذه عينة من المبررات السخيفة التي تساق في هذا الشأن:

· عضو لجنة الحوار صخر بسيسو قال الأسبوع الماضي أن عباس أصدر تعليماته للإفراج عن دفعة أخرى من المعتقلين – لم يحدث

· عدنان الضميري يقول بأن الحالات الموجود جنائية وبحاجة إلى عفو رئاسي – طبعاً أن نسى في وقت سابق اقراره بوجود معتقلين سياسيين

· عزام الأحمد أمام مفوض الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان - وهو رئيس كتلة حركة فتح بالمجلس التشريعي الفلسطيني، ورئيس لجنة فتح للحوار مع حماس - ينفي أن يكون لحركة فتح آية علاقة بالاعتقال السياسي الذي يمارس في الضفة الغربية

· أعلن مصدر مسئول رفيع المستوي في منظمة التحرير الفلسطينية عن الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين في الضفة وغزة نهاية هذا اليوم 07/06/2011

· ناطق فتحاوي يرد ويعلن أن محمود عباس سيعمل على إصدار مرسوم رئاسي, للإفراج عن المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية، فور عودته إلى رام الله من جولته الخارجية

· وناطق آخر يستدرك – أحمد عساف اليوم – قائلاً: إن ذلك الموضوع من المبكر الحديث فيه كون أن الفصائل لم تتفق بشكل نهائي على تشكيل الحكومة، مضيفاً: سيتم التطرق إلى ذلك الملف الشائك عبر لجان مشتركة من فتح وحماس, للإطلاع على أسماء المعتقلين والعمل على إطلاق سراحهم وفق للآلية التي سيتم التفاهم عليها بين الطرفين

الخلاصة أنه لم يطلق سراح أحد، بل زادت هستيريا الاستدعاءات ولم تتوقف حالات الاختطاف، ولم تسمح سلطة فتح في الضفة الغربية بفعاليات الاحتفال بتوقيع اتفاق ما يسمى بالمصالحة، اللهم إلا من مسيرتين في الخليل ونابلس امتلأت بمصوري الأجهزة الأمنية للتعرف على المشاركين، وتلتها استدعاءت لمن شارك.

هذا بالتأكيد لا يُعفي إطلاقاً حركة حماس من المسؤولية شبه الكاملة، لأنها من رمى بطوق النجاة والانقاذ لعباس وفريقه، فتلقفه عباس الذي أراد من توقيع ذلك الاتفاق القول بأنه رئيس شرعي يمثل الجميع دون استثناء، ليهرول بعدها نحو المبادرات الأمريكية والفرنسية وغيرها، استعداداً للدخول في جولة مفاوضات عبثية جديدة.

حماس أرادت أن تحصد مكاسب آنية من الاتفاق وكان على رأسها فتح معبر رفح بشكل دائم وكامل، ورفع الضغط عن أبنائها في سجون ومعتقلات السلطة، لم تحقق حتى الآن لا هذا ولا ذاك!

وقد زادت فتح المختطفة من قبل عباس ومن معه جريمة جديدة يوم أمس في مخيم اليرموك، بعد أن حرّك زعرانهم وهيّجوا الناس وهتفوا ضد الجميع باستثناء واحد هو محمود عباس، هتفوا ضد الفصائل كلها إلا فتح، لتبدأ آلتهم الاعلامية حملة من التضخيم والتوجيه، لغاية في نفس يعقوب.

لا نقول ذلك دفاعاً عن الفصائل الفلسطينية التي استغلت تأييد الشعب الفلسطيني لمسيرات العودة، للزج به في مواجهة أخرى لمآرب لا تخفى على أحد، يسقط منه الشهداء والجرحى، وتنفض القصة كأن لم تكن، وفي هذا يتساوى الجميع، ولهذا ثار الناس حمية وحزناً على من فقدوهم، لكن وباستغلال اجرامي من زعران كان من الواضح توجههم وهدفهم.

مرة أخرى لم يكن ما وقعوا عليه اتفاق مصالحة، بل كان في أفضل أحواله اتفاق علاقات عامة، أو اتفاق هدنة بين حركتي فتح وحماس، ولم يكن المستفيد منه إلا عباس ورهطه الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من الانهيار التام في أيلول/سبتمبر القادم، فجاءهم اتفاق القاهرة شريان حياة مجاني باسم المصالحة والوفاق والوحدة الوطنية، التي لا يعرفوها ولا يحترموها، بل يعملون ليل نهار ضدها.

للأسف نقولها أن "مصالحة سكر زيادة" التي تنتهجها فتح، وتطبقها حماس بمرونة غير مبررة مع هؤلاء، هي أبعد ما تكون عن السكر، بل هي مر علقم.

انطلق عباس في قطار مفاوضاته، وسيدير ظهره للجميع، حتى وان اطلق سراح المعتقلين، فالاحتلال كفيل وبتنسيق معه بإعادة اعتقال واختطاف من يخرج، لتبقى أجهزة العار الأمنية في الضفة الغربية تعربد كما تشاء وباسم القانون والشرعية، ولتتنصل فتح بما يقوم بها عناصرها وضباطها وميليشياتها.

وانطلقت حماس وبسبب اتفاق المصالحة اياها وما صاحبه في مرحلة جديدة من الاحتجاجات والسجالات الاعلامية لم تتوقف عند أعضاء مكتبها السياسي، بل انضم إليهم بالأمس وزير الأسرى السابق وصفي قبها الذي انتقد في بيان وزعه موقف حماس من موضوع معتقلي الضفة محملاً إياها المسؤولية – وقد صدق.

ولتعش المصالحة "سكر زيادة"!

CONVERSATION

0 comments: