قراءة قانونية لمرسوم العفو السوري رقم 61:/ المحامي محمد أحمد بكور


عفو عن جواسيس و خونة و أشرار و قلة من الأحرار

لقد أجبرت الانتفاضة الشعبية التي تعم المدن والمناطق السورية، والمطالبة بالحرية والكرامة النظام الحاكم المستبد على التظاهر بالاعلان عن نوايا اتخاذ اجراءات اصلاحية، وفي حقيقته يبطن العداء لكل المطالب المشروعة، إذ لم يكن يوماً جاداً بالاعتراف بها أو صادقاً بحل الازمة و أخراجها من منعطفها الخطير والمستقبل المجهول، و لم يتحل بالشجاعة ولو لمرة واحدة ويخطو خطوة لتهيئة المستلزمات الحقيقية.

ان مرسوم الغاء حالة الطوارئ كان شكلاً خالياً من المضمون، فالبديل كان من أسوء القوانين التي تنتهك حقوق الانسان في العالم، كما ان تسويف النظام وخداعه حول الحوار الوطني هو أشد وقعاً على الشعب من أسلحته الثقيلة؛ لانه فوت فرصاً كثيرة تضع حدأ لإراقة مزيداً من الدماء.و الطامة الكبرى إصداره المرسوم 61 لعام 2011 تحت عنوان العفو عن الجرائم المرتكبة قبل 31 أيار 2011، ومن المفترض أن يأخذ العبر من اتساع ساحة الانتفاضة وازديادها عمقاً وتصاعد وتيرة مطاليبها، ويتخذ اجراءات جدية وسريعة استجابة للمصلحة الوطنية كالاعلان عن مصير الاف المفقودين، وعفو عام عن جميع السياسيين، ولكن مجريات الامور والواقع أثبتت انه منغلق على ذاته، مشوش في عقله، متحجر في فكره، سادر في غيه، مزين له الشيطان سوء أعماله، فبعد أكثر من أربعين عاماً أصدر المرسوم 61 باسم العفو العام، وان هذا العفو ليس عن الوطنيين الشرفاء وان شمل عدداً قليلاً منهم، ولم يشمل العقوبات عن الاف السياسيين الملاحقين، أو المحكومين بموجب المواد 292 الى 310 والمرسوم التشريعي رقم 6 لعام 1965، وبموجب هذه المواد صدرت أحكام على عدد كثير من المناضلين، وعلى سبيل المثال لا الحصر قرار محكمة أمن الدولة العليا المؤرخ في 3 آب 1971، وبقرارها رقم 35 أساس / 19 / المتضمن أحكاماً مختلفة منها الاعدام، وكاتب هذه السطور أحدهم، ويعيشون في المنافي منذ 42 عاماً ويعانون الآم غربة الأهل والوطن.

لقد شمل هذا العفو أفراداً من جماعة الأخوان المسلمين، وهذا لا يعدو الا دس السم في الدسم ورشوة مفخخة، اذ أبقى على القانون 49 نافذاً والقاضي بحكم كل منتسب لها بالاعدام وسيفاً مسلطاً على الرقاب، لقد أخرجهم من السجون و لازالوا يحاكمون بالقانون 49 ليستدرجهم إلى المقابر، ومحاولة لإعاقة تجمع المعارضة باثارة الشكوك بينها بعد أن تجاوز الزمن أكثرها، وارتفع الجميع الى المستوى الذي تفرضه المسؤولية الوطنية.

اننا لم نفاجأ بهذا الدجل والغش، فهو ليس من صفات السلطة الحاكمة فقط بل انه من طبيعتها العضوية و تركيبها النفسي، فهذا العفو بحقيقته عفو عن الاشرار وليس عن الأخيار والأحرار ولا نقول هذا تعسفاً وظلماً؛ لانه حصل عليه المجرمون الجنائيون والفاسدون.

وان قراءة بسيطة من أي مواطن وليس من المختصين للمواد التي شملها و سنعرضها أدناه و مقارنتها بقانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 في 22-6-1949 و تعديلاته و الذي استند إليه العفو المزعوم يجد :

· المواد 341 إلى 345 هي الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة، والرشوة والفساد والاختلاس، واستغلال الوظيفة.

· المواد 386 و387 جرائم اتلاف وثائق رسمية، أو صكوك خاصة بالسلطة العامة.

· المواد 263 الى 268 عن الخيانة، وحمل السلاح في صفوف العدو، أو الانضمام الى صفوفه، وعلى من قدم طعام أو سكن لجاسوس أو اواه.

· المواد 271 الى 277 عن التجسس والصلات غير المشروعة بالعدو.

· المادة 397 عن شهادة الزور، والترجمة الكاذبة، واليمين الكاذب.

· المادة 427 تقليد خاتم الدولة، والعلامات الرسمية.

· المادة 430 تزوير العملة.

· المادة 440 تزوير الطوابع.

· المادة 445 تزوير جنائي - كصنع صك أو تغيير مضمونه -.

· المواد 450 الى 460 تزوير سجلات وبيانات رسمية، ومصدقات كاذبة.

· المواد 476 الى 477 السفاح بين الاصول والفروع.

· المواد 489 الى 496 الاغتصاب والفحشاء.

· المواد 502 الى 507 الخطف، والاغواء، والتهتك، وخرق حرمة الاماكن الخاصة بالنساء.

· المواد 509 الى 514 الحض على الفجور.

· المواد 517 الى 520 التعرض للآداب والأخلاق العامة.

· المواد 525 الى 528 الاجهاض.

· المواد 573 الى 578 الجنايات التي تشكل خطراً شاملاً كحرق أبنية و مصانع و مخازن .....قصداُ.

· المواد 582 الى 583 تخريب طرق النقل والمواصلات.

· المواد 622 الى 636 السرقة والاغتصاب والتهويل.

وبناء على ما تقدم هل هذا عفو عن الشرفاء أم عن الجواسيس والخونة والعملاء والمزورين والفاسدين والسراق ومرتكبي الفواحش؟ ولهذا فهل هذا النظام مؤهل لمحاربة الفساد والنهوض بالبلاد؟ و هل هو أمين على حماية الوطن من العملاء؟ الإجابة لا. لأننا نعرفه جيداً، فلقد قضينا سنة في سجن المزة العسكري وشاهدنا خلالها جواسيس العدو الصهيوني يسمح لهم بالتنفس يومياً في باحة السجن في الهواء الطلق و يسرحون و يمرحون و المناضلون محرمون منه، وكم من مرة أصدر الأب والابن عفواً عن هؤلاء الجواسيس. و هو ليس أميناً على أرواح المواطنين الرافعين لأغصان الزيتون تعبيراُ عن سلمية التظاهرات فحصدتها أسلحته، و دبابته تدك المدن و القرى وتشن حرباً شرسة و قذرة على درعا و حماه و حمص و تل كلخ و اللاذقية و بانياس و جسر الشغور ......و مصراً على نهج الطغيان، ولذلك فان هذا النظام السرطاني عصي عن العلاج، وعلاجه الوحيد هو الاستئصال لراحة الوطن والأمة منه و إقامة مجتمع الحرية و العدالة و المساواة.

 

CONVERSATION

0 comments: