تجربة صحيفة "الطليعة" المقدسية ودورها السياسي والثقافي/ شاكر فريد حسن

لا شك أن للصحافة الفلسطينية دور طليعي وريادي بارز في نضال وتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية ، حيث أنها شكلت منبراً أساسياً في تحريك الجماهير وتعبئتها سياسياُ ونضالياً، وفضح ممارسات الاحتلال الوحشية وانتهاكاته لحقوق الانسان.
وقد شهدت المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 في السبعينات من القرن المنصرم،حراكاً ثقافياً نهوضياً ، وبدات بالصدور العديد من الصحف والمجلات والدوريات الثقافية والادبية والفكرية، التي ساهمت في رفد النهضة الادبية والثقافية الفلسطينية . ومن بين هذه الصحف أسبوعية"الطليعة" المقدسية ، التي صدر العدد الاول منها سنة 1978 ، وكانت مدرسة في الكفاح والنضال ضد الاحتلال ، والناطق بصوت العمال والفقراء والنقابات العمالية ، والمعبر عن هموم وقضايا الطبقة العاملة الفلسطينية ، والمدافع الأمين عن حرية المرأة وحقوقها المطلبية والاجتماعية .
ورئس تحرير "الطليعة" بين الأعوام 1978 ـ 1994 القائد الوطني والشيوعي الراحل ، والشخصية السياسية البارزة بشير عبد الكريم البرغوثي ( 1931 ـ 2000) وهو أول أمين عام لحزب الشعب الفلسطيني ومؤسس الحزب الشيوعي الفلسطيني . في حين أشغل الكاتب والأديب محمود شقير رئاسة التحرير بين السنوات 1994 ـ 1996.
حملت "الطليعة" راية الفكر التقدمي العلمي المتنور والعمالي الطبقي المعادي للاستغلال ورأس المال ،ولواء النضال والكفاح ضد الاحتلال والقهر الانساني والبطش الرأسمالي والأمبريالي . ودعت الى تصفية وانهاء الاحتلال واقامة الدولة المستقلة ، ونادت بالسلام العادل وأخوة الشعوب والتضامن الاممي. وساهمت في التوعية السياسية واحياء تراث وتقاليد شعبنا الأصيلة .
كما قامت "الطليعة" بنشر الكلمة الوطنية الصارخة والغاضبة والثقافة التقدمية والديمقراطية الجديدة على أسس علمية ، كعامل أساسي وايجابي في بلورة التراث الادبي ودمج النضال السياسي والثقافي في المعركة الحضارية من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية ، وفي سبيل التحرر والاستقلال.
وكانت "الطليعة" خصصت بين صفحاتها ملحقاً للثقافة والأدب ، أشرف عليه الكاتب والناقد الفلسطيني الكبير الراحل محمد البطراوي "أبو خالد" . ولهذا الملحق دور عظيم في ارساء الادب الواقعي والجمالي الفني الملتزم ، وتنشيط الحياة الثقافية الفلسطينية والتجديد في الحركة الوطنية .
ويقول المرحوم محمد البطراوي عن دور "الطليعة" الثقافي :" ساهمت الطليعة في الحركة الثقافية من منطلقين : أولهما ـ رصد الفعاليات الثقافية والادبية ، وثانيهما ـ الدفع بالناشئة الى مستويات الابداع الحقيقي.وقد حملت مشعل التغيير ، المرتكز على الأصالة واستلهام روح الجماهير وتراثها الانساني التقدمي ، ومن هنا فأن هموم الطليعة الادبية تتجسد في ربط الادب بالحياة والمستقبل . ولذلك فان روح التفاؤل والتعبير عن اماني وطموحات الكادحين والمضطهدين الذين يتوقون ويناضلون من أجل وطن حر وشعب سعيد هي العنوان العريض الذي تندرج تحته كل الأعمال الادبية التي كانت تصبو الطليعة الى اظهارها في صفحتها الادبية . كما ان محاربة أيديولوجيات الاحباط ومفاهيم النقد البرجوازي والجماليات الرأسمالية هي احدى اسلحة الطليعة لخلق أدب التغيير ، الأدب الجديد المفعم بالكرامة الانسانية . كذلك ساهمت الطليعة دائماً في اللقاءات والمحاورات المكشوفة مع الكتاب بالتفافها معهم ومناقشة أعمالهم في حوار ودي لفضح المفاهيم الشائعة حول عملية الابداع الفني ومن اجل الوصول الى جماهيرية الادب ".
و"الطليعة" كغيرها من الصحف والمجلات والدوريات عانت من اوضاع مادية واقتصادية صعبة ، أدت الى اغلاقها واحتجابهافي منتصف التسعينات.
وللاجمال، أن "الطليعة" تجربة صحافية وثقافية رائدة في الدفاع عن قضايا ومصالح الناس وفقراء الشعب والوطن ، وعن القضية الفلسطينية ، وعن قيم النضال والاخلاق ، ولها اسهام في تبلور ثقافة نضالية وثورية جديدة ضد الاحتلال وعلى ساحة الفعل النضالي والثقافي الفلسطيني . وقد عرفت دائماً بمواقفها السياسية الواقعية غير المتشنجة ، ومواقفها الوطنية والانسانية والتقدمية الواضحة المنحازة والمنتصرة للانسان المضطهد المغلوب الباحث عن وطن وهوية ، وخدمة الهدف الوطني السامي. وعمقّت الوعي السياسي الطليعي بين الاجيال الشبابية الفلسطينية، واحتضنت الكتابات الملتزمة للاقلام الفسطينية ذات التوجه التقدمي والعلمي والتفكير النقدي ، الملتحمة بحركة وصيرورة الجماهير وهمومها الوطنية والطبقية.

CONVERSATION

0 comments: