المبادرة الروسية دلالات ومعاني/ راسم عبيدات

جاءت المبادرة الروسية التي دعا فيها وزير خارجيتها  سيرجي لافروف  سوريا الى وضع ترسانتها الكيميائية تحت تصرف المجتمع الدولي،تلك المبادرة التي فوراً وزير الخارجية السوري وليد معلم المتواجد في موسكو رحب بها واعلن قبول سوريا لها،ومن ثم تواردت الردود عليها،فوزير الخارجية الأمريكي الذي قال بانه يتعين على سوريا تسليم اسلحتها الكيماوية للمجتمع الدولي خلال أسبوع لتجنب الضربة العسكرية الأمريكية،هذا المقترح الذي علق عليه المسؤولين الأمريكيين لاحقاً بالقول بأن ذلك مجرد سؤال"إفتراضي" وزلة لسان وليس موقفاً امريكياً رسمياً،ولكن التصريحات الأمريكية اللاحقة من تأجيل تصويت الكونغرس الأمريكي على تفويض الرئيس بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا،وكذلك تصريحات الرئيس اوباما بأن المقترح الروسي ينطوي على عناصر ايجابية،وما تلاه ايضاً من ترحيب حذر من قبل حليفتي امريكا بريطانيا وفرنسا،وكذلك ترحيب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بذلك.

كل ذلك يثبت بان هذا المقترح لم يكن وليد لحظته او ساعته،بل انه جرى مناقشته بإستفاضة على هامش قمة العشرين التي عقدت مؤخراً في بطرسبرغ بين الرئيسين بوتين واوباما،وان الكثير من العواصم ذات الصلة كانت مطلة على هذا المقترح،وجرى التشاور معها بشأنه،فإيران والصين وكوريا الشمالية لعبتا دوراً فاعلا في هذا الاتفاق،وكذلك  القاهرة وبغداد كانتا على علم به،والاتفاق لم يخرج الى حيز التنفيذ الا بعد محادثات يبدو انها كانت صعبة وشاقة،حيث ان امريكا وحلفائها،ما يهمهم  في تلك المحادثات والمقترحات ضمان امن اسرائيل اولاً قبل أي شيء،ولو ضمنت امريكا وحلفائها عدم ثبات وتزعزع الحلف السوري – الايراني- حزب الله،وكذلك تغير جوهري في المواقف الروسية والصينية والكورية الشمالية من دعمهم لسوريا،لقامت بعدوانها على سوريا،ولكن الهاجس الاول كان الخوف من  ضرب وتدمير اسرائيل والتي تعتبر الخط الحمر لأمريكا والغرب الإستعماري،فأمريكا والغرب الإستعماري لا يهمهم لا ديمقراطية ولا حرية ولا جيش حر ولا غيره ولا اطفال سوريا يقتلون بالكيماوي او غير الكيماوي،فهم في سبيل مصالحهم يقتلون ويغيرون انظمة ديمقراطية ويمارسون كل أشكال  البلطجة والإرهاب،والشواهد كثيرة وآخرها افغانستان والعراق،فأطفال اسرائيل وامنها هاجسهم الأول والأخير،وبالتالي ما تريده أمريكا والغرب الإستعماري تدمير ترسانة السلاح الكيميائي السوري الذي يهددها،كما ان امريكا  وحلفائها حاولوا فرض مجموعة من الشروط تتعلق بعدم ترشح الرئيس بشار الاسد للانتخابات القادمة وفك العلاقة بين قوى المقاومة وتدمير الصواريخ السورية،ولكن تلك الإشتراطات سقطت،وبقي الشرط الوحيد وضع سوريا ترسانتها الكيميائية تحت الإشراف الدولي،وبما يضمن لآوباما النزول عن الشجرة.

المبادرة الروسية تحمل جملة من المعاني والدلالات يقف في اولها ان امريكا لم تعد سيدة العالم وشرطيه الذي يقرر بشأنه،بل هي أضحت قطباً من عالم متعدد الأقطاب،فهي كانت تريد خوض الحرب،لكي تثبت سيادتها وقيادتها الأحادية للعالم،ولكن اصطدمت بحقائق جديدة على ارض الواقع فروسيا ايام العراق ليست روسيا اليوم،وكذلك الصين ودول البركس وايران وكوريا الشمالية،فهذا قطب لن يسمح بتجاوزه او وقوع مصالحة تحت رحمة امريكا،وكذلك تنامي الحالة الشعبية العربية المعارضة لبلطجة امريكا وعدوانيتها وأيضاً هي الحالة الشعبية العالمية  وانتصار وقيام  انظمة يسارية في امريكا اللاتينية معادية لامريكا،تلك القارة التي كانت تعتبر حديقتها الخليفة،هذه الحقائق لوت ذراع امريكا وأجبرتها للتراجع عن العدوان،خوفاً من ان تدفع ثمناً باهظاً،يطال هيبتها ويفقدها دورها القائد للعالم بشكل كبير.

وكذلك أثبتت المبادرة الروسية،بان الدب الروسي تعافى وعاد الى الساحة الدولية بقوة،وأصبح قادراً على فرض مبادراته السياسية والتقرير بشان العالم،ينازع ويزاحم امريكا على قيادة العالم والتقرير  في مصيره،وايضا ثبت ان حالة توازن الرعب التي خلقها(النووي الكوري الشمالي)،و(النووي الايراني) و(الكيماوي السوري) هي من جعلت امريكا تتخلى او تؤجل عدوانها على سوريا،وثبت بأن ايران قوة اقليمية قادرة ايضا على فرض شروطها،حيث أنها كانت مربط الدبلوماسية والتقرير بشأن هذه المبادرة الى جانب روسيا،فمهندس السياسة الأمريكية فيلتمان والمبعوث العماني زاروا طهران ومعهم وفود اوروبية أخرى، في محاولة لتقديم الكثير من المغريات لايران للتخلي عن سوريا،ولكن ثبات الموقف الايراني لجم الشهوة العدوانية الأمريكية.

وفي المقابل وجدنا أن من أصابه حالة من الهذيان والهستيريا هو العديد من مشيخات الكاز والنفط العربية التي كانت من أشد المبادرين والداعمين للعدوان على سوريا،وحتى دفع تكاليف الحرب عليها(السعودية وقطر والامارات  العربية)،وكذلك الطامح للخلافة وقيادة العالم العربي والاسلامي في انقرة على حساب الدم  والجغرافيا العربية،بالاضافة الى ما يسمى بقوى المعارضة في الداخل السوري،والتي فقدت اعصابها،واصبحت تقول بان امريكا قد باعتنا في سبيل مصالحها،ولا ننسى اسرائيل التي كانت تريد دماراً شاملاً لسوريا،يجعلها في امان لمئة عام قادمة على الاقل،ولكن أيضاً اسرائيل رغم ذلك كانت مربكة ومتخوفة من الرد العسكري من قبل سوريا وحلفائها.

الحرب العدوانية على سوريا لم تنتهي،بل تراجعت مؤقتاً،وعلى سوريا وحلفائها أن يبقوا في اعلى حالات الجهوزية،فالغرب الإستعماري وامريكا،همهم الأول والأخير من حروبهم مصالحهم  وبالذات النفط والطاقة وامن اسرائيل ووجودها وتفوقها،وسيواصلون العمل من اجل تدمير أية قوة عربية تشكل تهديداً لتلك المصالح ولإسرائيل ووجودها،وسوريا ومصر وجيشيهما هما في مقدمة هذا الإستهداف.

وما حدث من تراجع امريكي- استعماري غربي ما كان له ان يتحقق لولا صمود سوريا وشعبها وعقيدة جيشها الوطني،وتحالفاتها الإستراتيجية مع القوى العربية والإقليمية والدولية المتصادمة مع المشاريع والمصالح الأمريكية في المنطقة.

CONVERSATION

0 comments: