المال السياسي زينة الحياة السفلى/ جواد بولس

نشر النائب عن حزب التجمع في الكنيست الإسرائيلي، باسل غطاس، مقالًا/رسالةً وجّهها إلى قادة الجبهة والحزب الشيوعي الإسرائيلي تضمّنت تهديدًا سافرًا، بأنه، وآخرين، لم يفصح عن هويّتهم، لديهم وفرة من الأدلّة والتفاصيل عن تورّط الجبهة والحزب الشيوعي الإسرائيلي باستيرادهم ما أسماه مبالغ طائلة من المال السياسي.(انظر: "إلى قادة الجبهة والحزب الشيوعي" 12/9/2013 موقع عرب ٤٨). 
جاءت رسالة النائب غطّاس، وفقًا لما صرّح به، بعدما "تجاوزت صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية  كل الخطوط الحمر، وطفح ردحها" في افتتاحية نشرتها يوم 1/9/2013 وتطرقت بها لانتخابات بلدية الناصرة المقبلة: "ها هي اليوم تستعد لهزيمة حصان طروادة الطافح بالدولارات واليوروهات المشبوهة، التي تفوح بأكره وأقذر روائح العمالة والتواطؤ، والملطخة بأحقر موبقات التآمر، على فلسطين وعلى مصر وعلى سوريا وعلى لبنان، وعلى الناصرة!".
 لقد انتقى الكاتب هذا الاقتباس من افتتاحية لم تأت على ذكر قوائم منافسة أخرى، ولا على ذكر حزب بعينه، بل عاهدت الصحيفة الناصرة وهذا واجبها وحقها، أن تبقى بلديتها بقيادة جبهوية وقلعة في وجه أعدائها لأن للناصرة شعبًا يحميها.
إلى ذلك، استنتج الكاتب قائلًا:
 "ولا يحتاج القارئ إلى كثير من الحصافة لكي يعرف من هو المقصود بهذا الكلام. كل هذا لأن النائبة حنين زعبي وبتأييد من التجمع الكامل قررت خوض انتخابات الرئاسة في الناصرة". 
 لقد أثارت المقالة عدة  مواضيع أريد لها أن تبقى من المحرّمات، لا تقرب ولا تمّس. "الاتحاد" تتطرّق بتعميم ضبابي مستفز لهذه المحرّمة وتعلن: "لقد هَزمت الناصرة، بسواعد أبنائها وبناتها، سياسة الخنق الحكومي في السبعينيات والثمانينيات، وهَزمت، في التسعينيات وفي العقد الماضي، فتنة التأزيم والتقسيم الطائفي"، وتستعد الآن: "لحصان طروادة الطافح بالدولارات واليوروهات المشبوهة"، الجريدة كتبت نصًا فضفاضًا يحتمل تأويلات عديدة اختزلها النائب بإمكانية واحدة وحيدة، كمن على رأسه ريشة، فاستجلب التهمة نحوهم؛ فهو لا ينفي تهمة تلقي حزبه مالًا سياسيًا- كما فهمها منسوبةً إليهم في تلك الافتتاحية- بل ينقل التهمة للطرف المهاجم،  فيرد الصاع صاعين، ويعلن أنه لن يقسو على الجبهة والحزب الشيوعي، ولن يفصح بل "يحجم من منطلق المسؤولية الجماهيرية عن الخوض بالتفاصيل، وهي متوفرة لدينا بكثرة، وبالأرقام والوثائق؛ ذلك لأنه لا يزال لدي أمل بأن يتدارك الإخوة في الجبهة الأمور، ويتوقفوا عن المضي في غيهم".
 كلام في منتهى الخطورة. 
في الحقيقة كانت الرسالة تهديدًا ولائحة إتهام حرّرها قائد في حزب التجمع بحق جريدة ذات تاريخ ناصع مشرّف، جريدة قادت لعقود مسيرة نشر فكر تقدمي وثقافة إنسانية ومنبر شكّل حاضنة لكل من كتب كلمة حرّة وسعى وراء الأفق والشمس، ومفاعل صاغ عناصر ما زالت هويتنا الجمعية تعتاش منها وعليها، بما في ذلك ما يفاخر به ابن الاتحاد وفتاها سابقًا، كاتب المقال الشيوعي سابقًا التجمعي ونائبه الحالي في الكنيست الإسرائيلي د. باسل غطّاس.
 إنها لائحة اتهام تستوجب التوضيح والرد، لأنّها دمغت الاتحاد كما جاء بالمقالة أنّها: "تدين بمجرد استمرار وجودها لمال سياسي تمتد أصوله لآبار النفط والغاز، حيث لم نسمع عن اكتشافات نفطية في رام الله مؤخرًا".
 هل يعد هذا الكلام إحجامًا وتأنيًا وكلام صديق لحليف؟ هل حقًا؟ 
لا أعرف لماذا اندفع النائب غطاس وخصّ حزبه بما جاء في افتتاحية "الاتحاد"، فالمقولة كما صيغت يصح إسقاطها على أحزاب وحركات عربية وإسلامية كثيرة عرف عنها، جهارة أو خفية، بأنها ذات حظوة في بلاط أمراء ورؤساء ومشايخ؟ 
إلى حد بعيد من الجائز اعتبار مقالة النائب غطاس دعوة لفتح نقاش علني مسؤول حول موضوعة المال السياسي، ما تعريفه؟ ما المحظور فيه وما المرغوب؟ ما يصب في صالح الجماهير العربية وما يصب في صالح خندقة هذه الجماهير وتنمية قيم الفرقة والاستعباد، الرشوة والارتشاء، متى يكون هذاالمال غنيمة ذات نفع للمجموع، ومتى يكون مقابل ذمة يدفعها هذا الحزب وذاك القائد؟ 
علاوة على ما تضمّنته من اتهامات لها علاقة بالمال السياسي ومصادره، أثارت المقالة جملةً من مسائل جوهرية أخرى، منها ما جاء على هامشها ويثير برأيي قضية تمسّ عصب الحياة السياسية الحزبية بين ظهرانينا، لا سيّما في موضوعة مصادر شرعيات قيادة أحزابنا وحركات جماهيرنا العربية، والمقالة تتطرّق لمكانة ودور مؤسّس حزب التجمع،  فهل حقًا يقتصر دور عزمي بشارة على ما جاء بلسان النائب غطاس على أنه "يقوم بدوره العلمي الأكاديمي كمفكّر وباحث عربي من الطراز الأول بعيدًا عن الوطن، ونعم لديه دوائر تأثير كبيرة تتعدّى ما يجري هنا إلى كل العالم العربي الفسيح....".
 أمن أجل استنارة فكرية وأكاديمية تحجّ إليه وفود حزب التجمع وقادته؟ 
ثم، أما آن الأوان ليطرق الساسة بشكل صحيح وعلمي جدلية هذا التأثير وتوابعها على الذي ما زال ينشد وينصاع  لرأي مؤسّس حزب فاقد لحرية التفكير والرأي؟ 
كيف يجب قبول ما يؤمّنه وجوده هناك من إمدادات، على تنوّعها، وهل يكفي اتهام الآخرين بذات "الخطيئة" كي تعلن البراءة والعفو بالتماثل؟ 
هذه المسائل، وغيرها، ضجّت بها مقالة النائب غطّاس، وهي برأيي مقالة مباشرة قاسية، الإعراض عنها بشتّى الذرائع سيبقي ما جاء فيها كطنينٍ مؤذٍ، ويستدعي تساؤلات عديدة، فإن لم ينبرِ السياسيون إليها فإن على "المفكرين"، إن وجدوا خارج قطَر!، أن يفعلوا وبجرأة، وبعضها قد يتجلّى من خلال عناد/وقاحة عرّفتها العرب بجرأة ذبابة، إذا وجد الأسد.

CONVERSATION

0 comments: