تبا للتاريخ من تكرار نفسه حلزونيا، من أدنى إلى أرقى، وأحيانا من تحت إلى فوق، ولكن في عالم العرب في إسرائيل كل التطور عكسي – حسب الدرس الذي تعلمته من احد مرشحي القائمة المشتركة باسل غطاس لأن اصطلاح "العرب في إسرائيل" أو "عرب إسرائيل" يثير غضبه ورفضه، باسل غطاس ثارث ثائرته ضدي، سألته هل أنت عرب المريخ أم عرب القمر؟ مقدم البرنامج في راديو اسرائيل بالعربية، اختصر اللقاء معي وبقيت مضطرا ان أضيف في الفيسبوك ما لم أعط حق قوله في البرنامج (وهو أمر مستهجن من مقدم البرنامج): هل حضرة عضو الكنيست القادم باسل غطاس، سيقسم يمين الولاء للدولة الصهيونية بعد ان يصل للكنيست كما فعل سابقا. أم سيقسم يمين الولاء لدولة قطر ويقف خاشعا لنشيد إسرائيل القومي: "لم يتبدد أملنا بعد/في العودة إلى ارض أبائنا/للمدينة التي عسكر بها داود/ طالما ان هناك في أعماق قلب/اليهودي نفساً صاخبة/والى جهة الشرق ونحو الشرق/يراقب بعينه صهيون"?
قلت ان كل التطور في عالم عرب يبدأ من دائرة الحلزون الكبرى متسارعا نحو الدائرة الصغرى أو كما يقول المغرضون، من فوق إلى تحت. فهل فشل ماركس في ماديته التاريخية بما يخص بلاد العربان؟ الأمر يتوقف كيف نفهم التطور، انجلز زميل ماركس قال إن التطور شكلان واحد إلى أعلى والآخر إلى أدنى ، فهل كان يقصد بالأدنى حزب التجمع الذي أنقذته القائمة المشتركة من الاضمحلال الذاتي؟ أم كان يقصد أيضا اتفاق "القائمة المشتركة" بين العلمانيين والطائفيين؟! وهل كان يعلم ان حزبا شيوعيا سيجعله يلغي مقولته الشهيرة عن"أفيون الشعوب" ؟!
حسنا التاريخ لا يحتمل المماحكة،هناك تطور للأرقى، وهناك تطور قريب من المهزلة، ويبدو أن عالم العرب لم يعرف من حركة التاريخ حتى اليوم إلا الشكل الثاني: المهزلة.ونحن "لبسنا قبعنا ولحقنا ربعنا!!"
حتى لو كان جسما سياسيا ما قائدا للتنوير في إحدى مراحل تاريخه الأولى، الآن لم يعد ينفع التنوير أمام إغراء الكراسي لوجيا!!
جلست أفكر بطريقة لائقة للاحتفال بالنصر الكبير للقائمة المشتركة التي تتوقع 15 عضوا كما قال برلماني أحترمه ولا اقبل طريقه أحمد ألطيبي. فكرت وبحثت ، قلبت آلاف صفحات الانترنت ، ووجدت ان أفضل طريقة للاحتفال هو تكرار لاحتفال جرى في مصر أيام الملك فاروق . حيث رغب باستعراض باشاوات وباكاوات مملكة مصر فهم قوة النظام وهيبته!!
وكيف كان ذلك؟
هدف الملك فاروق من تنظيم الاستعراض عرض قوة مملكته ومدى شعبيته وحب الشعب المصري له، أن يعرف عدد باكاوات النظام وباشاواته فهم عماد العرش وقوة النظام.
كان حقا استعراضا تاريخيا قل ما شهد ملوك العرب مثيلا له.
******
في يوم الاستعراض لبس الجميع أزهى وأبهى ملابسهم، وتحاشر وتجاحش رجالات الدولة الكبار، ليكونوا أقرب لمنصة الملك، لعلهم يفوزون بنظرة ترفع من قيمتهم في سلسلة المناصب، قد يصيروا باكاوات او باشاوات او وزراء حكومة وتنتفخ حساباتهم البنكية.
وما هي إلا لحظات وإذا بموكب كبير ممتد لا ترى العين نهايته، يركبون الخيول العربية الأصيلة، ووراءهم قافلة تركب الخيول الأجنبية بل وبعض البغال.. سأل الملك فاروق مستشاره الخاص:
- كلهم من باشاواتنا وباكاواتنا ؟
- أجل يا عظيم.. اركبنا الباشاوات على الخيول العربية وأركبنا الباكاوات على الخيول الأجنبية .
ابتسم شاعرا بمجده . وسأل :
- ومن اؤلئك الراكبين على البغال ؟
- يا جلالة الملك كان عددهم أكثر من الخيول العربية والأجنبية في المملكة فاركبنا بعضهم البغال..
- حسنا حسنا يا لله ما أكثرهم؟
وما أن أنهى كلامه، وإذا بقافلة من الحمير المركوبة. تفاجأ العظيم :
- ومن هؤلاء راكبي الحمير ؟
- إنهم من الباشاوات أيضا يا جلالة الملك ، كان عددهم أكثر من الخيول والبغال في المملكة فركبوا الحمير.
- ولكني أرى وراء قافلة الحمير أشخاصا يمشون. من هم ؟
- إنهم باشاوات أيضا ورجال السلطة الكبار، كان عددهم أكثر من عدد الحمير في البلد فمشوا...
******
جادلني رفيق قديم في محاولة ليشركني في موكب باشاوات وباكاوات الأحزاب، أجبته بالصمت لأني لا أريد ان أجرحه وقلت له اقرأ تغريدتي صباحا في الفيسبوك. وها انا أقدمها له:
لم اعد اعرف إذا كنا شعبا له كيانه، أم صرنا كراسي لوجيا !! لم اعد اعرف إذا كان انتمائنا الوطني بقي صالحا للاستعمال أم صرنا طوائف بعد قائمة الكراسي لوجيا المشتركة!! لم اعد اعرف هل يمكن ممارسة سياسة نظيفة أم صرنا عمال نظافة لننظف ما يترسب من فضلات الكراسي لوجيا على واقعنا السياسي والاجتماعي!! لم اعد اعرف اذا كانت الوطنية الحقة تعني التمرمغ برمال قطر وإنكار واقع لم نختاره بأننا مواطنين في إسرائيل من اجل إراحة بعض الأقفية في الكراسي لوجيا!!لم اعد اعرف هل التصويت موقف وطني والتفاف حول مبادئ، أم كراسي لوجيا؟
اتصل معي وقال انه متردد في التصويت رغم انه حزبي قديم. وهو حائر. قلت له:
القائمة المشتركة الآن حقيقة قائمة.. لكنها ليست قائمة موحدة. كاد الخلاف حول تصريحات دوف حنين ان يمزق وحدتها. وهناك فرق شاسع بين مشتركة وموحدة. (ربما متوحدة)؟!
الأمر الثاني من الخطأ تسميتها قائمة عربية مشتركة. هل تنازل الحزب الشيوعي عن إصراره انه حزب يهودي عربي؟
إذن هي قائمة مشتركة ليس للعرب... بل عربية يهودية... أي مشتركة للعرب واليهود..هل يقبل الإسلاميون بالتحالف اليهودي عربي؟ أم ان حسابات الكراسي فوق المبادئ؟ طلب الصانع يدعي ان قائمته هي القائمة العربية.. شكليا هذا صحيح!!
لا اعرف كيف نجحوا بإعداد هذه الشربة الأقوى من الملح الانكليزي. تناولوها لوحدكم.. وأنت معهم يا رفيقي القديم!!
عاد يتصل ليقول ان المشتركة حقيقة قائمة لمواجهة قانون ليبرمان برفع نسبة الحسم؟
قلت: لست قلقا من عدم جلوس العرب في الكنيست. ستكون فضيحة لسياسة الأبرتهايد العنصرية.تعميقا للأزمة الدولية التي تواجه إسرائيل. ليس بمواقفها مع الفلسطينيين في المناطق المحتلة والمحاصرة، انما بمواقفها مع مواطنيها العرب أيضا. يا رفيقي القديم انا لست قلقا لأضمن حياة راقية لعدد من المتزعمين وبعضهم دجالين. لست قلقا من الجلوس والنضال في الكنيست. لست قلقا حتى من عودة نتنياهو. هل تظن ان ما يسمي زورا يسار ووسط صهيوني يختلف كثيرا عن نتنياهو؟ ما عدا حزب ميرتس ، جميع الآخرين في قُفة واحدة. ما يفرض التغيير، حتى لو كان نتنياهو وليبرمان وبينيت في الحكومة، هو انتفاضة الشارع الإسرائيلي. هنا تسقط الصهيونية.. هنا معركتي وليس ضمان دخول الكنيست حيث النضال مجرد ثرثرة.. ومكاسب شخصية!!
تقول لي تمويل الأحزاب؟ الحزب الذي يُمول من دولة إسرائيل ولا يملك مصادر تمويل شعبية، ليقفل أبوابه.. هل سيناضل ضد مموليه؟!
الأمر الآخر يا رفيقي القديم، اين اختفى مبدأ رفض ومقاومة الطائفية السياسية؟ هل كانوا يكذبون علينا؟ اذن هل كان ماركس الكذاب الكبير حين قال ان الدين أفيون الشعوب؟
وأنت يا رفيقي القديم ماذا تقول ؟ الدين هو عقل الشعوب أم عتمتها المطلقة؟!
صرخ عبر سماعة التلفون: كفى.. كفى.. سأصوت بورقة بيضاء!!
nabiloudeh@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق