الرأي و الرأي الآخر في الاسلام/ العلامة السيد محمد علي الحسيني

ليس هناك من دين او نهج فکري او فلسفي سائد في العالم يمکن أن يضاهي الاسلام في تأکيد‌ه على التدبر و التفکر قبل إتخاذ أي قرار، بمعنى ان الاسلام قد شدد في دعوته على التمعن و التأمل قبل إتخاذ أي موقف، فهو لايريد نهج"إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ" کما قال أصدق القائلين، وهو يرفض اولئك الذين يصنفون ضمن"أفلا يتدبرون القرآن  أم على قلوب أقفالها"، بل ان الاسلام يريد بإصرار أناس يصنفون ضمن ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام "النوم على يقين خير من صلاة في شك".
للأسف البالغ، فإن الذي يدور في هذه المرحلة التأريخية الحساسة التي تعج بالفوضى و الفتنة بمختلف أنواعها، بخصوص أن الاسلام يرفض الاراء المخالفة و يقمعها بحد السيف و بجبروت السلطة و القوة، انما هو أمر يمکن إرجاعه لفترات تأريخية تم خلالها تحجيم او لجم المنطق العقلي و تأطير او تحديد او حتى منع الاجتهاد، فالاسلام يتميز بقوة منطقه و حجته ازاء الافکار و الطروحات المضادة او المناقضة له، ولهذا فإن اولئك الذين يريدون في هذا العصر الذي هو عصر المحاججة و المنطق ان يسبغوا على الاسلام صفة القمع و الاستبداد و رفض و إقصاء الآخر، انما هم في وهم و ضلال مبين لأن الاسلام الذي  جاء غريبا سيعود غريبا من خلال منطقه و حجته التي ستغلب بالادلة و البراهين الافکار و الرؤى الاخرى المناقضة او المغايرة لها.
الانسان في المنظور الاسلامي، نجد أن عناصر الاختيار متوازنة و متعادلة في تکوينه و مثلما له العوامل العضوية"طعام، مشرب، منام" و الغريزية"حب الذات و الغرور و ما إليها" المدافة  في الجانب النفسي، فإن قوة التحاجج و النقاش مداف أيضا في الجانب العقلي له، وان الخيار و القرار النهائي هو لکيفية ترتيب و إصطفاف جانبي المعادلة، فکلما مال الانسان للجانب العقلي فإن قراره و موقفه يکون الاصوب مثلما انه کلما مال للجانب النفسي فإن قراره و موقفه سيکون في غير محله وبالتالي فإن موقفه لن يکون صائبا، واننا نعتقد بأن الجماعات و الاحزاب المتطرفة تميل الى غلبة الجانب النفسي على العقلي، ولذلك فإنها تظهر الاسلام بمظهر العاجز او المفتقر لقوة المنطق و الحجة، وفي هذا ظلم و تجن فاحش على الاسلام و عمقه الفکري التحرري.
إستحضار نماذج تأريخية ولاسيما من العهد المبارك للرسول الاکرم"ص"، فإنها يجب أن تکون کمنهاج و اسلوب و نمط عمل و تعامل لنا مع الآخرين الذين يخالفوننا، ذلك ان النبي الاکرم"ص" بعد أن إستقر في يثرب"المدينة المنورة"، صار يمتلك زمام الامور کلها، فإنه لم يبادر لإجبار المنافقين و إکراههم على الايمان و الطاعة، وانما کانت لهم الحرية في ما يرون و يعتقدون بصورة استثنائية الى الحد الذي کانوا يتربصون بالمؤمنين في الفترات التي دار فيها القتال و الحرب، والذي يجب ملاحظته جيدا ولاسيما من جانب اولئك الذباحون و السفاحون الذين يختصرون منطق الاسلام التحرري في السيف و الاعدام و القتل، هو أن الباري عز وجل قد جعل العقوبة على مثل هذه المواقف مؤجلة الى يوم القيامة حيث سيبت فيها أحکم الحاکمين، کما يقول في محکم کتابه الحکيم:" الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ".
اننا نعتقد بأن الاسلام أعلى کعبا و أرفع مقاما من أن يفتقر الى المنطق و الحجة في مناقشة و مجادلة المخالفين له، بل ان سر عظمة الاسلام تکمن في کونه قد جمع تحت جناحيه کل الاديان و الطوائف و الاعراق و کفل لهم سبل العيش و التواصل و نبذ کل أسباب الفرقة و الاختلاف و الفرقة و التناحر، وان مدرسة أهل بيت النبوة"ع"، قد کانوا أکثر من أسوة حسنة لنا بهذا الخصوص خصوصا وانهم کانوا يردون السيئة بالحسنة و يواجهون الرأي بالرأي و يخفضون الجناح لمخالفيهم و يحاججوهم و يجادلونهم بکل لطف و أدب و خلق والاجدر بنا أن نعود الى النبع و المصدر الصافي و نترك وراء ظهورنا هؤلاء الذين ظهروا فجأة و يسعون للخلط بين الحق و الباطل من أجل مصالح و أهداف خاصة متعارضة و متناقضة مع الاسلام ذاته.

الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي

CONVERSATION

0 comments: