طَرَدَتِ الْمَدِينَةُ الْوَحْشَ
سَارَتْ فِي تَيْهٍ مُلَوَّنٍ؛ سَيْطَرَ عَلَيْهَا
تَجَعَّدَتْ مَلَامِحُهَا؛ اِنْحَنَى ظَهْرُهَا؛ شُلَّتْ
اتَّشَحَتْ سَوَادًا؛ صَارَتْ نَكِرَةً !
قَالَتْ لَهَا جَارَتُهَا: كَأَنَّكِ غَرِيبَةٌ !
كَادَتْ تَقُولُ لَهَا: مَنْ أَنْتِ ؟ !
مَرَّتْ سِنُونٌ...
سَجَدَتْ لِلَّهِ
صَبَرَتْ؛ زَرَعَتِ الْحُرُوفَ؛ نَمَا الزَّرْع
انْتَفَضَ أَحْرَارٌ؛ دَرَّ الضَّرْع
عَادَتِ الْمَدِينَةُ إِلَى رُشْدٍ
مَشَتْ؛ تَبَخْتَرَتْ؛ ابْتَسَمَ الطِّفْلُ
عَادَ الرَّبِيعُ؛ ضَحِكَتِ الْمَدِينَةُ؛ قَهْقَهَتْ
زَالَتْ أَشْوَاكُ وَجْهِهَا
رَقَصَتْ أَزْهَارٌ وَرَيَاحِينُ
ظَهَرَتْ بِزِينَةٍ وَجَمَالٍ
فَتَنَتِ الْأَعْدَاءَ؛ فَكَّرُواْ فِي اغْتِصَابِهَا !
عَادَ الْلَّوْنُ الْأََحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ
عَادَ الْغُرَبَاءُ؛ أَقَامُواْ طَوِيلًا
ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ؛ لَمْ يَخْرُجُواْ مِنْهَا
رَاوَدُوهَا عَنْ نَفْسِهَا؛ تَمَنَّعَتْ؛ صَبَرَتْ؛ قَاوَمَتْ
أُطْفِئَتْ أَضْوَاءُ الْمَدِينَة
كُسِرَ سَاعِدُهَا؛ سَرَقُواْ ظَفَائِرَهَا؛ نَزَعُواْ سَتَائِرَهَا
هَدَّمُواْ جِرَارَهَا؛ هَدُّواْ خِدْرَهَا
بَكَى الطِّفْلُ؛ زَكَا الْعَوِيلُ !
سَلَبُواْ جَوْهَرَهَا وَجَوَاهِرَهَا !
غَيَّرُواْ اسْمَهَا؛ نَهَشُواْ لَحْمَهَا؛ مَصُّواْ دَمَهَا
مَحَوْا مِدَادَهَا؛ وَأَدُواْ أَوْلَادَهَا
رَكِبُواْ أَنْفَهَا؛ زَيَّفُواْ لُطْفَهَا
هِيَ الْآنَ ثَكْلَى؛ تَنْـِزفُ؛ تَذْرِفُ؛ الزَّمَنُ تَوَقَّفَ !
كَـثُرَتِ الْأَغْلَالُ؛ انْتَشَرَ الْعَبِيدُ؛ قَلَّ الْعُبَّادُ
ازْدَادَتْ سُقُوطًا؛ جُرُوحًا؛ آَلَامًا
سَافَرَ الْفَرَحُ وَالْعِيدُ إِلَى بَعِيدٍ
فَقَدْ جِيءَ بِالْحُزْنِ مِنْ مَرْقَدِهِ
طَرَدُوا الْفُلَّ وَالْيَاسَمِينَ
أَشْعَلُواْ قَنَادِيلَ الظُّلْمِ وَالظَّلَامِ
دُفِنَ حِبْرُ الْمَدِينَةِ !
تَرَمَّلَتِ الْأَوْرَاقُ
أُذِيعَتْ أَخْبَارٌ كَانَ الْمَوْتُ رَائِحَتَهَا
دَمَّرُواْ مَعْبَدَهَا؛ دَمَّرُواْ مَسْجِدَهَا؛ دَمَّرُواْ كَنِيسَتَهَا
هَتَكُواْ عِرْضَهَا؛ دَنَّسُواْ أَرْضَهَا !
أَزَالُواْ أَفْعَالًا مِنْ قَوَامِيسَ صَامِدَة
أَبَادُواْ... يَقْرَأُ يَكْتُبُ؛ يَتَعَلَّمُ يَعْرِفُ؛ يَحْلُمُ يَبْتَسِمُ !
لَا تَزَالُ مُقَاوِمَةً دُونَ مِحْبَرَةٍ وَلَا مَقْبَرَة
غَرَسُواْ نَبَاتَاتٍ حَنْظَلِيَّةً
نَصَّبُواْ عَرَائِسَ تُـزَيِّنُ عُرُوشًا خَاوِيَةً !
بَكَى الطِّفْلُ ثَانِيَةً ثَالِثَةً؛ جَاعَ؛ جَهِلَ؛ ضَاعَ
دَفَنَ الطِّفْلُ نَفْسَهُ
وَقَالَ فِي التَّأْبِينِ: اِسْقِي يَا دِمَائِي هَذَا التُّرَاب
وَاقْرَأْ يَا وَطَنِي مِنْ ذَاكَ الْكِتَاب
عَرْبَدَتِ الْأَقْدَامُ؛ حَطَّمَتْ كُلَّ الْأَقلَام
هُنَا لَا تَسْأَلْ عَنِ الْأَرْقَام
شَاعَتْ فِـتَـنٌ وَسَقَطَتْ وُرُودُ الْأَحْلَام !
مَسَحُواْ كُلَّ الْأَيَّامِ عَنْ تِلْكَ الْأُمَم
كَسَّرُواْ دَرَجَاتِ السُّلَّم
وَحَرَقُواْ صُورَةَ الْعَلَم
نَهَبُواْ سَلَبُواْ حَرَّفُواْ مَشْجَرَة
بَنَواْ مَجْمَرَة
عَبَدَ الْبَشَرُ مَحْجَرَة !
وَأَخِيرًا قَتَلُوا الْمَدِينَةَ؛ وَصَارَتْ مَقْبَرَة !
مُعْتََدٍ هُنَا؛ مُعْتَدٍ هُنَاك
جَلَّادٌ هُنَاكَ؛ جَلَّادٌ هُنَا
حِدَادٌ هُنَا؛ حِدَادٌ هُنَاك !
وَاجَمِيلَتَاهْ؛ الْوَحْشُ عَادَ؛ أَلَا تَعُودِين ؟ !.
0 comments:
إرسال تعليق