ريشة البدوان.. وتسامح الأديان/ سامح عوده

(2)
عبور هادئ .. على ضفاف لوحته " تسامح الأديان"

كنوارس البحر عند المغيب،  يحملُ ألوانه ولوحته مسافراً من ميناء الى ميناء، من أرض إلى أرض .. يسافرُ ومعه آماله وحقيبة السفر، وصقيعُ المنافي في بلاد الثلج، يطردُ برد الأمكنة ببعض من دفئ المخيلة وحالة هذيان أسطورية لعشق متجدد..
دافئ كخيوط الشمس..
 شامخٌ كسور عكا..
 شهي كبرتقال حيفا..
مقدسٌ كمساجد الوطن وكنائسه..
عصي على الكسر كإرادة الفلسطيني التي لا تهزم..!! هذه هي قصة عشق طاهرة لا ينضب تفاصيلها، ولا يجفُ حبرها، هي حكاية البدوان دون غيره، تتجمعُ المشاهد في مخيلته، كغزالةٍ شاردة على بساط من ربيع تزينُ حدقات عينيها ألوانه الزاهية، ويغدو المرج الأخضرُ خاتماً في معصميه، ولتلك النظرة التأملية الشاملة فارس يجيد كتابة الأولون.. لا رسمها، لأن البلاغة الكامنة في كتابة المشهد .. لأنه وباختصار حالة توحد ميتافيزيقي بين شريط طويل من المشاهد تصاغُ على هيئة رموز تصل بها بقارب الموهبة إلى لوحة فيها تدرج الالوان، والرموز المخفية والظاهرة.       
ناعم هو كريشته التي تتركُ بقايا ألوان،  كل شيء فيه مجبول برحيق زهرة معتق، لا يمكن أن يقلدها أحد..!! هو البدوان .. دون غيره هو من يشيد في مداده الرحب مكونات المقدس والمغتصب والمسلوب، هو من يرى النساك والعباد والصائمين والخاشعين وحنين المؤمنين في هلال المساجد أو صليبٌ في كنيس لم تغيره من قداسته كل العابثين الذين حاولوا أن ينالوا من قدسيته، لهذا فان مريم المجدلية ورموز العابدين والمصلين والخاشعين وأحلام الأطفال والغد مبهم المعالم ودموع الثكلى والمعذبين، وأغاني الرعاة في الصباح ورسائل الشهداء التي لم تقرأ بعد..!! وأشياء أخرى من نفاحات الوطن ومكوناته  من الصعب أن تجمعها في لوحةٍ زيتيةٍ إلا إذا كانت كل هذه المشاهد تسكنك .. أو تتملكك..!! .
استطاع الفنان الفلسطيني المغترب جمال بدوان أن يفاجأ العالم كله برسمه لأكبر لوحة زيتية في العالم، من حيث المضمون والشكل والمساحة وتدرج الألوان، وأن يحطم الرقم القياسي ويدخل موسوعة " جنتس " للأرقام القياسية بلوحته " تسامح  الأديان " والتي في كل ضربة فرشاة فيها تجسد حكاية العشق الأزلية التي يخلدها الفلسطيني قبل النوم، البدوان ببراعته وخلال سنوات طويلة تجاوزت العقدين في الغربة استطاع وبحرفة تامة أن يكتب أحلام الفلسطينيين مجتمعين ويصهرها في رؤية واحدة ناضجة ناصعة تذهل الآخر وتثير فضولة، لتصحوا عواصف الأسئلة تقرأها في حبر الجرائد، كيف استطاع هذا الفنان المهجر عن وطنه قسراً أن يجمع بين المقدس والطاهر وأحلام الفلسطينيين في لوحة واحدة؟ .
بلا شك .. هي قدرة خارجة عن المألوف أن تجمع بين المتناقضات وتسخرها لخدمة قضيتك العادلة، لأن الآخر .. في الطرف البعيد من الكون يحتفظ بصورة نمطية  قد تكون غير صحيحة، والفن أحد الأدوات التي يمكن أن تسخرها لهدف أسمى تناضل من أجله، تبرز الوجه المشرق لقضيتك..    
وعن لوحة البدوان فهي " يقدر حجم اللوحة الاجمالي 310 متر مربع بارتفاع 15 مترا وعرض 200 مترا بوزن وصل إلى 4 أطنان، وشارك قرابة 2000 طفل من مختلف انحاء العالم في رسم رسومات خاصة بهم دعما لمشروع اللوحة  " ولأنها فلسطين أرض الرسالات ميلاد السيد المسيح ومسرى الرسول الكريم علية الصلاة والسلام  فقد ظهر في منتصف اللوحة "  حمامة بيضاء ..وتزخر (اللوحة) بالكثير من الرموز الدينية والانسانية، التي تلخص حضارة وثقافة الإنسان بكل تنوعها وغناها في فلسطين والعالم، حيث يتساوى ويتوحد المسيحي والمسلم، الابيض والاسود في توقهم وسعيهم لتحقيق السلام، وتعزيز اواصر المحبة وهو ما جذب انظار الملايين من الشعوب ومحبي الفن التشكيلي" ، انها تلخصُ الارث الحضاري والديني للإنسان الفلسطيني الذي ظل متصدراً قائمة الأحداث انها قصة دم عبدالله ودم جريس الذين ارتوت أرضنا بدمائهم، وظل السلام وتسامح الاديان عنواناً يظلل أرضنا بظله .

CONVERSATION

0 comments: