إلى متى سيظل هذا القاتل طليقاً؟/ محمد فاروق الإمام

تريثت كثيراً قبل أن أكتب في موضوع الهدنة المؤقتة التي دعا إليها الأخضر الإبراهيمي لأتعرف على ردة فعل النظام السوري الذي أعلن عن قبول هذه الهدنة من اللحظات الأولى، وأعلن عبر وسائل إعلامه أنه يوافق عليها إذا التزم الطرف الآخر بها، واعتقد البعض – واهمين – أن النظام سيبادر – من باب حسن النية – إلى وقف غاراته الجوية على المدن والبلدات والقرى والامتناع عن قصف المدنيين بقنابل براميل "تي ان تي" والقنابل العنقودية، ولكنه خيب أمل أولئك المتفائلين، حيث راح يقصف المدن والبلدات بقنابل جديدة لم يستخدمها من قبل تحمل مواد سامة، إضافة إلى البرميل والعنقودية، مرتكباً مجازر بشعة في كل من مدينة المعرة وسرمين وسقبا والزبداني وبلودان والقنيطرة وإدلب وكفرنبل والباب وتل رفعت وحريتان والرستن وأحياء حمص المحاصرة والحولة والقصير وحي المرجة وبستان القصر والسكري والصاخور في حلب ودير الزور وكل المدن السورية بلا استثناء، في قصف مركز وممنهج – لا كما تنقل وسائل الإعلام على أنه قصف عشوائي – قصف مركز وممنهج، باعتراف بعض الطيارين الذين وقعوا في أسر الجيش الحر، يستهدف الأطفال والشيوخ والنساء والآمنين النازحين اللاجئين من بيوتهم التي تعرضت للقصف إلى المساجد والكنائس والمدارس وبعض مؤسسات الدولة هرباً من جحيم براميل الموت والقنابل العنقودية، ليتجاوز عدد القتلى المئتين في يوم قبوله بالهدنة.
ولم يكتف هذا النظام المجرم بما يقوم به من فظائع ضد الشعب السوري بل ذهب بعيداً إلى أهم دول الجوار "لبنان" توأم سورية، ليؤكد على ما قاله الأخضر الإبراهيمي في بيروت من أن بقاء الحال على ما هو عليه في سورية سوف يحرق الأخضر واليابس في المنطقة، حيث ارتكب جريمة فظيعة بحق أهم رجالات لبنان الأمنيين، باغتياله العميد وسيم الحسن رئيس فرع المعلومات في جهاز الأمن الداخلي في منطقة الأشرفية ذات الغالبية المسيحية ببيروت، وكان هذا الرجل قد تمكن من اكتشاف عشرات شبكات التجسس الإسرائيلي العاملة في لبنان، والذي أماط اللثام عن تورط الوزير اللبناني السابق جورج سماحة مع رئيس المخابرات السورية "علي مملوك" الذي حمله في سيارته الخاصة كمية من المتفجرات لنقلها من دمشق إلى بيروت لزرعها في سيارات وأماكن تواجد القادة اللبنانيين الذين يقفون إلى جانب الشعب السوري في ثورته أو الذين يعارضون حلفاء سورية في لبنان، وقد اعترف سماحة أمام القضاء اللبناني بجريمته.
وقد سارع أهم قادة لبنان الوطنيين إلى توجيه الاتهام إلى النظام السوري بأنه هو وراء عملية الاغتيال، فقد صرح المفكر والزعيم اللبناني وليد جنبلاط إلى القول عبر قناة الجزيرة: "النظام السوري ينتقم منا ومن الأحرار في لبنان.. بشار أحرق سورية وهو اليوم يريد إحراق لبنان"، كما أعلن الزعيم اللبناني سمير جعجع صراحة عبر قناة العربية أن بشار الأسد هو من اغتال وسيم الحسن رداً على اكتشاف مؤامرة "مملوك وسماحة" في تصدير أزمة النظام في سورية إلى لبنان، كما أكد رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريري عبر عدد من القنوات العربية والأجنبية أن بشار الأسد هو من اغتال وسيم الحسن، وكانت كل وسائل اعلام النظام السوري تتهم وسيم الحسن بأنه وراء تهريب السلاح إلى الجيش الحر عبر الحدود السورية اللبنانية.
من جهته أعلن المجلس العسكري الثوري أن الجيش الحر سوف يلتزم بالهدنة وفق شروط لابد من التزام النظام السوري بها حتى يقبل بالهدنة التي اقترحها الإبراهيمي، وشروطه هي:
(التزام النظام بوقف إطلاق النار الشامل والتام براً وجواً وبحراً، إطلاق سراح الموقوفين، والسماح للأهلين بزيارة سجنائهم والاطمئنان عنهم، إيقاف كافة الطلعات الجوية الحربية أو الاستطلاعية، فك الحصار عن مدينة حمص، السماح بدخول المساعدات الإنسانية، عدم تحريك أي أرتال عسكرية أو محاولات استغلال فرصة الهدنة لتحسين المواقع أو تحصينها) وإلا فإن الجيش الحر سيعتبر نفسه في حل من هذه الهدنة في حال خرق النظام لها أو في عدم الالتزام بهذه الشروط.
وكان لابد من هذه المقدمة لوضع القارئ أمام مواقف كلاً من النظام الباغي والجيش الحر، ليكّون صورة واضحة عن نجاح هذه الهدنة أو إخفاقها أو من أي طرف تخترق.
أما عن الهدنة التي اقترحها المندوب الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي على كل من: (النظام الباغي والثورة الشعبية) فإن الهدنة في العرف العسكري تكون بين دولتين متحاربتين بينهما حدود متنازع عليها أو أمور مختلف عليها أدت إلى نشوب حرب بينهما كما حدث في الحروب الإسرائيلية العربية، أو بين بريطانيا والأرجنتين حول "جزر فوكلند"، أو أن هناك أقاليم في دولة ما تعرضت لاضطهاد ديني أو طبقي أو عنصري من الحكومة المركزية فأعلنت تمردها ونيتها في الانفصال عن الحكومة المركزية ونشب قتال بين الطرفين، كما حدث في كوريا والسودان وأندونيسيا ويوغوسلافيا السابقة والفلبين، حيث يكون هناك تدخل دولي ووساطات دولية لحل النزاع بينهما عن طريق تقرير المصير، وسبق كل ذلك اعتراف الطرفين ببعضهما وأعلنا عن رغبتهما في الوصول إلى حل يوقف الحرب بينهما تحت إشراف دولي،  أما في الحالة السورية فليس هناك ما يمكن وصفه بحرب بين دولتين أو اعتراف من النظام الباغي بالطرف الآخر، فهذا النظام وعلى مدى ما يزيد على ثمانية عشر شهراً وهو ينعت الثوار بأنهم حفنة من الإرهابيين والعصابات المسلحة والجهاديين والمتطرفين والعملاء والسلفيين والأصوليين وعناصر من القاعدة، وأنه سيظل يلاحقهم وبكل الوسائل حتى يستأصلهم ويقضي عليهم.
إذن فإن الحالة السورية تفتقد إلى كل العناصر التي تبرر إيجاد هدنة بين الثوار الذين يطالبون برحيل النظام بكل أركانه ومؤسساته ورموزه، بعد فقدانه لكل مقومات الشرعية باعتراف المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة – صوتت أكثر من 134 دولة بفقدان النظام السورية للشرعية في مشروعين قدما إلى هيئة الأمم المتحدة – من جهة والثوار من جهة أخرى، والذين يصفهم النظام الباغي بالمجموعات الإرهابية، ويستخدم في قتل الشعب السوري الحاضن لهذه الثورة كل أنواع الأسلحة الفتاكة بما فيها المحرمة دولياً، وبالتالي فهناك اعتداء من نظام باغي على شعبه الأعزل، الذي واجه رصاصه منذ اليوم الأول بصدره العاري يحمل الورود وغصون الزيتون لأكثر من ستة أشهر باعتراف النظام ورأسه، وأمام تغوّل النظام في جرائمه وإسرافه في قتل الأطفال والشيوخ والنساء، لم يجد الشعب السوري بداً من حمل السلاح للدفاع عن نفسه وعن أعراضه ومقدساته، في مواجهة آلة الحرب المدمرة لهذا النظام والتي لا تفرق في استهداف نيرانها بين بشر وشجر وحجر، فكل ما على الأرض أهداف مشروعة له على مدى تسعة عشر شهراً، راح ضحيتها نحو 40 ألف مواطن مدني أعزل وأكثر من مئة ألف مفقود وأكثر من مئة ألف جريح وما يزيد على مئتي ألف معتقل وسجين بغير وجه حق أو أي سند قانوني، ونحو ثلاثة ملايين نازح داخل البلاد هائمين على وجوههم هرباً من براميل الموت والقنابل العنقودية التي يصبها طيرانه الجبان على رؤوسهم، وأكثر من نصف مليون مهجر إلى بلدان الجوار، وتدمير العشرات من المدن والبلدات والقرى تدميراً كاملاً أو جزئياً بما فيها من مؤسسات حكومية وعلمية وثقافية ودور عبادة ومعالم وآثار تاريخية.
رغم جبروت النظام وإمكاناته العسكرية الهائلة والدعم المستمر من موسكو وطهران والضاحية الجنوبية وبغداد بالسلاح والعتاد وأجهزة الاتصالات ووسائل التشويش الحديثة، فإن كتائب الجيش الحر والثائرين تمكنوا بفضل الله من دحره في العديد من المواقع التي أقامها وتحصن بها، والاستيلاء على عتاده وأسلحته في مناطق واسعة من سورية، حيث بات الشمال السوري الموازي لتركيا من حدود العراق شرقاً وحتى تخوم الساحل غرباً، وجنوباً بعمق حتى 80 كلم بيد الثوار وتحت سيطرتهم، وعلى مدار الساعة تتناقل وسائل الإعلام الانتصارات الباهرة التي يحققها الجيش الحر في مقابل الهزائم المنكرة التي يتعرض لها الجيش الخائن الذي أدار ظهره للعدو الصهيوني ووجه فوهات مدافعه وراجمات صواريخه وقنابل طائرته إلى المدن السورية يستهدف المدنيين العزل الآمنين في بيوتهم. 
الهدنة باعتقادي هي فرصة النظام الذهبية كي يتمكن من خلالها استعادة توازنه والتقاط أنفاسه وترتيب قواه على الأرض، بعد أن فقد الكثير من مواقعه ومناطقه التي كان يتمترس بها ويصب جام غضبه وحقده على الآمنين المدنيين، ويقنص كل من يتحرك وتراه عينه وتقطيع أوصال طرق إمداده، فقدْ فَقَدَ هذا النظام في الشهر الأخير معظم مواقعه في الريف الشمالي والغربي والشرقي لحلب والريف الشمالي والغربي لريف إدلب، وفقد سيطرته على جبل الأكراد وجبل التركمان المتاخمان للساحل وحتى الحدود التركية وجنوباً باتجاه الطريق الدولية إلى العاصمة دمشق بما يزيد على 80 كلم كلها أصبحت تحت سيطرة الجيش الحر إلى جانب سيطرته على نحو 70% من أحياء مدينة حلب، حيث يخسر النظام يومياً مناطق ومواقع وثكنات وحواجز داخل حلب والعديد من المدن والبلدات الإستراتيجية، كما حصل في تحرير مدينة المعرة ومدينة سراقب الإستراتيجيتين التي تعزل شمال سورية عن جنوبها وتتحكم في أهم الطرق الدولية التي تصل دمشق بحلب، وكانت ردة فعل هذا النظام الجبان المزيد من ارتكاب المجازر والمذابح والإعدامات الميدانية للأسرى الذين اختطفهم من بيوتهم، وزيادة الطلعات الجوية لقصف المدن ببراميل الموت والقنابل العنقودية والسامة لتطوي العشرات والمئات من الآمنين تحت أنقاضها بين قتيل وجريح وبقايا أشلاء.
ختاماً أضع كل هذه الحقائق أمام المجتمع الدولي والعالم العربي والإسلامي الذي ما زال يمنح النظام السوري مزيداً من الوقت ليوغل في دماء السوريين، وأحذر هذا العالم بأن خطر هذا النظام سيمتد ويتوسع ليصيب شراره كل دول الإقليم والعالم، مادام القاتل بشار طليقاً دون أن يتحرك هذا العالم لتقييده ولجمه ووقفه عند حده!!

CONVERSATION

0 comments: