روح اكتوبر والنهضـة الكبرى/ أســامـة جـادو

تحل الذكرى التاسعة والثلاثون لإنتصارات أكتوبر المجيدة التى عبرت بالشعب المصرى من حالة الانكسار والهزيمة الى واقع النصر والكرامة ، لتؤكد قدرة الشعب المصرى على صنع المدهشات  وتحقيق الإنجازات على نحو غير متوقع
تأتى هذه الذكرى وقد خطونا خطوة تاريخية هامة حيث انتزع الشعب المصرى إنجازا غير مسبوق ،إذ صار لأول مرة يحكمه رئيس مصرى مدنى منتخب بإرادة المصريين الحرة ، وهو على بعد خطوات من تحقيق انجاز أخر وهو وضع دستور جديد يليق بمصر الثورة وتضحيات الشعب المصرى الكريم .
روح أكتوبر
لقد كان للنصر العظيم روحٌ جبارة- روح أكتوبر- سرت في وجدان الشعب المصري حينًا من الدهر أحيت فيه معاني العزة والكرامة وغرست في نفوس أبنائه قيم الوطنية والمجد، لكنَّ هذه الروح لم تدم طويلاً، وتبددت بعد أن سلك قادة البلاد وقتها سبيلاً آخر بعيدًا عن المصلحة العُليا للبلاد، وتعرَّضت مصر وقتها لحربٍ جديدة من نوعٍ أخطر من الحرب القتالية، وكانت مرحلة المفاوضات ودخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخط وممارسة سياسة السيطرة على الشرق الأوسط، وساعدها في ذلك قادة البلاد ثم كان عصر الانفتاح وتوقيع معاهدة كامب ديفيد، ودخول مصر في نفقٍ طويل مظلم لم تخرج منه إلا على وقع أقدام الشعب المصري في 25 يناير 2011م بعد أكثر من 32 سنة.
كان الأمل معقودًا على روح أكتوبر أن تدفع الشعب المصري إلى بناء دولة عصرية حديثة تليق بمصر التاريخ والحضارة، مصر الإنسان والمقدارات والموارد الطبيعية التي حباها الله تعالى لمصر، مصر العروبة والإسلام فأفلتت الفرصة من بين أيدينا وضاعت أكثر من ثلاثين عامًا سبقتنا خلالها دول كثيرة ما كانت تطمح أن تتذيل مصر وتسير في ركابها، ضاعت الفرصة الذهبية كما ضاعت فرصة 1954م حين أطاح الضباط الأحرار وجمال عبد الناصر بأمال الشعب في الحرية والكرامة والحياة النيابية وبناء مصر النهضة والتقدم، فبدلاً من إقامة حياة ديمقراطية يكون الشعب فيها مصدر السلطات وتكون له السيادة وتعلو إرادته على إرادة الحاكم والمحكومين إذا بنا ننحدر إلى الدرك الأسفل من الديكتاتورية والاستبداد وقهر الشعب وسلب إرادته، وتكرست الدولة البوليسية في مصر بأبشع صورها التي عرفتها البشرية، رأينا المشانق تُنصب ويُساقُ اليها خيرة أبناء مصر من العلماء والمفكرين والمجاهدين الذين ضحوا من أجل نيل مصر استقلالها من براثن المحتل الإنجليزي، وقد سطروا بدمائهم على ضفاف القناة أروع ملاحم العزة والبطولة وجسدوا معنى نموت نموت ويحيا الوطن.
ليس بي الرغبة أن أسترسل في الحديث عن الماضي المؤلم، ولستُ باكيًا على حرق الفرص الذهبية التي أُتيحت لبلادنا أكثر من مرة، لكنني نذيرٌ مبينٌ لأمتي العظيمة، فإنني أرى مصر مقبلة على مرحلة خطيرة تشكل فرصة ذهبية نادرة الحدوث عزيزة الوجود شحيحة التكرار، ألا وهي فرصة بناء مصر الحديثة عقب تورة الشعب وإذا كان الشعب المصري قد سرت فيه روح جديدة في أعقاب النصر على الكيان الصهيوني، روح أكتوبر فإنَّ روحًا عظيمة ينبغي أن تتولد فينا جميعًا روح الثورة روح مصر الدستور روح مصر النهضة والتقدم، روح مصر الوحدة والترابط، روح مصر العمل والإنتاج والتنمية، روح مصر العلم والتعليم والبحث العلمي، مصر الزراعة والصناعة والتجارة والحضارة والمنارة.
إنَّ مصر التي في خاطري وخاطر كل محب عاشق لها- مصر قوية متقدمة عملاقة في محيطها العربي وجوارها الإفريقي وعالمها الإسلامي وقضائها الإنساني، تكون لها ريادة حقيقية وسبق بين الأمم في مجالات رفيعة تليق بمصر، لستُ حالمًا بمستحيل بل متوثبًا لمكانة كانت لنا حينًا من الدهر فغفل أسلافنا عنها فمضى إليها أخرون واعتلوها، من ليس حالمًا لا ينتظر مكانًا مميزًا في المستقبل، ولا ننسى أن أحقائق اليوم كانت أحلام الأمس، وأنَّ أحلام اليوم حقائق الغد ولتعلمنَّ نبأه بعد حين.
وندائي يوم احتفالنا بنصر بلادنا على أعدائنا:
يا أبناء مصر اتحدوا وكونوا صفًّا واحدًا في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ أمتنا المرحلة تحتاج إلى توافق وتعاون كل القوى والأحزاب والتيارات السياسية والفكرية، لن يبني مصر إلا المصريون، لن تنزل ملائكة من السماء تقول لكم استريحوا أهل مصر نحن نبني لكم وعنكم، ولن يأتي شرقٌ أو غربٌ ليحدث في مصر نهضة وتحضرًا، إنما يبني مصر أهلها كما ثاروا غضبًا على النظام البائد.
الأيام القادمة مليئة بالأحداث الجسام والواجبات الوطنية  ، وتستلزم من كل مصرى أن يكون على مستوى المسئولية  ، وأن تعلو مصلحة مصر العليا على كل المصالح الشخصية أو الفئوية أو الحزبية ، وأن تتجه جموع الشعب الى البناء والعمل والإنتاج  ، وأن نتكاتف جميعا من اجل إنجازالنهضــة الكبرى التى يحلم بها كل المصريين  ،وليس بمقدورهم أن يفشلوا أو يسمحوا لإى كيان أن يفشل ثورتهم أو يُحبط عزيمتهم .
عندى ثقة  أن الشعب المصرى الذى أبدع العبور حتى صار عنوانا  مميزاً له ، بداية من عبور خط بارليف فى يوم السادس من أكتوبر 1973، ثمَّ عبور خطوط الظلم والفساد والطغيان والإستبداد فى يوم الخامس والعشرين من يناير 2011  ، ثمَّ  العبور الى الدولة المدنية  بانتخاب أول رئيس مصرى مدنى منتخب بإرادة الشعب   فى يومى 16 و 17 يونيو 2012 وبإذن الله تعالى ينجز الشعب المصرى عبوره الرابع بإنجاز دستور البلاد فى الفترة الوجيزة القادمة  ، ثمَّ ينطلق لتحقيق العبور الخامس  ، عبور النهضة الكبرى  .
تحيـــــة إكبار واعتزاز لكل مصرى ومصرية فى داخل البلاد وخارجها  ، تحية احترام لكل شهداء الوطن الذى ضحوا بدمائهم الطيبة فداءا لمصر وترابها وكرامتها ، تحية لرجال القوات المسلحة وهم يحتفلون مع جماهير شعبهم بهذا النصر المجيد .
دامت إنتصارات شعب مصر ودامت أفراحهم
أســــامـة جــادو
النائب السابق والمحامى بالنقض والدستورية العليا

CONVERSATION

0 comments: