أنتِ أكثرُ رقّةً أيّتها الحشائش الخضراء الفتيّة تُرعشينَ الروحَ بنشوتكِ , يتموّجُ كالزنابقِ البنفسجيّةِ ذاكَ الفؤادُ الصغير وتسبحُ أحلامهَ الغضّة بقطراتِ الندى المتساقط مِنْ أوراقِ شجرةِ التوت الهرمة , يا للروحِ البريئةِ تحدّقُ بحنينٍ وتحرّكها أرضٌ تحتضنُ مطراً خفيفاً يتسللُ في أخاديدها اليابسة ! كمْ هو جميلٌ أنْ ترقصَ الطحالبَ الزرقاءَ حينَ يطفحُ النهر بالمياهِ ويعزفُ القصب لحناً شجيّاً تسمعهُ سنابل القمحِ وهي تفتخرُ على سنبلةِ شعيرٍ نبتتْ بينها تشكو الغربةَ ! عبّاداتُ الشمسِ الصفراءَ تسوّرُ حقولَ القطن شامخة مثقلة بحبّاتٍ ناضجةٍ تنظرُ برجاءٍ لغيمةٍ عابرة في السماء , كمْ تمنيتُ تحملني معها تلكَ الزوارق الورقيّة الى الضفةِ الآخرى مِنْ النهرِ وألاحقٌ زرازيراً تنتظرٌ مواسمَ نيسان ! وكمْ داعبتٌ فراشاتٍ ملوّنة زيّنتْ وجهَ الصباحِ تتراقصُ بغنجٍ على تويجاتِ أزهارِ الرمان ! رشيقةٌ أفراخ الأوز تعابثُ موجةً خفيفةً هادئة بارجلها الصفراء , ذاكَ القوسُ الملوّن في السماءِ لوّنَ حتى أصوافَ الأغنام وأطلقَ العنانَ للراعي العجوز يرسلُ أغانيهِ الريفيّة في مدى فسيح , كلّما أركضُ في المروجِ أشعرُ كمْ هي صافيةٌ هذي السماء وأكثر زرقةً كعيني ( أمل ) إبنتُ الجيران !
فجأةً تدحرجَ كلّ شيءٍ وهذه الألوان الزاهيّة شوّهتها يد غريبة وزيّفت كلّ جمالها , ذرفتُ دموعاً غزيرةً فاثقلت عيوني الحلمة , آهٍ كغيمةٍ رماديّة نزفتْ كلَّ أوجاعها في صدري , عدتُ متسربلاً بالحزنِ أتزهّدُ كالأرنبِ الأبيض وقد تاهَ بعيداً في هذا المدى , يا للحسرةِ كانَ ضيفاً ثقيلَ الظلِّ يحملُ معهُ رائحةَ الغيابِ قدْ غقتادَ أمي بملابسها الضاجّةِ برائحةِ العنبرِ الى جهةٍ مجهولةٍ ! يا لأيلامي للآنَ تفيضُ حزناً ظلَّ عالقاً بذكرياتِ طفولةٍ حالمة !
بغداد / العراق
0 comments:
إرسال تعليق