ذكرى إستقلال اسرائيل..ذكرى النكبة الفلسطينية: خلل كوني أنتج الإتساخ/ سعيد الشيخ

تحتفل اسرائيل هذه الايام بذكرى تأسيسها بموازاة ذكرى النكبة الفلسطينية..هو ذات اليوم، اليوم الذي يقف فيه العالم على رأسه لتصبح كل القيم الانسانية والطبيعية وما ينتج عنها لاحقا مشوها وملوثا تدعمه سياسات البطش لمؤسسات العسكريتاريا المنتقلة أمرها من يد بريطانيا العظمى الى يد الولايات المتحدة الامريكية، وكل ما ملكت من ترسانات ستحوّل الى دولة اسرائيل العتيدة.
لو استحضرنا اللحظة.. لحظة قيام دولة اسرائيل التي استحضروها من أساطير بائدة ووعود قذرة، سنشهد أبادة وطن تاريخي تسري في شرايينه كل اسباب الحياة وكل رعشات الحضارة وروحها المتألقة.
كانت فلسطين بلادا بكرا، بكل ما تحمل الكلمة من معنى..ثم جاءت جحافل العصابات الصهيونية وفتكت بها اغتصابا مسلحا، ودمرت أكثر من خمسمائة من قراها الوادعة. فعلوا بها كما فعل البرابرة حسب سيرهم في التاريخ..غزاة يستبيحون الدم وكينونة البلاد افساحا لإستيطانهم ولإقامة دولة ايديولوجيتها الفناء للآخر، وهي أبدا لن تنتمي لهذي الجغرافيا وأبدا لن تكون من نسيجها الاجتماعي، وهي الوباء الذي يلطخ وجه الخريطة.
ولكن الامر ليس كذلك في رؤية الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها. اسرائيل التي أولدوها وأنتجوها بعد الحرب العالمية الثانية ينظرون اليها على انها واحة من الديمقراطية وسط الصحراء العربية...
ولكن أبدا لم يكن الامر كذلك ولن يكون...اذ لا يمكن لديمقراطية ان تقوم بأيد ملطّخة بدماء الابرياء وتخلف ملايين الضحايا جراء سياسة متغوّلة بقوة الحديد والنار وجنون الجنرالات.
وهذا هو الخلل. خلل السياسة الامريكية وحلفائها التي تكيل المديح بالمجرم وتدين الضحية. وتريد ان تقنعنا ان القتلة ومجرمي الحرب يصنعون ديمقراطية ولا يصنعون مجزرة.
عندما تسهر امريكا بكل تناقضاتها الجمهورية والديمقراطية على رعاية هذه الدولة بإعتقاد انها ترعى الديمقراطية تكون في الواقع ترعى الخلل المتقيّح. ترعى مصالحها بكل أريحية طبيعتها المتوحشة وفيضاناتها المسترسلة بالكراهية مما ينتج الاستبداد بالعالم. وعندها تصبح المفاهيم والقيم في أبعد حدود مجافاة المنطق والعقل الانساني. إذ تصبح الضحية الفلسطينية في غزة وهي تحت القصف مجرد قاتلة، ومقاومة الشعب الذي وقع وطنه تحت الاحتلال عبارة عن أعمال ارهابية.
أما الاحتلال فهو ديمقراطي..وأما تاريخ من القتل تضطلع به اسرائيل هو دفاع عن النفس.. وهي النفس الملعونة التي أمرت بالمجازر وأقترفتها بسلسلة متعاقبة في أمكنة مختلفة في فلسطين ولبنان ومخيمات اللاجئين. مجازر رهيبة جل ضحاياها من الاطفال والنساء والشيوخ.
ويحتفلون ببهجة بعد كل مجزرة على انها انتصارات، كما يحتفلون بإقامة الدولة التي كانت فاتحتها المجازر وتهجير أصحاب الارض الأصليين..هكذا يوثقون انتصاراتهم، إنتصارات الحديد والنار والفوسفور والاسلحة المحرّمة على أجساد عارية لها الارض والسماء.
لقد أرادوها دولة خالصة لليهود بعد جلبهم من كل بقاع الكوكب الى فلسطين، وبعدما رسمت اوروبا على أجسادهم ندوب المحرقة النازية...هي اوروبا اذن من اقترف قتل وإحراق اليهود، فما ذنب الفلسطيني كي تمر على وطنه وجسده تعويضات الندم وتأنيب الضمير الاوروبي؟
كم سنة استمر اشعال محرقة الهولوكوست.. مهما يكن فلن تضاهي سنوات الشقاء التي يعيشها الفلسطيني منذ ثلاثة وستين عاما مضت وما زال يكتوي منها جيلا بعد جيل.
كنت لاجئا، بل ولدت لاجئا في مخيم بجنوب لبنان. وعشت منذ وعيي أهوال القتل والابادة الصهيونية. كانت حكومات اسرائيل المتعاقبة ترسل لنا الطائرات بشكل شبه يومي محمّلة ببراميل النار والمتفجرات وتهيلها فوق أكواخنا المتهالكة لتتناثر أجسادا منا في الفضاء، وحتى عظام أمواتنا كانت تطير. كانت الحفر التي تسببها صواريخ الطائرات عميقة في الارض كأنهم يستهدفون الجذور ..وكأن كان لا يكفيهم إقتلاع الوجود الفلسطيني من وطنه الاول. انهم يستهدفون الحياة الفلسطينية اينما كانت وحلّت.
لا أريد ان اصوّر الفلسطيني على انه ملاك..وإسرائيل تعادي الملائكة. ولكن تأملوا قليلا المشهدين التاليين:
المشهد الاول: لقد توصّلت البشرية الى قيم عالية تحضّ على حماية الانسان ومحيطه البيئي، ووضعت لها القوانين التي تحاكم وتحاسب أي إختراق لها..ولكن اسرائيل قد اخترقت كل قوانين ومواثيق حقوق الانسان في حربها على الفلسطيني وأرضه. حيث عملت بشكل متواصل على إبادة البشر والشجر، أشجار الزيتون بما ترمز في الثقافة الفلسطينية. وهي التي تهدد منطقة الشرق الاوسط من خلال مفاعلاتها النووية في "ديمونا" وغيرها المنتشرة في البلاد بشكل علني وسري.
ان منظمات حقوق الانسان ومنظمات الدفاع عن البيئة يجب ان تشعر بأنها مستهدفة من حكومات اسرائيل، عندما اسرائيل لا تجعل من وزن لقيمها وأهدافها الثمينة. وهي ماضية في إحراق الاخضر واليابس في الكينونة الفلسطينية.
المشهد الثاني: توصلت البشرية في عالمنا المعاصر الى ضرورة محاربة آفة العنصرية لما تشكل خطرا على الامن والاستقرار المجتمعي .. الا ان اسرائيل على عكس التيار تذهب بكل وقاحة الى سنّ قوانين في غاية العنصرية بمطالبتها من أصحاب البلاد الاصليين الاعتراف لها بيهودية الدولة كي تمنحهم السلام، وعلى الارض تقيم جدار الفصل العنصري الذي كانت نتائجه كارثية على المجتمع الفلسطيني..
وتمضي إسرائيل بسنّ القوانين الأكثر فظاعة وابتكارا وهي بمثابة إعدام للذاكرة عندما تمنع على المواطنين الاصليين إحياء ذكرى النكبة، مما يعني ان على الفلسطيني ان يتألم بصمت ويموت بصمت، كي يمر مهرجان الاحتفال بقيام الدولة الصهيونية.
وتظل الجرائم الاسرائيلية المستترة أكثر هولا وفظاعة من تلك المعلنة والتي إستطاعت وسائل الاعلام الوصول اليها والكشف عنها.
إحتفال بشع..شاهد على كون مخلخل تديره الولايات المتحدة الامريكية كربّان دموي أعور،وكناسك شهواني يدعو الى الفضيلة في العلن ويرتكب في السر كل الموبقات.
* كاتب وشاعر فلسطيني

CONVERSATION

0 comments: