العنف والفوضى دليل الإسلام السياسي إلى السلطة/ كافي علي

في إحدى قرى الطين عند أطراف الموصل، تجمع سكان القرية يتبادلون الحكايات عن قدرة الدواعش على القتال قبل أن يقطعهم العجوز جاسم وهو في طريقه إلى الصلاة قائلاً "جميعنا كان مثلهم أيام طيش الشباب وقوته" هذه الحكاية وحكايات أخرى تسمعها في القرى والمناطق الشعبية التي يسطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية أو المجاهدين كما يطلقون عليهم.
لا فرق عند هؤلاء الدراويش بين الذين يحكمونهم طالما يوفرون لهم الخبز والأمان والحكايات التي تسليهم.
المجتمعات التي تعاني الفقر والإهمال حواضن سهلة للتنظيمات الإسلامية لأنها لا تحتاج لاستبدال الولاءات وتبني الأفكار الطارئة أكثر من الخبز المغمس بالخوف وذكر الله ورسوله.
جميع تنظيمات وأحزاب الإسلام السياسي التي تلعب دوراً بارزاً في الصراعات الحالية تفتقر إلى منهج ومشروع حقيقي ينسجم مع متطلبات الواقع ويؤهلها للإنتقال من المناطقية إلى الدبلوماسية السياسية دون استخدام العنف أو تقديم تنازلات ليس لها تفسير في الشريعة الإسلامية.
تشدد وعنف للاستحواذ على السلطة وازدواجية في المعايير عندما يتعلق الأمر بالاحتفاظ بها، بينما لم يتوان تنظيم الإخوان عن التعامل مع الإمبرالية الغربية من أجل ركوب موجة الربيع العربي والفوز في الانتخابات، غيرت حماس خطابها المتشدد اتجاه اسرائيل وتقبلها لمبدأ الحوار مع الكيان الصهيوني كحل في معالجة القضية الفلسطينية.
اما الأحزاب الإسلامية الحاكمة في العراق بعد الاحتلال الأميركي فقد اصابها انفصام كامل تبلورت مظاهره المثيرة للسخرية بارتداء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لربطة العنق عند زيارته لأميركا والتخلي عنها عند زيارته لإيران.
كذلك يمهد تنظيم القاعدة في سوريا للولوج في ذات الظاهرة، ولا شك سيفعل تنظيم داعش ليثبت أقدامه في المجتمع الدولي.
هل للسلطة نغمات وترددات لا يستوعبها الثبات على المواقف وفق الشريعة الإسلامية عندما يتعلق الأمر بطبيعة استجابة الدول العظمى لتلك المواقف، أم أن المسألة تتعلق بضعف هذه التنظيمات وتسلقها العنيف على فوضى الأحداث للاستيلاء على الحكم؟
الأحزاب والتنظيمات الإسلامية جميعها متفقة على ما تحققه فوضى العنف من إنهاك وضعف للحكومات دون أن تأخذ بنظر الأعتبار ما ينتج عنها من ضحايا ودمار لمنظومة الدولة أو التهديدات الخارجية التي تواجهها، نموذج إمبريالي إسلامي تفرضه تلك الأحزاب والتنظيمات على نسق الإمبريالية الغربية التي تتفق معها في الغاية وتختلف عنها بشرعية الأساليب إسلامياً.
تنظيم الإخوان ركب موجة التظاهرات العربية ببراعة استمدها من خبرته في النضال الجماهيري وقاعدته الراسخة في المساجد، لكنه لم يكن واقعياً بما يكفي لإدارة الدولة دون التآمر مع جهات خارجية، الأحزاب التابعة لإيران استغلت فوضى الاحتلال الأميركي للعراق في المناطق الجنوبية لتأسيس قاعدة جماهيرية يضمن ولائها المذهبي البقاء في السلطة، لكن ما تسببت به من خراب في البلد انتهى بحنين وأنين جماهيرها على أيام حكم النظام السابق.
داعش اغتصبت المناطق السنية مستغلة اضطهاد وفساد حكومة المحاصصة الطائفية لأهلها، تنظيم القاعدة يقاتل كالاخطبوط في جميع آلاتجاهات ليضمن وجوده كطرف في الصراع على السلطة في سوريا، وهكذا إلى أن ينهار ويسقط آخر نظام عربي نعرفه لتدخل بعدها المنطقة في صراع أكثر عنفاً وخراباً من الحاضر، صراع تتقاتل فيه تلك الأحزاب والتنظيمات مع بعضها البعض على حجم نفوذها.
ستكون سوريا وما حل بها نموذجاً بسيطاً لطبيعة الصراع المتوقع.
فقط التوقف عند أسباب فشل تلك التنظيمات والأحزاب في خلق مناطق جديدة لفوضى العنف في دول ما زالت تتصدى لمحاولاتها، وتعزيز تلك الأسباب، يمكن أن يجنب المنطقة ما ينتظرها من خراب سياسة تنظيمات وأحزاب الإسلام السياسي.
أن تجد الحكومات حلولاً للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات الفقيرة، كذلك فتح قنوات الحوار مع النخب السياسية والدينية، يمكن أن يكون جزءاً من إجراءات الوقاية وسد الثغرات التي يستغلها صناع الفوضى ومشعلي الحرائق للاستحواذ على السلطة.        

CONVERSATION

0 comments: