• الفوضوية هي حصيلة حركتين كبيرتين من حركات الفكر في ميداني الاقتصاد و السياسة تميز بها النصف الاخير من القرن التاسع عشر ، ويعتقد الفوضويين اصحاب هذا المذهب ان الملكية الخاصة للأرض ورأس المال والمعدات قد ولي عهدها وأصبحت الملكية المشتركة للمجتمع هي الواجبة من أجل الانتاج ، وهم بذلك يكونوا قد اتفقوا مع ممثلي المذهب الراديكالي السياسي في قولهم ( ان المثل الأعلى للتنظيم السياسي للمجتمع يرادف الحالة التي تتضاءل فيها مهمة الحكومة الى حدها الأدنى ، و يسترد الفرد حريته كاملة في العمل لاشباع حاجته التي تتنوع الى مالا نهاية ) .
• لذلك لا يلجأ المفكر الفوضوى الى اية تصورات ميتا فيزيقية مثل ( الحقوق الطبيعية ) او ( واجبات الدولة ) وغير ذلك ، لكنه يتبع الطريق الذى رسمته الفلسفة الحديثة للتطور ، فهو يدرس المجتمع البشرى كما هو الان وكما كان فى الماضى دون ان ينسب لكل فرد بمفرده صفات سامية لا يملكها ولكنه ينظر للمجتمع محاولا ان يكشف ميله فى الماضى والحاضر و حاجاته المتنامية فكريا واقتصاديا وعندما يحدد مثله الاعلى فانه يتجه الى التطور لكى يمكنه ان يميز بين الميول والرغبات و بين العوارض كالحاجة الى ( المعرفة-الحروب –الهجرة) التى حالت بين اشباع هذه الميول على نحو يعود بالخير على المجتمع ككل الذى ينحو اتجاه التطور فما عادت مسالة ايمان وامنيات بقدر ماهى مسالة تخضع للنقاش العلمى .
• ولنا ان نعى النحو الهائل للاشتراكية فى القرنين التاسع عشر والعشرين ، والانتشار السريع لنظريتها بين الطبقات العامة فى كثير من الشعوب و ذلك بعد ان حقق هذا النظام قدرات هائلة فى الانتاج تمخض عن المزيد من الثروات وتراكمها .
• هذا النظام الذى اثبت صحتة حتى فى بديات القرن الحادى والعشرين الذى تعثر فيه النظام العالمى الجديد فكان مؤداه هذه الكارثة المالية العالمية حيث كان يعتمد على رأسمالية الشركات عابرة القارات الامرالذى ادى الى عولمة الاقتصاد الذى انهار هو الاخر وشمل كل دول العالم وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية.
• ولقد حدثت فجوة كبيرة فى القرنين الاخيرين بين المولينير الحديث الذى يبدد الثروة فى مظاهر الترف و بين الفقير المعدم الذى انحدر الى مستوى فظيع من البؤس الذى يهدد وجوده ،هذه الهوة ازدادت اتساعا بحيث احدثت تصدعا فى المجتمع كما هددت التقدم والرقى الى ما هو اسمى. وهذا واضحا اولا فى كل دول العالم الثالث و العالم النامى ولحق حاليا بالدول المتقدمة لذلك اصبحت الاشتركية للقرنين السابقين وحتى يومنا هذا هى الفكرة المثلى بالنسبة لبعض المجتمعات المملوءة بعمال المصانع والفلاحين المرابطون فى الارض لزراعتها لوفرة الانتاج وذلك للاحساس المستمر بتحقيق العدالة و المساواة بين طبقات الشعب خاصة بعد زيادة الحقوق السياسية للطبقة العاملة .
• ولقد اثبتت الفوضوية بعد مشوار طويل انها تتمشى والنتائج التى اهتدت اليها فلسفة التطور التى بينت بدورها على المدى الطويل على ضوء ما حدث من صراع على البقاء ، انه قد ثبت ان الاصلح او الانسب ، هم الذين جمعوا بين المعرفة الفكرية و المعرفة اللازمة لانتاج الثروة وليس اولئك الذين يتمتعون بالثراء الان لانهم هم واجدادهم قد جمعوا هذه الثروة اعتمادا على القوة التى تمتعوا بها بعض الوقت .
• لذلك نجد ان فلسفة التطور بعد ان درست الحياة البشرية من تطور بيولوجى فانها انتهت لنفس النتيجه التى انتهى اليها الفوضويون بعد دراسة التاريخ حيث اى تقدم لاحق فى المجتمع يتوافق مع الاتجاه الذى يخضع الثروة للعدالة الاشتراكية والعمل المتكامل بالاضافة الى اكبر قدر من الحرية .
• فاذا تاملنا التاريخ سنرى ان العصور التى شقت فيها جماعات صغيرة من البشرية عصا الطاعة ضد سلطان حكامها قد استعادت حريتها كانت عصور تحقق فيها اكبر قدر من التقدم الاقتصادى والفكرى ولو لاحظنا بعناية التقدم الراهن عند الامم المتحضرة فلسوف نكتشف الحركة الملحوظة نحو الحد الهائل من مجال فاعلية الحكومة مما يساعد على نطاق اوسع لحرية الفرد .
• ويرى كروبوتكين (امير من طبقة النبلاء فى عهد قيصر روسيا و عالم جغرافي ) ان الفوضوية هى المخرج الوحيد من المأزق السياسى والاجتماعى والاقتصادى الذى وجدنا انفسنا فيه ، ويرجع هذا المأزق من انفصال الحرية السياسية عن الحرية الاقتصادية ، فاذا لم يتوفر للحكومة قدر من القوة يجعلها تتصف (بالاستبداد ) لانها ستترك للراسمالى حرية اضطهاد العامل ، واذا توفر للحكومة القوة الكافية بمنع الراسمالي من استعباد العمال فلسوف تقوم هى باستعباد جميع المواطنين.
• وعرف كروبوتكين ان التاريخ والتطور قد اشارا الى الفوضوية على انها الخطوة التالية لمستقبل البشرية ، واعترف كذلك بعض فلاسفة السياسة ان الفوضوية امر مرغوب فيه كمثل اعلى ، ويثبت كروبوتكين فى تحليله ان الفوضوية (الاناركية)امر قابل للتحقق الان لان المأزق السياسى الحاضر والتاريخ والتطور كل هذه العوامل تستحثنا على ذلك.
• وعلى ذلك عرف كروبوتكين كيف يشجب العنف المتعمد من الدولة بملئ المعتقلات من صنوف الشعب المشارك فى الثورة على الظلم ، وسلب الحريات ، وتكميم الأفواه ، اما النقاد الذين يسعون للأنتقاص من الأناركية ( الفوضوية ) وينسبون اليها هذه الأحداث فى كثير من الأحيان ، لذلك نجد بعض فلاسفة السياسة يعترفون أن الفوضوية أمر مرغوب فيه كمثل أعلى ، ولكنهم اما رفضوها لعدم صلاحيتها للتطبيق العملى ، أو تنبأوا بتحققها فى مكان ما فى المستقبل البعيد ( وهذا مانشاهده اليوم فى كل العالم ) وخاصة عالمنا العربى والأسلامى ..!!
Dr_hamdy@hotmail.c0m
0 comments:
إرسال تعليق