كان رئيس الوزراء طوني ابوت قد وعد الناخبين وزملاءه في حزب الأحرار بعد التحدي لزعامته في شهر شباط اوائل العام الحالي "ان الحكومة الجيدة بدأت اليوم". رئيس الحكومة حاول تحسين آداءه الشخصي بالمزيد من التشاور مع زملائه ومستشاريه قبل الإقدام على اية خطوة، وبالفعل نجح الى حد ما وتحسّن وضع الحكومة في استطلاعات الرأي العام، خصوصاً بعد تقديم حكومته ميزانيتها الثانية رغم أنها تحمل بعض البنود العالقة من ميزانية العام الماضي والتي كانت سبباً رئيسياً في تراجع شعبية الحكومة بسبب عدم تقديم تلك البنود للناخبين اثناء الحملة الإنتخابية.
الحكومة التي اعتقدت انه اصبح لديها بعض الرصيد السياسي، سارعت وبشكل ملفت للنظر الى بعثرة هذا الرصيد عبر إداء سياسي يفتقر الى الحد الأدنى من الإحترام لفهم وكرامة الناخبين عبر تصريحات لوزراء اساسيين في حكومة بعيدة كل البعد عن الواقع الذي يعيشه الناس، فمثلاً كلام وزير الخزينة جو هوكي عن البحث عن عمل جيد يؤمن معاشاً جيداً لشراء منزل، علماً بأنها ليست المرة الأولى التي يطلق هوكي مثل هذه التصريحات والتي كان لها ردود فعل سلبية لدى المواطنين، فسابقاً قال ان الفقراء لا يقودون سيارات واذا فعلوا فإنهم يقودونها لمسافات قصيرة، وقبلها ظهر في صورة وهو يدخن السيجار بعد تقديم ميزانيته الأولى في الوقت الذي كان يريد فرض ضرائب على زيارة الطبيب وإقتطاع الأموال من معاشات التقاعد وغيرها.
في سياق آخر، لا تزال الحكومة تعمل لإبتزاز المعارضة فيما يتعلق بقوانين مكافحة الإرهاب خصوصاً قانون سحب الجنسية من الأستراليين الذين يحملون جنسية مزدوجة الذين يحاربون في صفوف المنظمات الإرهابية، علماً ان المعارضة وافقت على معظم القوانين التي اقترحتها الحكومة وحتى موضوع سحب الجنسية فإن المعارضة رأت كما رأى بعض الوزراء البارزين في الحكومة أمثال مالكوم تيرنبول وجوليا بيشوب وبرنبي جويس وجورج برندس التركيز على الجوانب القانونية والقضائية لعملية سحب الجنسية، والمعلوم ان المستشار القانوني للحكومة جاستين كليسن حذّر الحكومة من مغبة الإسراع في تقديم مشروعها لعدم دستوريته لأنه يمكن ان يتم تحديه امام المحكمة العليا، خصوصاً فيما يتعلق بمنح صلاحيات تنفيذية تقديرية لوزير الهجرة لسحب الجنسية بدون العودة الى القضاء، لكن رئيس الوزراء طوني ابوت بنى على كلام وزير الظل للإدعاء الفيدرالي مارك دريفوس الذي قال ان بإمكان الوزير سحب الجنسية في حال إدانة المحكمة المتهمين وإعتبر ابوت ذلك دليلاً على ان المعارضة تريد ان تفرش السجاد الأحمر للإرهابيين لإعادتهم الى البلاد كأنه يظهر نفسه الأكثر حرصاً على أمن البلاد واستثمار ذلك سياسياً.
المعارضة، والتي كما اسلفنا اتخذت مواقف متشددة من قضايا الأمن الوطني ووافقت على كل قوانين مكافحة الارهاب شرط ان تكون فعالة ودستورية وقانونية، يواجه زعيمها بيل شورتن تحدياً من نوع آخر بعد أن كشفت صحف "فيرفاكس" الاسبوع الماضي عن دفعات مالية قدمتها شركة ونسلو للبناء لتسديد بدلات انتساب العمال لنقابة إتحاد عمال استراليا التي كان يتولى مسؤوليتها زعيم المعارضة الحالي بيل شورتن من اجل تعزيز فرص وصوله الى البرلمان عبر حشد المؤيدين له في النقابة بالاضافة الى صفقات مع الشركة التي نفذت طريق ايست لنك في فكتوريا التي دفعت قرابة 300.000$ مقابل تساهل نقابة العمال التدقيق في ظروف العمل واوقاته مما ادى الى ان تحقق الشركة ارباح بعشرات الملايين من الدولارات. زعيم المعارضة نفى ان يكون هناك اي صفقة على حساب العمال وف حديث لبرنامج (انسايدرز) على تلفزيون أي بي سي الاحد 20/6/2015 وصف نفسه بانه زعيم معتدل لنقابات العمال وعمل لمصلحة العمال وارباب العمل من اجل انجاز المشاريع من اجل المصلحة العامة.
هذه القضية بدأت تأخذ أبعاداً سياسية على المستوى الوطني والمستوى الحزبي داخل حزب العمال بعد ان ادلى السكرتير الحالي لنقابة عمال استراليا بن دافيس بشهادته امام المفوضية الملكية الخاصة لمكافحة الفساد في نقابات العمال والتي أطلقتها الحكومة الحالية ورصدت لها مبلغ 61 مليون دولار. وحسب كلام دايفيس فإن تصرفات النقابة وقتذاك والصفقات التي عقدتها مع ارباب العمل قد اضعفت الإتحاد في أماكن العمل ( سدني مورنيغ هيرالد 11/06/2015 ص 3) بالإضافة الى ذلك جاء موقف المعارضة الفيدرالية المعارض لإتفاق الحكومة مع حزب الخضر لتمرير مشروع قانون معاشات التقاعد الذي يبدأ العمل به العام 2017 والذي يعدّل القوانين الحالية المعمول بها ويوفر على الخزينة مبلغ 2.4 مليار دولار في اربع سنوات ، هذا الموقف اعتبره البعض انه نوع من المعارضة من اجل المعارضة علماً ان وزير الخزينة في حكومة الظل كريس بوين ومساعده اندرو ليي قد دعو زملاءهم في المعارضة لدعم مشروع القانون الذي اقترحته الحكومة ودعمهما في موقفهما كل من النائب طوني بورغ من جناح اليمين في حزب العمال والنائب انطوني البنيز من جناح اليسار.
الجدير ذكره ان حزب الخضر الذي تولى زعامته حديثاً النائب ريتشارد دي ناتالي اعتبر ان دعم مشروع الحكومة مقدمة لتعديلات مستقبلية اكثر جذرية.
اعتقد انه، قد تكون هناك معارضة قوية وحكومة ضعيفة او العكس، ولكن ان تكون المعارضة والحكومة تتسمان بسمات الضعف والشعبوية ( طبعاً يوجد وزراء ووزراء ظل اكفاء) اي حكومة تحكم بأسلوب المعارضة ومعارضة تعارض بأسلوب الحكومة وعين الطرفين على استطلاعات الرأي دليل على خلل سياسي على المستوى القيادي في البلد، علماً ان الأستراليين يستحقون ساسة اكثر صراحة وإلتزاماً بما يهم المواطنين ويعالج قضاياهم وشؤون حياتهم اليومية من تعليم وصحة ونقل وإسكان وغيرها من البنى التحتية التي تؤمن العيش الكريم وزيادة الإنتاج والدخل الفردي والقومي بعيداً عن المهاترات السياسية التي تلاحق استطلاعات الرأي، وخير مثال على ذلك ما اثبتته انتخابات ولاية نيوسوث ويلز عندما صارح رئيس الولاية مارك بيرد الناخبين بنيته خصخصة قطاع الكهرباء (الأعمدة والأسلاك) عندما ذهب الى الإنتخابات في اذار الماضي وحصل على تفويض لمشروعه الذي وافق عليه المجلس التشريعي اوائل الشهر الحالي، ولا يشذّ عن هذا المبدأ موقف زعيم المعارضة في الولاية لوك فولي الذي ذهب الى الإنتخابات معارضاً لخصخصة قطاع الكهرباء، والذي دعا زملاءه الى طي صفحة خصخصة قطاع الكهرباء والإنطلاق نحو المستقبل. يشار الى ان مسألة خصخصة الكهرباء في نيوسوث ويلز اطاحت بثلاثة رؤساء للولاية من حزب العمال (مورس ياما،نيثن ريس وكريستينا كونلي).
إذاَ، الكرة في ملعب السياسيين (حكومة ومعارضة) إما ان يغيّروا اسلوبهم ومقاربتهم وتبدأ الحكومة الجيدة والمعارضة الجيدة أعمالهما لأن وعي المواطن اصبح متقدماً على ألاعيب السياسة الضيقة، وإلا فبئسس هكذا حكومة وهكذا معارضة ان لم تدركا هذه الحقيقة!
Email:abbasmorad@hotmail.com
0 comments:
إرسال تعليق