لقد شكل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في تموز 2014 الماضي أبرز الأحداث ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب؛ بل على الصعيد الإقليمي والدولي أيضاً، وقد شكل مرحلة فارقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومحطة كُسرت فيها قواعد لطالما سمعنا عنها وحاول الاحتلال الإسرائيلي تسويقها على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية بأنه جيش لا يقهر، ورابع قوة في العالم، وأقوى ترسانة في الشرق الأوسط، ولديه الأسلحة النوعية والمتطورة (دبابة المركافاة، وطائرات الاستطلاع،...) وغيرها من الأسلحة، إلا أن نتائج العدوان على قطاع غزة كسرت هذه القواعد، وأثبتت هشاشة البنية العقائدية للجيش الصهيوني وضعفه عند الالتحام مع المقاومة الفلسطينية من نقطة صفر، وقد حسمت المقاومة الفلسطينية كل جولات القتال المباشر مع الجندي الإسرائيلي لصالحها، ولم تشفع له كل التجهيزات القتالية التي يتستر خلفها، وقد نتج عن العدوان انتصارات حققتها المقاومة لأول مرة فقد عطلت الملاحة الجوية في مطار (بن غوريون) بقصفه عدة مرات في الزمان الذي حددته المقاومة، كما وأطلقت طائرات بدون طيار حلقت في الأجواء الفلسطينية المحتلة، وأوقعت أكبر خسائر بشرية في صفوف العدو الإسرائيلي لربما هي الأكثر في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتسريبات في هذا السياق تتكشف يوماً بعد يوم بإعلان العدو عن مفقودين وقتلى وجرحى في صفوفه، كما أن سلاح الأنفاق الذي استخدمته المقاومة في العدوان الأخير على القطاع لهو سلاح إستراتيجي أرهق العدو وأوقع قتلى وجرحى في صفوفه مما جعل هدم الأنفاق هدفاً إستراتيجياً له، وقد استطاعت المقاومة الفلسطينية قصف معظم المدن الفلسطينية المحتلة وإخلاء كافة المغتصبات المتاخمة لحدود قطاع غزة وإجلاء المستوطنين منها لتصبح مناطق أشباح، وقد عاد العدو أدراجه بعد العدوان خائباً دون تحقيق لهذا الهدف، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية الباهظة وانخفاض مستمر لقيمة الشيكل والتي كانت أحد نتائج العدوان، وربما الصندوق الأسود لهذا العدوان وهو أكثر ما يقض مضاجع الاحتلال ويحاول جاهداً التقليل من هذا الإنجاز وهو عدد الجنود الذين أسرتهم المقاومة الفلسطينية، ويعتبر هذا الملف هو أحد نقاط القوة التي تملكها المقاومة وتزف البشريات للمعتقلين خلف القضبان بالحرية القريبة.
إن التسريبات المصورة لعمليات "زيكيم" و"أبو مطيبق" شكلت صفعة قوية للجيش والحكومة الإسرائيلية، فقد نفذت المقاومة هاتين العمليتين في أراضٍ محتلة تسيطر عليها (إسرائيل)، وقد حققت نجاحاً أنكره العدو في بادئ الأمر، لكن قدرات المقاومة الإلكترونية في الحصول على التسجيلات من أرشيف جيش العدو والمصنف "سري للغاية" شكل انتصاراً جديداً للمقاومة وإثباتاً لروايتها التي نشرتها خلال العدوان وإعلانها عن تنفيذ العمليات وإيقاع قتلى وجرحى في صفوف العدو وعودة مقاتليها إلى قواعدهم بسلام.
إن سقوط حكومة الائتلاف الإسرائيلي في تشرين الثاني 2014 والدعوة إلى انتخابات مبكرة شكل نصراً للمقاومة، فقد بلغت ذروة الخلاف الحكومي فترة العدوان على قطاع غزة، وقد اتخذ قرار وقف إطلاق مع وزراء الحكومة على الهاتف لعدم القدرة على النقاش واتخاذ القرار في اجتماع الحكومة.
والنصر الجديد للمقاومة الفلسطينية هو رفع اسم " حماس " وهي كبرى حركات المقاومة الفلسطينية من قائمة المنظمات الإرهابية الخاص بالاتحاد الأوروبي، وهذا يعتبر تتويجاً لانتصار المقاومة الفلسطينية، فقد أدرك الاتحاد الأوروبي متأخراً بأن الشعب الفلسطيني الضحية وأن (إسرائيل) هي الجاني، وهذا يؤكد ضعف الرواية الإسرائيلية بالمظلومية والتي كانت مسيطرة على أوروبا، فمشاهد القتل والتشريد في العدوان الأخير فضحت زيف ادعاءات العدو بالمظلومية وأظهرت عنجهيتها وارتكابها لجرائم ضد الإنسانية.
0 comments:
إرسال تعليق