القدس.. الحركة الوطنية والدور المأمول/ راسم عبيدات

بدون أية رتوش او مجاملات او تجميل للواقع فالحالة المقدسية لا تسّر لا عدو ولا صديق،والمقدسيون وحدهم هم من يتحملون العبء والنضال والمقاومة والمقارعة والتصدي والدفاع عن حقوقهم ووجودهم وقدسهم ومقدساتهم وأقصاهم في وجه آلة قمع صهيونية "متغولة" و"متوحشة" وحكومة عنصرية متطرفة تمارس بحقهم اعتى وأبشع أشكال القمع والتنكيل والتطهير العرقي،بغرض طردهم وترحيلهم قسرياً خارج مدينتهم،التي عمليات تهويدها وأسرلتها تتصاعد بوتائر عالية. 

والمدينة ليست مستهدفة بخطر الأسرلة والتهويد فقط،بل هناك عدو يتربص بها لا يقل خطورة عن الإحتلال الصهيوني،ألا وهو واقعها ونسيجها الإجتماعي الذي يسير نحو الإنحدار والتراجع بشكل خطير،وبما ينذر بتفكك وتحلل هذا النسيج،حيث نشهد حالة من التصاعد والجنون في عمليات الإحتراب العشائري والقبلي،والتي تعدت وتخطت كل الخطوط الحمراء،فنحن نشهد وبشكل لافت وكبير،عمليات قتل تجري على خلفيات نزاعات وصراعات قبلية وعشائرية وأسرية وعائلية عنوانها ميراث أو ملكية عقار او ارض او خلاف على مال،وحتى ابسط من ذلك مكان وقوف لحافلة او سيارة ،او مشكلة بين طفلين أو شخصين وغيرها.
هذا الدمار المجتمعي الشامل المترافق مع هجمة وحرب شاملة يشنها الإحتلال على المقدسيين في كل مناحي وشؤون حياتهم وتفاصيلها اليومية إجتماعية وإقتصادية وحياتية وغيرها،في ظل غياب وضعف للحركة الوطنية بمختلف ألوان طيفها السياسي ومركباتها ومؤسساتها وأذرعها الجماهيرية والشعبية،جعل المقدسيون يبحثون عن توفير الأمن والحماية لهم في عناوين أخرى،أبرزها العنوان العشائري أو حتى اللجان المرتبطة بالإحتلال،وهذه العناوين المتسيدة والمتصدرة للمشهد المقدسي،لا تقود المجتمع المقدسي نحو بر الأمان،أو تحقق له الأمن والإستقرار والسلم الإجتماعي،فهؤلاء يعملون في مجال إطفاء الحرائق ووفق اجندات عشائرية وقبلية،ينشدون لإنتمائهم القبلي والعشائري أولاً لا الوطني،وحلولهم ومعالجاتهم للأمور لا تسهم في بناء مجتمع مدني، وتسلمهم دفة القيادة المجتمعية،تاتي في ظل فراغ وغياب لدور الحركة الوطنية،التي يراهن عليها المقدسيون بأن تتصدر هذه المشهد،والتي يامل منها ان تكون الحاضنة والعنوان لهم في قضاياهم الوطنية والسياسية وهمومهم الحياتية والإقتصادية والإجتماعية،ولكن هذه الحركة الوطنية تعيش أزمة عميقة بفعل تشرذمها وتفككها،وصحيح انها تتعرض لعملية قمع وملاحقة من قبل الإحتلال،ولكن هذا لا يعني ان لا تمارس وتأخذ دورها في دفة القيادة وتصدر المشهد المقدسي،وهذا يتطلب منها بكل مكوناتها ومركباتها واطيافها،أن تغادر فئويتها وعقليتها الإنغلاقية،وان تعمل على صهر جهودها في بوتقة واحدة،من خلال عنوان وطني قادر على أن يتصدى ويستجيب لهموم القدس والمقدسيين،فالحرب على القدس اكبر من كل الفصائل والعناوين،والإحتلال يمتلك كل مقومات القوة والبطش والقمع،وللتصدي له ومواجهته بحاجة الى إرادة سياسية ووطنية مقدسية موحدة،قادرة على الدفاع والصمود والمواجهة،وليس مطلوب ان يكون عنوان وطني أو مرجع بدون حوامل وأذرع تنظيمية وشعبية وجماهيرية،فالحركة الوطنية عليها أن تمد جسور تواصل وتفاعل وبناء ثقة مع الجماهير،فهذه الجماهير هي التي تمنح الثقة لهذه القيادة او تنزعها عنها،فالبقدر الذي تعمل به هذه القيادة وتتواصل وتتغلل في اوساط الجماهير،وتستمع وتصغي لها،وتعمل على معالجة همومها وقضاياها،وتوفير الحماية والأمان لها،وقيادة دفة الدفاع عن وجودها وأرضها ومقدساتها،حينها ستكون الجماهير في خدمة القيادة الوطنية،بل وستشكل لها السياج والدرع الحصين.
الحركة الوطنية في القدس قادرة على النهوض،وقادرة أن تشكل حالة جذب وإستقطاب لكل العناوين والمرجعيات المقدسية الأخرى،لكي تتكامل أدوارهم معاً في سبيل خوض معركة البقاء والوجود في القدس،ولكي تنهض وتاخذ دورها وتتحمل مسؤولياتها وتتصدر المشهد،فعليها اولاً ان تقف مع ذاتها،وتراجع مسيرتها وتعترف بقصورها واخطائها،وغيابها عن تصدر المشهد المقدسي،هذا الفراغ الذي عبأته قوى أخرى،مما دفع بالجماهير الى فقدان ثقتها بالحركة الوطنية على مختلف مكوناتها ومركباتها.
نعم المشهد المقدسي في هذه الظروف الحرجة والدقيقة بحاجة الى من يدق جدران الخزان بقوة،بحاجة الى من يبادر ويقود،بحاجة الى من يكون على مستوى التحدي،فهناك حرب مفتوحة مع الإحتلال،على كل الجبهات والصعد،وتجري بشكل يومي،من يقود ويواجه ويتصدي لمخططات تهويد وأسرلة القدس،ستكون الجماهير المقدسية وفية ومخلصة له،فالجماهير المقدسية من كثرة الخيبات،وما تسمعه من شعارات وخطابات دون ترجمة لفعل حقيقي على الأرض،اصبحت غير مكترثة ومباليه،وتشعر أنها وحيدة في المواجهة دون أي مرجعية او عنوان او سند حقيقي،فلا الشعارات ولا البيانات ولا الدعم اللفظي تدغدغ مشاعرها وعواطفها.
ما حديث مؤخراً من تسريب جماعي للبيوت في وادي حلوة بسلوان،هو ما بعد الخطوط الحمراء،والحركة الوطنية قبل غيرها مسؤولة عما وصلت إليه الأمور،فلو كان لها أنياب لما تجرأ احد على تسريب مثل هذا الكم من العقارات،وعاد يمارس حياته الطبيعية،كان شيئاً لما يحصل فهذا يدلل على حجم الإختراق والإنهيار في مجتمعنا،وما يعتري حركتنا الوطنية من ضعف.
مرحلة فارقة وحاسمة وظرف صعبة تمر بها القدس،والمعارك القادمة أشرس واخطر،وبحاجة الى حركة وطنية موحدة،تعيش وسط الجماهير تقودها بالفعل والعمل،وليس بالشعار والبيان،فهل تدرك حركتنا الوطنية ذلك،وتقوم وتمارس ما هو مأمول منها،أم ستبقى في حالة من الترهل والسبات؟؟.

CONVERSATION

0 comments: