قراءة في انتكاسة "الإسلام السياسي" في تونس/ راسم عبيدات

لماذا إنتكاسة "الإسلام" السياسي في تونس،هي اخطر من مثيلتيّها في مصر او ليبيا،رغم أن الحركة الأم في القاهرة،هي التي تمسك بقرار وقيادة الحركة،وأرثها  وتراثها وتاريخها هناك،ومرشدها العام،ومقدرات وإمكانيات الحركة ومؤدلجيها ومنظريها وفقهائها ومشرعيها؟؟؟
إنتاكسة حركة الإخوان المسلمين وذراعها في تونس،حزب النهضة برئاسة الغنوشي،كانت الأخطر لكونها جاءت من خلال إنقلاب سياسي ديمقراطي عبر صناديق الإقتراع،وهذه النتيجة كانت لحصاد فاشل على كل الصعد في حكم وإدارة البلاد،وعدم ترجمتها للشعارات التي رفعتها عندما تربعت على السلطة هناك، فهي من وعدت الشعب التونسي بإنتشاله من براثين الجوع والفقر والجهل،وحل أزماته الإقتصادية والإجتماعية،وبدلاً من تحقيق الأمن والإستقرار،رأينا كيف  كان إستفحال وتفشي وإنعدام الأمن،وشيوع البطجة والزعرنة عبر مافيات تمارس اعمالها ضد القوى العلمانية والليبرالية والتقدمية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات والجمعيات النسوية تحت سمع وبصر السلطة،وكذلك فإن التطرف والإرهاب بدلاً من يجد طريقة للحل والإحتواء،وجدنا أنه تصاعد وأخذ منحى خطير بما يهدد وحدة المجتمع التونسي،وبما يدخله في حروب وصراعات داخلية تنهك المجتمع،وتدمر إقتصاده ومؤسساته ونسيجه الإجتماعي،حيث الأخطر كان التصفيات الجسدية بالإغتيال على خلفية الإنتماء السياسي،حيث جرى إغتيال اثنان من أبرز قادة الجبهة الشعبية التونسية هما شكري بلعيد ومحمد الإبراهيمي،اللذان جرى إغتيالهما من قوى سلفية،لم تقم السلطة بملاحقة القتلة المجرمين،رغم توفر الكثير من الأدلة والمعلومات حول الجهة التي نفذت عملية القتل والإغتيال،يضاف لذلك حوادث قتل شبيهة نفذت بحق جنود ومواطنين تونسيين،وهذا بحد ذاته خلق جواً معادياً من الشعب التونسي تجاه السلطة الحاكمة،وهذه السلطة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية، جاءت لتعبر عن إنتكاسة اخطر لحركة الإخوان المسلمين،لكون الخسارة جاءت بفعل صناديق الإقتراع،وهذا أخطر مما أصاب الحركة في مصر،حيث ان الجماهير صحيح عبرت عن إرادتها بالنزول للشوارع ضد سلطة وحكم الإخوان هناك،ولكن ذلك لم ياتي عبر صناديق الإقتراع والإنقلاب الديمقراطي السياسي،بل جرى عبر إستيلاء العسكر على السلطة،والتراجع للإخوان ليس قصراً على مصر وتونس،بل ليبيا هي الاخرى تشهد مثل هذه الحالة والصورة والتراجع والإنتكاسة والفشل للمشروع الإخواني.

من العوامل الهامة في تراجع وإنتكاسة حركة النهضة في تونس لصالح حركة نداء تونس وال"تسونامي" الذي غير الخريطة السياسية بشكل جذري،حيث إختفت احزاب كانت تحتل مراكز متقدمة في انتخابات تشرين أول/2011،أحزاب،مثل حزب المؤتمر الذي يتزعمه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي،والذي لم يحصل سوى على 2% من الأصوات، وحزب “التكتل” الذي يرأسه السيد مصطفى بن جعفر رئيس البرلمان المؤقت، وحزب “المحبة” الذي يتزعمه السيد الهاشمي الحامدي ،هي عدم وفاء تلك الحركة لما طرحته في برنامجها من معالجة للأزمات الإقتصادية والإجتماعية ومحاربة الإرهاب والتطرف،لكي نجد بأن الأزمات الإقتصادية والإجتماعية في عهدها قد تفاقمت،وكذلك الإرهاب تطور وتصاعد،ومن العوامل الهامة لهذا التراجع أيضاً فشل التجربة والحركة الأم في مصر،حيث طورد بعدها الإخوان في العالم العربي،ووجهت لهم الإتهامات بتغذية وتمويل الإرهاب والتطرف في العالم العربي،ولعل قضية ما يسمى ب"مجاهدات النكاح" من تونس اللواتي شاركن في بيع أجسادهن في سوريا تحت هذه اليافطة والذريعة والفتوى المشبوهة الأهداف والمرامي ساهمت في هذا التراجع الإخواني،يضاف لذلك الموقف من النظام السوري والنظام المصري الجديد،هي عوامل أخرى سرعت في معاقبة الشعب التونسي للإخوان وا"لترويكا "المؤتلفة معهم في الحكم حزبي "المؤتمر" و"التكتل".

واضح بأن حركة النهضة سلمت بخسارتها في الإنتخابات،وقالت قيادتها بأن الإنتخابات كانت نزيهة وشفافة،وجماهير الشعب التونسي عاقبتها على فشلها وعدم وفائها لشعارتها،والناخب التونسي لم ينخدع ولم تنطلي عليه تلك الشعارات البراقة،واظهر قدراً من الوعي الإنتخابي والسياسي،ولكن حتى اللحظة سنرى كيف ستتعاطى النهضة مع النتائج،؟؟وهل ستسلم السلطة لحركة "نداء" تونس" ؟؟اما انها ستتهرب من عملية التسليم؟؟،وهذا بحد ذاته سيكون مؤشر سلبي وخطير،وثمة خيار آخر مطروح،هل ستتحالف "نداء" تونس" مع حركة النهضة لتشكيل حكومة وطنية تقود البلاد في المرحلة القادمة،وخصوصاً بان حلفاء النهضة من "الترويكا" المؤتلفة معها  في السلطة اندثرت او في طريقها للإندثار(المؤتمر والتكتل)؟؟.

ربما شكلت الإنتخابات التونسية  بهذا الشكل الديمقراطي والسلس الإستثناء في العالم العربي،حيث تعودنا على ان الأحزاب التي تخسر الإنتخابات سرعان ما تلجأ الى التشكيك في نزاهة الإنتخابات ونظرية المؤامرة،فتونس كانت السباقة في "ثورات" الربيع العربي المختطفة من  قبل قوى حرفتها عن أهدافها،ولكن تونس بقيت تقاوم وتصارع ذلك ديمقراطياً،وكانت مؤسسات المجتمع المدني في تونس ذات التراث العريق،لها دورا فاعلاً في الحياة السياسية،ومحاسبة السلطة والتحريض عليها،فيما يخص فشلها وعدم وفائها لشعاراتها وتطبيق برامجها،وكذلك ما تعرضت له المرأة التونسية من حملات ظالمة ومضايقات وملاحقات من قوى سلفية وإسلامية متطرفة ومتشددة،دفع بالإتحادات والمؤسسات النسوية،للمشاركة بشكل فاعل في الإنتخابات والتصويت لصالح القوى القومية واليسارية والليبرالية،وهي ترى بأن سيطرة النهضة وتفردها بالحكم،حتماً سيمس بحرياتها العامة والشخصية،كما ان ذلك سيشدد من الضغوط والقيود الإجتماعية عليها،عبر قوانين تلجأ لسنها حركة النهضة الإخوانية.

التجربة التونسية ستتعرض للنقد والتشكيك والطعن،بأن ذلك "إنقلاب"  أبيض على "الثورة" وعودة لرموز النظام القديم للبرلمان والحكومة بأحزاب جديدة،ولكن هذه الإدعاءات لن تصمد طويلاً فالشعب التونسي قرر بملء إرادته وحريته،وانتخابات تونس التشريعية درس مهم،وعلامة فارقة في المنطقة العربية بأسرها،وتونس تشق طريقها للأمام، بالتوافق والانتقال السلمي،ومن دون عنف أو دماء، وهي قطعت شوطاً مهماً على هذا الطريق، وقد آن أوان التعلم من دروس "الاستثناء التونسي".

CONVERSATION

0 comments: