إن المؤامرة العالمية على سورية تزداد كل يوم وضوحا وشفافية ولا تدع مجالا للشك والريبة بأن مخططاتها قد تم رسمها منذ زمن بعيد ولم تعد تنطلي على أحد التفسيرات والتأويلات التي كانت تختبيء خلفها, ومن الواضح كذلك بأن هنالك من يعمل على تنفيذ هذه المؤامرة على أرض الواقع بكل جدية وإصرار. المؤامرة وصلت إلى مرحلة خطيرة جدا وأصبحت تهدد وحدة وسلامة التراب السوري, وأكثر هذه المراحل خطورة هي بداية "مأسسة" الأزمة السورية لكي تدوم وتستمر أكثر وهنالك من وصل إلى حد الوقاحة وصار يطرح فكرة إنشاء "منظمة التحرير السورية" تحت ذريعة بأن هذا الشكل المؤسساتي سيعطي المعارضة السورية إمكانية العمل بشكل فعّال أكثر والتحرك والمناورة في الأروقة السياسية والديبلوماسية العالمية. إن الذين يعملون على ترويج مثل هكذا أفكار لا يريدون أن يأخذوا من التاريخ عبرة, وأن يتعلموا من تجارب الشعوب الأخرى, وينسون بأنهم بعملهم هذا سيضعون الأزمة السورية في نفق مظلم لا أحد يعرف أين ستكون نهايته وماهي عواقبه وأفضل مثال على ذلك هي المعانات التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ 66 عاما.
لقد التقت على الأرض السورية الكثير من المصالح الدولية والإقليمية وهنالك من لبس عباءة "أصدقاء سورية" وهنالك من وجد في الطائفية أو المذهبية أو العرقية مبررا للإنغماس فيها. ولكن أخطر ما يهدد وحدة الأرض السورية هو التفاهم الكبير القائم بين القوى العالمية العظمى على الأزمة السورية. هذه الدول تعمل على أن تظل موازين القوى بين "النظام" والمعارضة السورية متساوية ولا تسمح لكلا الطرفين أن يخرجا من هذه الأزمة منتصرا.
هنالك دول ومؤسسات وأشخاص تتقن الصيد في الماء العكر وتزدهر تجارتها أثناء الأزمات والحروب, فالكثير من المستفيدين من الأزمة السورية وجدوا فرصتهم فيها وهنالك طبقة من المتنفعين صارت تعتاش منها وتضع كل الدعائم لإطالة عمرها وضمان إستمراريتها, إضافة إلى ذلك تقوم بعض الدول في إستخدام "الورقة السورية" من أجل المساومة بها على مصالحها والتسول عليها.
التحول الطفيف الذي حصل في الموقف الأمريكي بعد التوتر الذي حدث بين أمريكا وروسيا بسبب الأزمة الأوكرانية والذي أدى إلى إغلاق السفارة السورية والقنصليات التابعة لها في أمريكا وبشكل مفاجيء لم تتبعه خطوات أخرى تعزز هذا التحول, بل لا زال أوباما يتعامل مع الأزمة السورية بطريقته الخاصة وهي رسم الخطوط الحمراء "للنظام" وبنفس الوقت منع وصول السلاح اللازم للثوار من أجل حسم المعركة أو ردع شر البراميل والحاويات المتفجرة. إدارة أوباما تستخدم الأزمة السورية من أجل المساومة على مصالحها مع الدول الإقليمية والعالمية وكذلك من أجل حماية أمن وسلامة إسرائيل.
من الواضح بأن الموقف الأمريكي من الأزمة السورية لن يتغير على المدى القريب وإن حصل ذلك فلن يتم إلا إذا تغير الموقف الإسرائيلي. ولكن الموقف الإسرائيلي لن يتغير لأن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من الأزمة السورية وبواسطتها إستطاعت أن تحقق كل أهدافها دون أن تقوم بأي جهد كان, لأن "نظام المقاومة والممانعة" يقوم بقتل شعبه وتدمير بلده بكل ما لديه من سلاح فتاك ومحرّم دوليا ويحمي حدودها ويجعلها أكثر أمنا وإستقرارا من حدودها مع الدول التي عقدت معها إتفاقيات سلام مثل مصر والأردن.
عندما قرأت, ولأول مرة, بأن هنالك من يقترح فكرة تأسيس "منظمة التحرير السورية" إقشعر بدني وبدأت مشاهد معاناة أهلنا في الداخل وفي الشتات, والذين بفضل بطش الطاغية تحولوا إلى نازحين ولاجئين, تدور في مخيلتي ومعها تزداد صورة المؤامرة على الثورة السورية وضوحا, ولكن ما أخشاه أن نسمع في القريب العاجل قد تم تأسيس منظمات تحرير لكل محافظة سورية أو لكل طائفة أو قومية تعيش في سورية. المشهد المأساوي لمستقبل سورية أصبح تقريبا كامل المعالم ولكن ما ينقصنا هو أن نجد شاعرا جريئا مثل مظفر النواب ليكتب لنا قصيدة بعنوان "سورية عروس عروبتكم" فيكتمل المشهد.
نحن على ثقة تامة بأن ثوار سورية وأحرارها لن تفوت عليهم هكذا أفكار ومخططات جهنمية وخبيثة وأنهم سيكونوا لها بالمرصاد مثل ما كان أسلافهم أثناء الثورة السورية الكبرى والذين وقفوا في وجه كل مخططات التقسيم لسورية الوطن إلى دويلات صغيرة.
0 comments:
إرسال تعليق