تصاعدت في الأونة الأخيرة اصوات ناشزة تنبح كنباح الكلاب تنادي علنا وبكل صراحة و وضوح بتقسيم العراق ارضاً وشعباً وحضارة وإنهاء تأريخه الممتد لأكثر من 7000سنة ، وتأتي هذه الطروحات الشيطانية والأفكار المريضة التي لا تخلوا من الحس والنفس الطائفي والعرقي المقيت تحت يافطة الاقلمه والفدرلة للعراق الجديد! .
والمثير للسخرية في تلك السيناريوهات التقسيمية التي يحاول منظروها ومروجوها تمريرها من خلال حالات تبرير ساذجة لا ترقى لمستوى العقل العراقي الناضج فتقسيم العراق الى دويلات صغيرة مشتتة وشعب مفكك وموزع فيها حسب الدين والطائفة والعرق سلعة هذه المجموعة التي تضم شرذمة من الانتهازيين والفاشلين فكرياً والمفلسين سياسياً وشعبياً والمختلين عقليا بلا شك وتتحكم بهم غرائزهم ورغباتهم الحيوانية طامحين بالمال والمكسب والإمتيازات الإستثنائية حتى لو كان ذلك على حساب ابناء شعبهم ووطنهم وهويتهم ، فمنذ إحتلال العراق في 9/4/2003 نجد ان مشاريع التقسيم للعراق تعتبر جوهرية في اهداف القوى والاحزاب والشخصيات السياسية الدينية والعنصرية ( الطائفية و العرقية )وتبدوا كأنها عقيدة فكرية راسخة في أذهان اولئك القادة الطائفيين والعنصريين وانعكست على سلوكياتهم اليومية حينما تسلموا مقاليد الحكم ومواقع السلطة والنفوذ بإرادة الاحتلال الأمريكي- الإيراني ، ولاشك بان قراءتنا السابقة لكل ما مر به العراق وشعبه منذ الإحتلال وحتى يومنا هذا وما تعرض له من مؤامرات أثبتت مصداقيتها اليوم فموطئ القدم الحقيقي لدعاة التقسيم في العراق منذ الإحتلال كان في تنشيط النزعة الطائفية والعرقية في نفوس المواطنين وخلق التفرقة الدينية والمذهبية والقومية وتفعيلها من خلال الممارسة الحكومية وغير الحكومية بالتفريق بين المواطنين على أساس الدين والمذهب والقومية بل واستطاعوا من زج بعض الوطنيين في هذه الدوامة دون أن يدركوا ذلك حينما حملوا البعض ممن عارضوا الإحتلال ومشاريع التقسيم على إستخدام مصطلحات طائفية تسلب الصبغة الوطنية عنهم وتوظفهم كحالة مكملة للمشروع السياسي القائم في العراق و التي يعارضونها فقد انزلق الكثير من الوطنيين نحو تلك البئر المظلمة دون أن يدركوا ذلك فحينما يدافعون عن مكون إجتماعي معين دون الاخر بحجة تعرضه لمظلومية من قبل مكون إجتماعي اخر هنا تكمن المشكلة ، ومن خلال تتابع الأحداث وتراكماتها نستنتج من قراءتنا إن دعاة التقسيم اليوم في العراق يركنون في طروحاتهم إلى حجج ضعيفه وغير مقنعة للشارع العراقي إلا في حالة فقدانه الأمل بشكل كامل فحينها قد يبدأ بتقبل الأمر الواقع من منطلق القناعة بضرورة الخلاص من خلال التخندق في مناطق من نوع ولون معين (التقسيم والإنفصال) أو من خلال رضوخه لمجريات الأمور ،إلا أن الحقائق العلمية والعملية التي بدأت بالضهور بخصوص قضية التقسيم أو الأقلمة والفدرلة ضمن العراق الإتحادي تظهر لنا معطيات مهمة تضعنا امام حقائق لا تقبل الشك بفشل الاقاليم المفترضة في الوقت الحاضر من التأسيس لحالة إيجابية في خلق حياة افضل لسكان تلك الاقاليم المفترضة لعدة أسباب جوهرية في مقدمتها ان اساس النظام الفدرالي من حيث المبدأ يطبق في المجتمعات التي تنقسم على نفسها بسبب مكوناتها المجتمعية دينياً أو قومياً وتنتج عن ذلك إشكالات يصعب فيها السيطرة على مجريات الأمور لذلك تتجه إلى خيار الفدرلة والاقلمة مع اعطاء المركز صلاحيات واسعة تطبق على الاقاليم كما ويعتبر دستور البلاد ساري المفعول على الاقاليم ، اما في العراق وفق الحالة التي طرحت وتطرح اليوم بخصوص الاقاليم فهي ليست سوى بداية لتقسيم العراق لدويلات مستقلة لها كيانها الخاص ومواردها الاقتصادية والطبيعية وجيشاً خاصاً بها وتبنى على اساس ديني أو مذهبي أو عرقي معين كما وان الشعب العراقي رغم تعددية الأديان والمذاهب والقوميات في تكوينه الإجتماعي إلا أنه يعتبر حالة فريدة من نوعه بتماسكه الإجتماعي على مدى تأريخه الطويل ، فنلاحظ ان في المجتمعات التي تغلب فيها النزعة العنصرية دينياً أو قومياً على النزعة الوطنية فإن من المستحيل في هذا النوع من المجتمعات نجد حالات مصاهرة تخرج عن اطار الطائفة الواحدة او القومية الواحدة فيكون فيها التزمت شديد جداً ولا يسمح بالتزاوج من ابناء المذاهب و الطوائف الاخرى ، فهذه الحالة لا توجد اطلاقا في طبيعة الشعب العراقي ونسيجه الإجتماعي بل على العكس تماماً فإن حالة التناغم والتداخل الاسري بين مكونات المجتمع العراقي تعد الأكثر إنسجاما من غيرها بين المجتمعات ، لذا فأن مبررات التقسيم لا وجود لها اطلاقا سوى في مخيلة منظريها و المستفيدين منها على المستوى الشخصي الضيق .
وبما إن مقومات التقسيم في العراق لا وجود لها على الاطلاق لا على المستوى الإجتماعي ولا الجغرافي ولا الإداري إذ ان مشروع التقسيم اختلق من قبل مجموعة من الإنتهازيين الذين تجمعهم المصلحة الضيقة وتدعمهم وتمولهم جهات خارجية تضع من تقسيم العراق أولوية قصوى لها في أهدافها الإستراتيجية والدليل على ذلك ان مقومات ومبررات التقسيم التي تطرحها تلك المجموعة لم يكن لها وجود قبل الإحتلال في العراق حيث بدأ العمل منذ الاحتلال على خلق مبررات التقسيم وصناعة مقوماته عنوة من خلال فرض واقع مدروس وممنهج يوصل بالنتيجة لخيارين اما القبول بالامر الواقع من قبل الشعب العراقي بالتقسيم او الرضوخ للامر الواقع نتيجة الحالة الإستثنائية التي سلطت بشكل مكثف ومركز على العراقيين سواء على المستوى الأمني او الإقتصادي او الإجتماعي او الثقافي فجملة العوامل والمبررات المفتعلة هي لهدف إيصال المجتمع العراقي لا شعورياً لقناعة الإنقسام والتخندق في مناطق من لون وصبغة معينة طائفياً او دينياً او قومياً ، ولو استذكرنا بعض طروحات التقسيم بعد الإحتلال ومبرراتها فنجد ان ما نقوله في هذا الصدد هو منطقي إلى حداً كبير حيث نتذكر ان مطالبة وائل عبد الطيف بإقليم البصرة بُرر في حينها بأن البصرة تعاني من الفقر والبطالة ولاتحظى بإهتمام حكومات بغداد وبما ان البصرة تحظى بطاقة بترولية هائلة وثروة بحرية كبيرة ومنطقة تجارية هامة فجاء طرح وائل عبد الطيف لإقليم البصرة من هذا المنطلق ، ثم جاءت طروحات اخرى بإقليم الجنوب بنفس المبررات التي طرحت بخصوص إقليم البصرة ثم نسمع اليوم عن إقليم الانبار فيبرر دعاة هذا الإقليم المفترض طرحهم على أنه نتيجة المظلومية التي تعرض لها سكان الانبار من قبل الحكومات العراقية التي جاءت بعد الإحتلال وتهميش أهالي الانبار من التمثيل في المحافل الحكومية وصناعة القرار السياسي في البلاد ، ثم جاءت مطالبات أوسع بتشكيل إقليم للسنة في العراق يضم المحافظات التي تشكل الطائفة السنية أغلبية فيها بحجة ان السنة في العراق مهمشين ومضطهدين لذا فان دعاة اقليم السنة كما يزعمون يهدفون في الانفصال لرفع الحيف والظلم عن سنة العراق !!! ثم نسمع من جديد عن مطالبات اخرى بتقسيم محافظة نينوى ثاني اكبر محافظة في العراق إلى محافظتين وإقليم للمسيحيين محافظة منها تلتحق بإقليم كردستان في شمال العراق والاخرى تبقي على الموصل ضمن حدود ضيقة وإقليم للمسيحين في سهل نينوى ، ثم تليها طروحات بإعلان مدينة سامراء محافظة مستقلة عن صلاح الدين ومدينة الفلوجة محافظة هي الاخرى مستقلة عن الانبار وقضاء الزبير محافظة مستقلة عن البصرة ،وبالنتيجة و وفق الدستور العراقي الحالي فأنه يحق لمحافظة أو اكثر من تشكيل إقليم لذا فأن خطورة إعلان تلك المدن والاقضية كمحافظات لاشك بأن تليها خطوة اعلانها كأقاليم ، لذا فإن مبررات التقسيم تحت مسمى الفدرالية واضحة المعالم والملامح ولا لبس فيها إذ ان هذه الاقاليم لن تبنى على أساس المصلحة الإقتصادية بين عدد من المحافظات وانما يراد لها ان تكون على أساس المكونات الإجتماعية (دينياً او قومياً او طائفياً ) ، لذا فأن ملامح المرحلة القادمة في العراق في ظل موسم طروحات التقسيم تعد الأكثر خطورة وصعوبة من المراحل السابقة فيما يخص وحدة العراق من تقسيمه.
0 comments:
إرسال تعليق