حكومةٌ يمينية متطرفة وحاخاماتٌ يهودية مخرفة/ د. مصطفى يوسف اللداوي

مسكين هو الشعب الفلسطيني، فقد ابتلي بأكثر أهل الأرض شراً وجوراً وظلماً، أساتذة الفجور، وسدنة الفساد، وأرباب الكذب، وأكلة الربا، وصناع الفتنة، ومروجي الفاحشة، والساعين بالسوء بين الخلق، المنافقين الكاذبين المذبذبين، الشائنة أخلاقهم، والقذرة بيوتهم، والعفنة ثيابهم، والمريضة نفوسهم، والنتنة أجسادهم، القاسية قلوبهم، والمتحجرة نفوسهم، والمعادين للحق، والمناوئين للصدق، قرناء الشياطين، وأصدقاء المتآمرين، مرضى العقول والقلوب معاً، إنهم اليهود الذين شاقوا الله ورسله، وحاربوا الأنبياء وقتلوهم، وتآمروا على السيد المسيح عليه السلام ليقتلوه، وليطفؤوا نور الله بأفواههم، ولكن الله أركسهم وأتم بالحق نوره، إنه قدر الله أن يكونوا هم أعداؤنا، الذين سلبونا حقنا، واعتدوا على حرماتنا، واغتصبوا أرضنا ومقدساتنا.

لايعرف الفلسطينيون من أين يتلقون الضربات، ولا من الذي سيباغتهم بضربةٍ قادمة، وأي جبهةٍ يقاتلون، وأي معركةٍ يفتحون، فالإسرائيليون يطلعون عليهم في كل يومٍ بجديدٍ قاهرٍ ومستفز، فما إن تهدأ ثورة تصريحات وزير خارجيتهم أفيغودور ليبرمان، التي تطال الحقوق والثوابت والمقدسات، وتتطاول على الأرض والسكان، وتهدد البشر والشجر والحجر، وهي التصريحات التي لا تستثني الأصدقاء والحلفاء، ولا تراعي الظروف والأوضاع، حتى يطلع حاخامات اليهود المتطرفين بفتاوى دينية، وتصريحاتٍ باسم الرب، الذي اختارهم بزعمهم وانتقاهم، يطالبون فيها حكوماتهم اليمينية المتطرفة، أن يستجيبوا لتعاليم الرب، الذي خلقهم أسياداً، وجعل الخلق أجمعين لهم خدماً وعبيداً، فمرةً ينادون بقتل الفلسطينيين جميعاً وإبادتهم، لأنه ما من فلسطينيٍ أو عربيٍ جيد، إلا العربي الميت، ولذا فإن موتهم خيرٌ لبني إسرائيل، بل إن قتلهم واجب لجلب المنفعة والخير إلى شعب الله المختار، فالله أمرهم أن يطهروا الأرض منهم، وأن يجعلوها خالصةٍ لأبناء يعقوب وسلالته من بعده، لا يشاركهم فيها من الأغيار أحد، ويعيبون على حكوماتهم أنها لا تثخن السيف في رقاب الفلسطينيين، فتقتلهم جميعاً، ليعجلوا في وعد الرب لهم.

وتارةً ينادي كبيرهم عوفاديا يوسف بوجوب معاملة الفلسطينيين كالأفعاعي والصراصير، ووضعهم فيما يشبه القنينة تمهيداً لإبادتهم جميعاً، لئلا تكون لأحدهم بعد ذلك فرصة للحياة، فالعرب في نظره حشراتٌ ضارة يجب قتلها، وليس في هذا غضبٌ للرب، إنما إرضاءٌ له، وتقربٌ منه، فقتل العربي ليس جريمة، كما أنه ليس ذنباً ولا معصية، ولا هو عيب ولا نقيصة، ولا عار يلطخ سمعتهم، بل إن المعصية والذنب تلحق باليهودي الذي لم يقتل غويماً أو يحلم في قتله، فهذا الذي لم يقتل لا ينبغي أن يعود إلى بيته مرفوع الرأس، ولا ينبغي لأمه أن ترحب به ما لم تكن يداه قد تلونت بدماء الأغيار.

ماذا يفعل الفلسطيني إزاء أولئك وهؤلاء، وإلى أين سيتجه، وممن سيحصن نفسه، فالساسة الإسرائيليون، يمينيون متطرفون، يسعون إلى قتل الفلسطينيين وطردهم من أرضهم وتجريدهم من حقوقهم، ويؤلبون المجتمع الدولي كله ضدهم، ويتهمونهم بالتطرف والإرهاب، ويدعون المجتمع الدولي إلى عدم التعاون معهم، وإلى عدم مناصرتهم وتأييدهم في مطالبهم الوطنية بدولتهم وأرضهم ووطنهم، وقادة أركان الجيش الإسرائيلي الذين يبالغون في استخدام القوة العسكرية المفرطة، ويطلقون نيرانهم وقذائفهم وصواريخهم في كل اتجاه، فيقتلون ويخربون ويدمرون، ولا يبالون بمعاناة المواطنين، ولا يسألون عن حاجتهم أو ضائقتهم، غلاةٌ متشددون، يحرصون على أن يكون لجيشهم حاخاماً ومرشداً، يوجه الجنود، ويؤطر القيادات، ويشحذ هممهم، ويحرضهم على مزيدٍ من القتل وسفك الدماء، ويوحي إلى الجنود أن رضى الرب عنهم منوطٌ بحجم الدماء التي يسفكونها، ومرتبطٌ بمدى قدرتهم على تطهير الأرض من الأغيار، الذين بغيابهم يعود الهيكل ويظهر التابوت، وتستعيد مملكة إسرائيل أرضها وملكها.

المتدينون اليهود، مواطنون ومستوطنون وحاخامات، يؤطرون الحرب الإسرائيلية الوحشية على الشعب الفلسطيني في إطارٍ دينيٍ عقدي، ويؤججون مشاعر الإسرائيليين العنصرية نحو مزيدٍ من القتل والطرد والإبادة، ويحاولون تخليص الجنود الإسرائيليين من أي عقدةٍ نفسية، بإحساسهم بتحمل المسؤولية الأخلاقية عما يرتكبون من مجازر، فيوحون إليهم أنهم بقتلهم الفلسطينيين إنما يلبون نداء الرب، ويقدمون بين يديه فروض الطاعة والولاء، ذلك أن الفلسطينيين هم أعداء الرب، وهم العقبة التي تعترض ظهور الهيكل الثالث.

عندما يقول الفلسطينيون بأن معركتنا مع الإسرائيليين معركةٌ أبدية، وهي معركةٌ دينية، تقومُ على أساسٍ من الدين والعقيدة، ينبري البعض رافضاً هذه المقولة، منتقداً هذه الفرضية، ويعتبر أن إسرائيل دولةً مدنيةً علمانية، تحارب العرب والفلسطينيين على أساسٍ من المصالح، وعلى رأسها مصلحة الوجود والبقاء، ولكن وفق غريزة حب البقاء الدنيوية الطبيعية، وليس على قاعدةٍ من الدين والعقيدة، ولكن الوقائع الإسرئيلية، السياسية والدينية، تثبت قطعاً أن الإسرائيليين يحاربوننا ويناصبوننا العداء وفق قاعدةٍ دينية، تخدم مصالحهم، وتحقق مآربهم، وعلى العالم كله أن يعلم أن الإسرائيليين هم العنصريون، وهم الإرهابيون المتطرفون، وهم الذين يشكلون خطراً على السلم والأمن الدولي، وهم الذين يشيعون أجواء الكراهية والحقد، وهم الذين يؤسسون للعنصرية والتطرف.

إبادة الفلسطينيين واجتثاتهم من أرضهم، ودفعهم لنسيان حقهم، هو حلمٌ إسرائيليٌ قديم، عمل من أجله كل قادة الكيان الصهيوني، الذين أمعنوا في قتل الفلسطينيين، وارتكبوا في حقه أبشع المجازر، ولعل آخرهم كان أرئيل شارون الذي حاول أن يجتث الفلسطينيين من أرضهم، ولكنه ذهب آيةً للذكرى وثبت الفلسطينيون على حقهم في أرضهم، فالفلسطيني باقٍ رغم المجازر، ثابتٌ على حقه رغم مساعي الإبادة المتكررة، والتحريض الديني المتعصب المقيت ضده، ولن يقوَ الإسرائيليون وغيرهم، أن يقهروا هذا الشعب أو يبيدوه، مهما بلغت قوتهم، وتعاظمت آلة القتل لديهم، إذ ستبقى أجيالٌ فلسطينية تتوالى وتتابع، تتواصى بالأمانة والعهد، وتحمل معها جيلاً بعد جيل، أن هذه أرضنا، وهذه مقدساتنا، وإليها يوماً ما سنعود، مهما تطرف الإسرائيليون وخرف الحاخامات والمتدينون.

CONVERSATION

0 comments: