......عاد الخيار العسكري من جديد ليهيمن على الساحة اللبنانية،حيث أن إسرائيل وأمريكا وأوروبا الغربية تدفعان بالساحة اللبنانية نحو هذا الخيار،فإسرائيل تواصل الحديث عن الحرب والقدرات العسكرية الكبيرة لحزب الله،وهي تعلن أن الحرب القادمة ستوقع الكثير من القتلى والجرحى في الجانب الإسرائيلي،و تل ابيب ستكون تحت مرمى الصواريخ من أكثر من جبهة،وهي تعلن كذلك أن استمرار تسلح وتدفق الأسلحة الحديثة على حزب الله من شأنه الإخلال بميزان القوى القائم،وكذلك عدم دفع الأمور نحو الحل العسكري من شأنه أن يعاظم من قوة وقدرة حزب الله العسكرية،ناهيك عن تسلح إيران بأسلحة الدمار الشامل،وهذا من شأنه القضاء على التفوق والهيمنة الإسرائيلية المطلقتين على المنطقة،وأمريكا وأوروبا الغربية تخشيان من تهديد جدي لمصالحهما ووجودهما في المنطقة إذا ما حسم أمر لبنان لصالح معسكر المقاومة والممانعة العربية،ولذلك وجدنا أن هناك ضغوطاً هائلة أمريكية وأوروبية غربية مورست على رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لعدم القبول بورقة التفاهمات السورية- السعودية،والتي أحد بنودها تخلي الرئيس الحريري عن المحكمة الدولية بشأن قضية مقتل والده رفيق الحريري،تلك المحكمة التي تعتمد على اتهامات جاهزة ومفبركة ومسيسة،فالقرار الظني المتوقع صدوره عن المحكمة الدولية من المتوقع أن يتضمن اتهامات لشخصيات محورية في حزب الله بالمشاركة في اغتيال الحريري،ومن شأن ذلك إعطاء أمريكا وأوروبا الغربية المبررات من أجل التدخل عسكرياً في لبنان ومحاولة تصفية حزب الله ،وطبعاً هذا سيكون بمشاركة إسرائيلية مباشرة وبغطاء ومشاركة العديد من أنظمة النظام الرسمي العربي،حيث متوقع أن يرفض حزب الله تسليم أي من عناصره يمسهم قرار الاتهام الظني،ومن هنا كان قرار حزب الله ألاستباقي بالانسحاب من الحكومة التي يرأسها الحريري،هذا الانسحاب الذي قاد الى سقوط تلك الحكومة،وبما يعني على أقل تقدير حكومة شلل أو أن ينجح معسكر المقاومة في ترشيح رئيس وزراء لبناني لا يستجيب لشروط واملاءات المحكمة الدولية،أو بقاء الوضع على ما هو عليه وبما لا يسمح أيضاً بفرض أمريكا وأوروبا لاشتراطاتهما وتنفيذ قرار المحكمة الدولية.
ومسألة الحسم في تشكيل او عدم تشكيل الحكومة اللبنانية وتحديد وجهتها منوطة بمواقف الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني بقيادة جنبلاط والذي يمتلك أحد عشر نائباً في البرلمان،هذا الحزب الذي أجرى عملية مراجعة لمواقفه السياسية أخرجته من دائرة قوى الرابع عشر من آذار،وكذلك عمل على ترميم علاقاته مع سوريا وحزب الله،وبالتالي فمن المستبعد أن يوافق على المشاركة في حكومة تستهدف ضرب وتصفية المقاومة،فأي حكومة لبنانية تتشكل،وتعمل على إضفاء الشرعية على اتهامات المحكمة الدولية،قد يكون لها تداعيات خطيرة على السلم الأهلي في لبنان وبما يدفع الساحة اللبنانية نحو الاقتتال والاحتراب الداخلي والطائفي،وبما يسمح ويتيح لأمريكا وإسرائيل وأوروبا الغربية حسم خيارهما العسكري مع إيران وسوريا وحزب الله والمقاومة الفلسطينية على الساحة اللبنانية،فهذه الدول تدرك أن هناك كلفة عالية لهذه الحرب،وبالذات إسرائيل،ولكن دفع الثمن الآن أفضل من دفعه عشرات الأضعاف مستقبلاً،فالتطورات العربية والإقليمية والدولية ليست في صالح هذا المعسكر،وخصوصاً لجهة بروز ،وبداية تشكل تحالفات إقليمية جديدة،وخاصة المحور الايراني – التركي- السوري وما يدور في فلكه من قوى مقاومة عربية وبالذات الفلسطينية واللبنانية منها،ناهيك عن اهتزاز عروش العديد من أنظمة النظام الرسمي العربي،والتي بدأ أن ثورات الجوع والفقر عليها،قد تنجح في دك حصونها والإطاحة بها،وهذا من شأنه تغير خارطة وجهة تحالفاتها وعلاقاتها،رغم انه من السابق لأوانه الجزم والحسم في هذا التحليل والاستنتاج،وخصوصاً أن تلك الأنظمة قادرة على التلون والخداع والتكيف مع ما يجري،من خلال امتصاص نقمة الجماهير الشعبية والقيام بإصلاحات وتغيرات شكلية وهامشية وتقديم وعود فارغة وجوفاء،تتيح لها تفكيك قوى المعارضة ومن ثم الانقضاض عليها والارتداد على تلك الوعود وحتى الإصلاحات الشكلية.
أضف إلى ذلك كله انسداد أفق المفاوضات والتسوية فلسطينياً وسورياً،يجعل إسرائيل تفكر جدياً بالحل العسكري،لكي تحرف الأنظار عن تعنتها ورفضها تقديم أية تنازلات جدية من أجل السلام،وهي بحاجة لمثل هذا الخيار لكي تفرض شروطها وإملاءاتها.
إسرائيل تقرع طبول الحرب،وهي لا تخفي ذلك بل تمارسه على أرض الواقع فهي تستبيح أرض وسماء ومياه لبنان يومياً،حيث الخرق اليومي للأجواء اللبنانية،وعشرات شبكات الجواسيس المجندة لخدمتها على أرض لبنان والتعدي على المياه الإقليمية اللبنانية،وحتى على حقوقه في حقول الغاز المكتشفة على شواطئه،وكذلك إرسال جواسيسها لاغتيال علماء الذرة الإيرانيين.
التقديرات والتحليلات تشير إلى أن لبنان بعد سقوط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الحريري قد دخل في أزمة مفتوحة يصعب تحديد ما ستؤول إليه في المدى المنظور وما هي التداعيات التي ستنتج عنها داخلياً وإقليميا ودولياً،وهذا رهن بسلوك القوى اللبنانية وشبكة علاقاتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية،فأزمة تشكيل الحكومة في ظل الانقسام السياسي الحاد وهشاشة التحالفات السياسية قد تطيل من أمدها وعدم الاتفاق على تشكيلها،وبالمقابل أيضاً فإن رفض الحريري لمطلب حزب الله التخلي عن المحكمة الدولية،يعني أنه لا مناص أمام حزب الله وحلفاءه من قوى الثامن من آذار،إلا أن يكونوا في موقع ومركز القرار في مؤسسات الدولة من اجل الحيلولة دون توقيف.....أي من المشتبه بهم"المنتمين الى حزب الله.فعدم سيطرة حزب الله وقوى الثامن من آذار على الحكومة سيفتح عليها أبواب جهنم مع اقتراب صدور القرار الظني.
نحن إذاً أمام ساحة حبلى بالتطورات والسيناريوهات المفتوحة،فصحيح أنه لا مصلحة لأحد من الداخل اللبناني في أن تتطور الأزمة الى مواجهات عسكرية يخسر فيها الكل اللبناني،ولكن كل ذلك رهن بالقدرة على ضبط إيقاعات الأزمة وسلوك القوى السياسية اللبنانية،فتلك القوى العديد منها وبالتحديد قوى الرابع عشر من آذار،تتعرض الى ضغوط أمريكية وأوروبية غربية هائلة من أجل تفجير الأزمة اللبنانية وتصعيدها وبما يفسح المجال أمام الخيار العسكري،هذا الخيار الذي تريده أمريكا في ظل ما تحصده من فشل ذريع لسياساتها الخارجية في أفغانستان ومروراً بالعراق ولبنان وانتهاءً بفلسطين،وكذلك إسرائيل تتعجل هذا الخيار فقوى المقاومة تتعاظم وتتطور تسليحياً وعسكرياً وإيران تقترب من امتلاك السلاح النووي والتطورات الإقليمية لا تخدمها وليست لمصلحتها.
وبانتظار صدور قرار المحكمة الدولية وما يتضمنه،وعلى ضوء موقف القوى اللبنانية وبالذات تيار المستقبل وحزب الله منه،يتحدد المنحى الذي ستأخذه الأزمة وأبعادها وتطوراتها وتداعياتها.
0 comments:
إرسال تعليق